الصوم يدرب المرء على الصبر، والصبر من اهم مهارات النجاح، والقرآن الكريم يؤكد على دور الصبر في النجاح، ولن تجد ناجحا في الحياة إلا وله قصة صبر خاصة، بل ان البعض من الناجحين نجح في صبره اكثر من نجاحه في المجال الذي تفوق فيه، وقد يستطيع المتعظ ان يأخذ من تجربة صبره اكثر من تجربة نجاحه في مجاله الخاص.
من هنا نجد ان القرآن الكريم اعطى تركيزا خاصا لموضوع الصبر، وقدم عدة نماذج للصبر، بل عكس لنا دورة تربوية في الصبر لاحد انبياء الله العظام، كما في قصة الخضر ونبي الله موسى عليهما السلام.
‘,’لقد عد القرآن الكريم الصبر من المهارات التي تستمطر صلوات الله سبحانه وتعالى وتقود للهداية، يقول تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين ، الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا إليه راجعون، اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون) البقرة .
الايات تشير الى ان الحياة ميدان ابتلاء، وهناك عدة انواع منه، كالخوف والجوع والفقر والمرض والموت والقحط. والنجاح في كل ذلك انما يتم عبر الصبر، وهو مهارة ذهبية تقود للنجاح في الدنيا والفوز في الاخرة، والصبر – حسب تفسير الميزان – من اعظم الملكات والاحوال التي يمدحها القرآن، ويكرر الامر به حتى بلغ قريبا من سبعين موضعا من القرآن حتى قال فيه: »ان ذلك من عزم الامور«: لقمان – ، وقال: »وما يلقيها إلا الذين صبروا وما يلقيها إلا ذو حظ عظيم«: فصلت – ، وقال: »انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب«: الزمر –
ولاهمية التدرب على مهارة الصبر يضع القرآن الكريم بين ايدينا دورة تدريبية على الصبر لنتعلم منها لحياتنا، ونعلم طريقتها لابنائنا، انها قصة تدريب الخضر لنبي الله موسى (ع) على الصبر.
والدورة تبدأ حين طلب موسى من الخضر ان يعطيه من علمه فاشترط عليه ان يكون صابرا، فقبل موسى، لنتابع هذه الدورة، كما جاءت في القرآن الكريم: (فوجدا عبدا من عبادنا اتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما (65) قال له موسى هل اتبعك على ان تعلمن مما علمت رشدا (66) قال انك لن تستطيع معي صبرا (67) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا (68) قال ستجدني ان شاء الله صابرا ولا اعصي لك امرا (69) قال فان اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى احدث لك منه ذكرا (70) فانطلقا حتى اذا ركبا في السفينة خرقها قال اخرقتها لتغرق اهلها لقد جئت شيئا امرا (71) قال الم اقل انك لن تستطيع معي صبرا (72) قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من امري عسرا (73) فانطلقا حتى اذا لقيا غلاما فقتله قال اقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا (74) قال الم اقل لك انك لن تستطيع معي صبرا (75) قال ان سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا (76) فانطلقا حتى اذا اتيا اهل قرية استطعما اهلها فابوا ان يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد ان ينقض فاقامه قال لو شئت لاتخذت عليه اجرا (77) قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا (78) اما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فاردت ان اعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا (79) واما الغلام فكان ابواه مؤمنين فخشينا ان يرهقهما طغيانا وكفرا (80) فاردنا ان يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة واقرب رحما (81) واما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان ابوهما صالحا فاراد ربك ان يبلغا اشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن امري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) (82) الكهف.
ولا احتاج للتعليق على هذه الدورة الهامة، في التدرب على الصبر، للنجاح في الحياة، ويكفي فيها انها وردت في اعظم الكتب السماوية، وخضع فيها للتدريب نبي عظيم، فلا ينبغي لاحد بعد ذلك ان يترفع عن الدخول في دورة لتدريب النفس على الصبر.