الليلة الثالثة – محرم 1429: البناء الشخصي وفق المثال الحسيني


افتتح سماحته مجلسه بالاية الكريمة: \”يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي\”
وذكر ان عنوان مجلسه سيكون البناء الشخصي وفق المثال الحسيني، وقد ذكر بما انتهى اليه الليلة البارحة من استعراض لشخصية الابرار وما يتميزون به من خصائص جعلتهم المثال الذي يقدمه القرآن الكريم للشخصية الانسانية الراقية،في قبال المثال الذي يمثل الشخصية الانسانية في اركس صورها،وهو التقابل الذي تتحدث عنه سورة الانسان.
‘,’حيث تفتتح السورة المباركة،باستعراض للتقابل بين هذين المثالين\”هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ،انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا، انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا، انا اعتدنا للكافرين سلاسلا واغلالا وسعيرا،ان الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا\”
حيث ان هذة السورة المباركة توضح التقابل بين هاتين الشخصيتين،وتجعل الامام الحسين عليهم السلام في موضع الصورة الراقية.
ومن دون شك فان اي انسان يرغب في ان يتحلى بالشخصية المثالية التي جسدها ابو عبد الله عليه السلام.لان اي انسان يسعى دائما لان تكون صورته الشخصية افضل الصور،وشخصية الانسان عبارة عن مجموعة النظم المكونة لذاته،اذ الانسان ليس حالة واحدة بل هو مجموعة من السمات تتعاضد مع بعضها البعض لتعطي الناس انطباعا عن شخصية اي انسان،وقد ذكر علماء النفس عدة مكونات للشخصية، وهي:

1/القيم التي يحملها الانسان،وهي ما تشكل الاطار الفكري والنظري للانسان،فتعطي تفسيرا لنفسه والبيئة المحيطة به،ويفترض ان تكون هي المرجعية التي تحكم سلوكه في الحياة وردود افعاله الشعورية و اللاشعورية اتجاه المواقف المختلفة.

2/الانفعالات التي يبديها الانسان اتجاه ما يثار امامه من اثارات مختلفة،اذ ان الناس يختلفون في طريقة استجابتهم لهذه الاثارات،فما يثير هذا الانسان قد لا يثير ذلك الانسان ،وما يبهج هذا قد يحزن اخر،وقد ترى انسانا غاضبا لموقف بينما الاخر غير مهتم به.

3/القدرات والاستعدادات التي يتمتع بها،فالناس مختلفون من حيث القدرات والاستعدادات الامر الذي يجعلهم مختلفين ايضا في تقبل الاعمال المختلفة،فمنهم من يرى في العمل الفكري والنظري عملا ممتعا ومنسجما مع نفسه ومنهم من لايرغب في ذلك مطلقا،بل يفضل العمل البدني ويرى نفسه فيه،لذلك ترى ان اصحاب الاعمال يطالبون الانسان في السيرة الذاتية بالكشف عن قدراته واستعداداته.

4/الميول والاتجاهات،حيث ان الناس يتابينون في ذلك،فقد يكون انسان اجتماعيا بمعنى يميل للمشاركة مع الاخرين ،ويرى في ذلك تحقيقا لذاته بينما انسان اخر يميل للعزلة والانفراد،وقد تكون ميول هذا الانسان الى نوعية محددة من المنتجات على اختلافها،بل ان الاختلاف في الميول نجده حتى في التفضيلات السمعية والبصرية والحركية.

5/الشعور باشباع الحاجات،فمن ناحية يختلف الناس في ترتيب اولوية حاجاتهم ،فمنهم من يرى ان الاولوية لاشباع حاجة تحقيق الذات بينما اخرون يرون الحاجة لاشباع الشعور بالامن،ومن ناحية اخرى يختلف الناس ايضا في طريقة اشباع الحاجات وحجم هذا الاشباع.

وكل هذه الامور مجتمعة تكشف عن شخصية الانسان.
لكن الذي لاشك فيه _ كما ذكر فضيلته _ ان كل انسان يسعى لتحقيق الشخصية الافضل ،والانموذج الارقى.
ونظرا لهذا الشعور الفطري عند الانسان نجد ان القرآن الكريم يهتم كثيرا بابراز المثال والانموذج الجدير بالاقتداء ولكي لا نبحث لانفسنا عن صورة من الشرق او الغرب.ويقدم لنا النبي محمد (ص) واهل بيته الكرام نماذج في هذا الطريق،
\”ولقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة\”
وهناك العديد من الايات التي تشير الى المثال الحسيني،حيث جاء في آية المباهلة تعبير القرآن الكريم عن الحسين بابنائنا،حيث يقول تعالى:
\”فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعوا ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين\”
وهي الاية التي تتحدث عن مباهلة النبي (ص) مع نصارى نجران حيث جاء (ص) وكما يقول المفسرون وهو ماسكا بيد الحسن وحاملا للحسين وخلفه الزهراء والامام علي عليه السلام.
كذلك نجد سيد شباب اهل الجنة كمثال يجب الاقتداء به في آية التطهير،حيث ان الحسين مثل انصح واطهر الصور الانسانية،يقول تعالى:
\”انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا\”
وقد اكد المفسرون ان اهل البيت كانوا النبي (ص) ومن كان معه تحت الرداء وهم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام،وحين ارادت ام سلمة الدخول منعها النبي (ص) وقال لها انت الى خير.
ثم رجع سماحته للاية الكريمة التي افتتح بها صدر المجلس،وهي الواردة في سورة الفجر،حيث نقل رواية عن الامام الصادق (ع) يقول فيها: \”اقرؤا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم فانها سورة الحسين ابن علي\”
وحين سئل عن سر اختصاص الامام الحسين عليه السلام بهذه السورة قال لان فيها هذه الاية: \”يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي لربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي \”
والحسين عليه السلام هو صاحب النفس المطمئنة،والنفس المطمئنة هي تعبير عن استجابة الانسان لما يمر به من مواقف وخطوب،فقد تكون استجابته استجابة خاطئة،كما في قوله تعالى: \”ان النفس لامارة بالسوء\” او تكون الاستجابة مترددة قلقة،كما في قوله تعالى: \”لا اقسم بيوم القيامة ولا اقسم بالنفس اللوامة\”.
وافضل انواع الاستجابات ان تكون استجابة واثقة مطمئنة راضية متقبلة للموقف،وهذا ما نجده عند ابي عبد الله الحسين عليه السلام ،الذي تقبل الدور الرسالي المطلوب منه وكما اخبره بذلك جده رسول الله (ص) مرحبا بذلك وصابرا عليه،فقد اجاب على كل من سأله من المقربين كاخيه محمد بن الحنفية وابن عباس،عن سر توجهه للعراق واحتمال قتله كما لديهم من اخبار عن رسول الله (ص)،قال لهم الحسين عليه السلام : شاء الله ان يراني قتيلا.
وحين سئل عن حمله النساء،قال: شاء الله ان يراهن سبايا.
انه لتقبل عظيم لهذا الدور الخطير.
وانك لتجد هذا التقبل واضحا قبل ان يتسلم عليه السلام اية اشارة لتغير الموقف في الكوفة بعد ان بايعه عشرات الالاف من الكوفيين .
فقد خطب في مكة المكرمة في عصر السابع من ذي الحجة قائلا:
\”خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما اولهني الى اسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف وخير لي مصرع انا لاقيه كاني باوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملئن مني اكرشة جوفا واجربة سغبا ،لا محيص عن يوم خط بالقلم رضى الله رضانا اهل البيت نصبر على بلائه فيوفينا اجور الصابرين،لن تشذ عن رسول الله لحمته،بل هي مجموعة عنده في حضيرة القدس تقر بهم عينه وينجز بهم وعده.
الا من كان فينا باذلا مهجته موطنا على لقاء الله نفسه فاليرحل معنا فاني راحل مصبحا ان شاء الله\”

وكان كما قال سلام الله عليه فقتل عطشانا غريبا في كربلاء وسيقت بنات رسول الله سبايا من كربلاء الى الى الكوفة ومن الكوفة الى الشام،انها لمصيبة عظمى حلت بآل الرسول، فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، و\”انا لله وانا اليه راجعون\”.

,