ليالي الثلث الأخير من هذا الشهر الكريم،يتوقع ان تكون اية واحدة منها هي ليلة القدر،حسب ما ورد في الاحاديث الشريف التي تدعونا لتوقعها في الليالي العشر الأخيرة،غير ان بعض الروايات في المصادر الاسلامية ركزت على الليالي الفردية،وبعضها ركزت بشكل خاص على ليلة الحادي والعشرين والثالث والعشرين والسابع والعشرين.
‘,’لذلك فان المؤمنين يسعون لاحياء اغلب هذه الليال،ونظرا للاختلاف في تحديد الليلة الاولى من الشهر الكريم،يسعى البعض من المؤمنين الى احياء كل الليالي لتوخي ان يحضوا باحياء ليلة القدر التي لايعلمها الا الله سبحانه وتعالى.
يوم الاثنين الماضي،الموافق 22/9/2008 كان يتوقع ان يكون ليله ليلة القدر حيث تصادف ليلة الثالث والعشرين عند البعض والثاني والعشرين عند البعض الأخر،وحبا للحضوة باحياء هذه الليلة فقد قررت ان احييها بثلاثة اعمال،الاول:صلة الارحام،وهو من الاعمال المستحبة في هذه الليلة المباركة،الثاني:تدارس العلم وهو من اهم المستحبات في ليالي القدر،ومنه كتابة ما تبقى من مقالات لهذا الشهر الكريم،والثالث:احياؤها بالعبادة حسب الاعمال الخاصة الواردة في هذه الليلة،كما في المصادر الدينية المشهورة عندنا.
هكذا خططت،ونفذت قسما من العمل الاول بزيارة احد الاقارب، لكني بعد ذلك واصلت احياءها الى الفجر مع نسيم القمر،وكم قدرت نسيم القمر،ورأيت ان احياءه لهذه الليلة يستحق الكثير من الثناء والتقدير.
نسيم القمر رجل شرطة يعمل باخلاص وحرفية،في مركز شرطة سترة،الذي توجهت اليه بعد ان اكتشفت ان جريمة سرقة وقعت في شقتي في المعامير،حيث اقتحم شخص مجهول الشقة بين الثامنة والتاسعة مساء،حين كنا في زيارة قريبنا،وقد سرق المجهول مالا ومصوغات ذهبية للزوجة،وحطم زجاج احد النوافذ،وفر هاربا.
الحق اني كنت في غاية الضيق ان تتعرض شقتي للسرقة في هذه الليلة المباركة،لكني بعد ان رأيت الجدية والاخلاص عند نسيم القمر،شعرت ان ما يقوم به هذا الشرطي في هذه الليلة هو عبادة ايضا تستحق مني ومن المهتمين بالشأن الديني الاشادة بها،واي عبادة اكبر من السهر على تطمين الناس واشعارهم بانهم لايزالون في جو آمن،اذ لا عبادة في اجواء تخلو من الأمن،والله عز وجل يقول في كتابه الحكيم\”فاليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف\”
استقبلني شرطي أول نسيم القمر بادب جم،وطلب مني ان اعطي تفاصيل عن الحادثة،ودون كل شيئ بدقة وعرض علي ما دونه،واعتذر اعتذارا شديدا بانه لايستطيع مرافقتي الان الى الشقة مكان الحادث لانشغال جميع الدوريات في تلك الساعة وهو ما شاهدته بنفسي وقت وصولي للمركز حيث كانت الدوريات على وشك الخروج،لكنه طلب مني ان اعود للشقة وهو سيأتي في اسرع وقت ليتفقد مكان الجريمة،جاء بنفسه برفقة احد الشرطة والتقط صورا لكل ما يتوقع ان له علاقة بالجريمة،لكنه لم يقنع بكل ذلك بل اتصل بوحدة التحقيقات الجنائية لكشف ساحة الجريمة،وودعني بأمل ان تأتي الوحدة في اسرع ما يمكن.
الثالثة والنصف فجرا،جاءت الوحدة باربع سيارات جيب وستة عشر رجل امن برفقة نسيم القمر،وطوقوا مكان الجريمة وبدأوا التحري والبحث عن اي شيئ له علاقة بالجريمة،ورفعوا البصمات من اكثر من مكان،كانوا غاية في الجدية والاخلاص والتودد والاعتذار،وقاموا بعملهم على اكمل وجه،الا ان هذا الوقت وقت السحر،فطلبت منهم ان يتناولوا شيئا كسحور يقويهم على الصيام بعد هذا الجهد الكبير،لكنهم كانوا منهمكين في عملهم،وتلقوا اوامر بالتوجه الى المنامة لمعاينة حادث اخر،الححت على نسيم ان يتناولوا شيئا قبل ان يتداركهم الاذان،فلم يتناولوا غير الماء،قبل لحظات من شروع الأذان،ولم يغادروا الشقة الا عند الرابعة والنصف تقريبا،وطلب مني نسيم ان اتوجه صباحا للمركز لاستكمال الاجراءات،ولشدة ما تعجبت حين رأيت نسيم القمر متواجدا ايضا صباحا ولكن بالثياب المدنية،واوصلني للشرطي المداوم لاستكمال الاجراءات.
قد تتوصل التحقيقات الى اكتشاف الجاني،وهو امر مهم بالنسبة لي ولاسرتي،فهذه المرة الثالثة التي نتعرض فيها الى مثل هذا الاعتداء في قريتي المعامير التي اكن لاهلها كل الحب والتقدير،ونبلغ عنها ولم تتوصل التحقيقات لاكتشاف الجاني وتسجل القضية ضد مجهول،الامر الذي يثير عند اسرتي القلق،وقد لاتتوصل التحقيقات الى شيئ كما في المرات الماضية،وعوضنا على الله عز وجل،وهو الذي جعل هذه الليالي ليال سلام،لكن العباد الاشقياء اخترقوا هذا السلام وروعوا النساء والاطفال الأمنين،لكني سابقى محتفظا بصورة غاية في الاحترام والتقدير للعمل الذي يقوم به نسيم القمر واخوانه في السهر على امن الناس وراحتهم،وهو عبادة،اما من باب السعي للكد على العيال،اذا الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله ولو في ليلة القدر،اومن باب السعي في قضاء حوائج الناس وهو من المستحبات المؤكدة التي وردت فيها نصوص دينية،ورجحتها على الاعمال العبادية المستحبة كالطواف حول بيت الله الحرام.
اما المحروم الاكبر والشقي التائه،فالمجرم الذي يفوت على نفسه ليلة السلام،وليلة استجابة الدعاء،فيدون في تقدير الله عن نفسه،انه اختار الجريمة على بركات الله في ليلة هي خير من الف شهر.