التقوى تفتت الاستغلال


الربا من ابرز الصور التي‮ ‬يستغل فيها البعض حاجة الاخرين الانسانية الماسة من اجل النجاح على حسابهم،‮ ‬لكن هذا النجاح‮ ‬يعتبره القرآن الكريم،‮ ‬فشلاً‮ ‬انسانيا كبيرا،‮ ‬وتضخما فرديا على حساب تهشم اجتماعي،‮ ‬وهو ما‮ ‬يقود في‮ ‬المحصلة النهائية إلى سقوط المجتمع ومن ثم سقوط افراده،‮ ‬بمن فيهم المرابون،‮ ‬من هنا فلا‮ ‬غرابة للاحاديث والروايات التي‮ ‬تعد الربا من اشنع الاعمال وترى اثره اخطر من الزنى،‮ ‬إذ الزنى قد لا تتجاوز اثاره الفاعلين له،‮ ‬بينما الربا‮ ‬يهدد اركان المجتمع بالتزلزل‮.‬
‘,’يقول تعالى‮: »‬يا ايها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون‮« (٠٣١/ ‬آل عمران‮).‬
وقد وردت عدة احاديث وروايات تكشف علة تحريم الربا،‮ ‬وهي‮ ‬ما تلقي‮ ‬الضوء على الخلفية النفسية والاجتماعية للشخصية المرابية مما‮ ‬يؤدي‮ ‬بها إلى الفشل والسقوط،‮ ‬فقد ورد عن الامام الرضا عليه السلام انه قال‮: »‬وعلة تحريم الربا لما نهى الله عز وجل عنه ولما فيه من فساد الاموال لان الانسان اذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما وثمن الآخر باطلا،‮ ‬فبيع الربا وشراؤه وكس على كل حال على المشتري‮ ‬وعلى البائع،‮ ‬فحرم الله عز وجل على العباد الربا لعلة فساد الاموال،‮ ‬كما حظر على السفيه ان‮ ‬يدفع إليه ماله لما‮ ‬يتخوف من فساده حتى‮ ‬يؤنس منه رشد،‮ ‬فلهذه العلة حرم الله عز وجل الربا‮..«.‬
وفي‮ ‬رواية عن الامام الصادق عليه السلام انه قال‮: »‬انه لو كان الربا حلالا لترك الناس التجارات وما‮ ‬يحتاجون إليه،‮ ‬وحرم الله الربا لتنفر الناس من الحرام إلى الحلال وإلى التجارات من البيع والشراء فيبقى ذلك بينهم في‮ ‬القرض‮«. ‬وهذا‮ ‬يعني‮ ‬ان المرابين‮ ‬يمثلون النخبة التي‮ ‬تعيش على اتعاب الآخرين في‮ ‬المجتمع الانساني،‮ ‬فيكونون مصداقا للحديث النبوي‮: »‬ملعون من القى كله على الناس‮«.‬
والربا ايضاً‮ ‬من مصاديق الظلم كما في‮ ‬الآية ‮٩٧٢ ‬من سورة البقرة‮ »‬لاتظلمون ولا تظلمون‮«‬،‮ ‬والظلم من عوامل الفشل والسقوط،‮ ‬وهذا‮ ‬يعني‮ ‬ان التعامل بالربا سيدفع صاحبه والمجتمع الذي‮ ‬ينمو فيه إلى قاع الفشل‮.‬
ان المعاملات الربوية احد عوامل تقوية وترسيخ النظام الطبقي‮ ‬في‮ ‬المجتمع،‮ ‬لان افرادا معدودين‮ ‬يمتلكون كل شيء بسبب الربا،‮ ‬بينما الاكثرية الساحقة في‮ ‬فقر مدقع،‮ ‬ومع مرور الأيام تزداد الطبقة الاولى‮ ‬غنى بينما الثانية فقر،‮ ‬كما الطائفة الاولى تقل بينما الثانية تزداد ما‮ ‬يعني‮ ‬انهيار المجتمع بشكل كامل،‮ ‬ولا شك ان ذلك لا‮ ‬يتفق ابدا مع نوعية النجاح الذي‮ ‬يرسمه القرآن الكريم،‮ ‬اذ‮ ‬يريد نجاحا للمجتمع كله وليس لمجموعة من الافراد‮.‬
وقد اشارت الروايات عن أئمة اهل البيت عليهم السلام ان الربا‮ ‬يحطم الاواصر الانسانية في‮ ‬المجتمع،‮ ‬فقد ورد عن سماعة انه سأل ابي‮ ‬عبدالله الصادق عليه السلام‮: »‬اني‮ ‬قد رأيت الله تعالى ذكر الربا في‮ ‬غير آية وكرره؟ قال عليه السلام‮: ‬او تدري‮ ‬لماذا؟ قلت‮: ‬لا،‮ ‬قال‮: ‬لئلا‮ ‬يمتنع الناس من اصطناع المعروف‮«.‬
وعن الصادق عليه السلام ايضاً‮ ‬انه قال‮: »‬انما حرم الله عز وجل الربا لكيلا‮ ‬يمتنع الناس من اصطناع المعروف‮«.‬
ومن هنا‮ ‬يتضح معنى ومغزى تأكيد الاسلام على حرمة الربا بتلك العبارات الشديدة والمذهلة في‮ ‬الآيات والاحاديث والروايات،‮ ‬ونعي‮ ‬من ذلك ان الاسلام‮ ‬يريد احاطة المسائل الاقتصادية في‮ ‬بوتقة العواطف الانسانية والاخلاقية،‮ ‬فان الربا والمعاملات الربوية تهدم اصول الاخلاق،‮ ‬وتجتث جذور العواطف الانسانية،‮ ‬وتعرقل جميع اعمال الخير في‮ ‬المجتمعات البشرية‮.‬
ان الربا‮ ‬يصنع طريقة تفكير منحرفة لدى الفرد ويبني‮ ‬علاقات اجتماعية متوترة،‮ ‬فالمرابي‮ ‬يصبح انتهازيا بصورة تلقائية لا شعورية،‮ ‬وازدياد طبقة المرابين‮ ‬يجعل من الانتهازية حالة طبيعية بينما هي‮ ‬حالة مرضية،‮ ‬تتنافى وملامح الشخصية السوية،‮ ‬كما ان الرد الطبيعي‮ ‬من قبل المتضررين من المعاملات الربوية،‮ ‬سيكون تعاظم روح الانتقام،‮ ‬وهكذا تسود المجتمع الامراض النفسية من المرابي‮ ‬والمتضرر من الربا،‮ ‬ومثل هذا المجتمع لا‮ ‬يمكن له ان‮ ‬يصنع نجاحا‮.‬
البصيرة القرآنية التي‮ ‬نستفيدها في‮ ‬طريق النجاح،‮ ‬ان الانسان مدعو لتنمية ماله،‮ ‬او خبرته،‮ ‬واختصاصه،‮ ‬كطبيب او مهندس او خطيب،‮ ‬أو اي‮ ‬مهنة في‮ ‬الحياة،‮ ‬مع التزام التقوى في‮ ‬هذه التنمية،‮ ‬باجتناب استغلال ظروف الناس ليفرض عليهم زيادة‮ ‬غير طبيعية ومنطقية،‮ ‬تزيده ثراء،‮ ‬وتزيدهم بؤسا‮.‬
ان النجاح الحقيقي‮ ‬هو ما‮ ‬يساهم في‮ ‬تنمية المجتمع،‮ ‬ويرفع من معدلات التحضر والتقدم للجميع،‮ ‬ويقلل من مظاهر التخلف والفقر‮.‬

, , ,