التقوى جوهر النجاح


ينقل المؤرخون، ان الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) دعى مولى له اسمه » مصادف « وأعطاه ألف دينار ليتاجر بها، وقال له: تجهّز حتى تخرج إلى مصر، فإنّ عيالي قد كثروا، فتجهز وخرج مع قافلة التجار إلى مصر، فصادفتْهم قافلة خرجتْ من مصر تريد العودة، فسألوهم عن البضاعة وحاجة الناس هناك، فأخبروهم أنّه ليس في مصر منه شيء، فاتّفق التجار ومعم ( مصادف ) على ربح فاحش على بضاعتهم، فلما وصلوا مصر عرضوا بضائعهم بربح وباعوا على ذلك، ثم عادوا إلى المدينة.’,’ ودخل مصادف على الإمام الصادق وهو يحمل كيسين؛ في كل واحد ألف دينار، وقال للإمام: يا سيدي هذا رأس المال وهذا ربحه، فقال الإمام: هذا ربح كثير، كيف ربحته ؟فحدثه مصادف بحاجة بلاد مصر إلى بضائعهم وكيف اتفق التجار على استغلال هذه الحاجة، وتحالفهم عن أن يكون ربح كل دينارٍ ديناراً، فتأثر الإمام وقال مستنكراً: سبحان الله! تتحالفون على قوم مسلمين إلاّ تبيعوهم إلاّ ربح الدينار ديناراً.
أخذ الإمام رأس المال فقط، وقال: هذا مالنا ولا حاجة لنا في ربحه، ثم قال: يا مصادف مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال.النجاح الذي يكون على حساب الاخرين، واستغلالا لحاجة انسانية عندهم، لايكتب له المساهمة في التنمية الاجتماعية الشاملة والدائمة، ومن ثم لايعد نجاحا بالنسبة للمجتمع، بل يعد اضعافا وتفتيتا للمجتمع، اذ ان الاستغلال يولد حالة صراعية لاينجم عنها الا مزيدا من التفكك الاجتماعي ومن ثم التهاوي الاقتصادي والسياسي والحضاري في نهاية المطاف، فيتحول المجتمع الى قوى يأكل بعضها بعضا. من هنا نجد ان القرآن الكريم، يعتبر ان جوهر النجاح تقوى الله عز وجل، ويربط في العديد من آياته بين النجاح والتقوى، وان من التقوى الشعور الانساني بحاجة الاخرين، وعدم استغلال حاجاتهم الانسانية للربح عليهم.
وقد اراد الله سبحانه وتعالى للمؤمنين التدرب على ممارسات عبادية تنمي الاحساس بالاخرين، وما الصيام الا احدى هذه العبادات التي يشعر فيها الغني بالم الجوع عند الفقير، فيشاركه في انسانيته، كما ورد في بعض الروايات والاحاديث. وقد حرم الاسلام الاحتكار والربا والشعوذة والسحر واضراب ذلك لان فيها استغلالا بشعا لحاجات الانسان، وعلى العكس من ذلك نراه يحرض على افعال الخير التي يرفع الانسان فيها حاجة اخيه الانسان، ويعتبرها من موجبات دخول الجنة.
وقديما وحديثا لازالت صور الاستغلال البشعة لحاجات الانسان تورم المجتمع وتخلف الكثير من الاهات المسموعة والمكتومة، فقد تسمع ان شابة استغلها رب عمل من اجل توظيفها، وقد تسمع صراخ شاب سخرته امرأة بمالها وجمالها، وقد تسمع انات الكثيرين الذين سحقهم حيتان المال، باستغلال رغبتهم في تحسين وضعهم المعيشي.
وبالتأكيد لاعلاج لكل ذلك الا بتنمية التقوى بداخل المجتمع، وهذا ما يؤكد عليه القرآن الكريم ان اردنا لمجتمعنا تنمية شاملة ومستدامة، وهي البرامج التي قد لاتؤخذ في حسبان المخططين للتنمية في الكثير من البلدان العربية والاسلامية اليوم، وهو نقص لابد من تداركه، والعمل على الاخذ الجدي ببرامجه.
اننا نجد الربط الواضح بين النجاح والتقوى، في بداية سورة البقرة، التي يعبر فيها القرآن الكريم بانه كتاب الهداية للمتقين، ثم بعد ان يذكر صفاتهم، يؤكد ان هؤلاء هم المهتدون الناجحون »اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون«.
وهنا ايضا مجموعة الايات التي تؤكد العلاقة الوطيدة بين التقوى والنجاح، وكلها تريد القول لنا ان جوهر النجاح الفردي والاجتماعي والحضاري يتمثل في التزام تقوى الله عز وجل:
1/ قوله تعالى: »يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون« /البقرة.
2/ قوله تعالى: »يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون«/آل عمران.
3/ قوله تعالى: »يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون« /آل عمران.
4/ قوله تعالى: »يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون« /المائدة.
5/قوله تعالى: »قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون« /المائدة.

, , ,