افتتح سماحة الشيخ عبد المجيد العصفور مجلسه في هذه الليلة المباركة بالاية الكريمة،177من سورة البقرة
\”ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر …\”
ثم ذكر ان العنوان الذي سيتحدث عنه في هذه الليلة:الحسين عنوان للنهوض الحضاري
وذكر ان اهمية طرح هذا الموضوع تاتي من ناحيتين.
‘,’
الاولى: ان الحضارية الغربية اليوم هي الحضارة السائدة،وهي حضارة مهددة بالافول والانهيار،وان انهيار هذه الحضارة سيتبعه انهيارات عالمية وسنكون كمسلمين من اكبر المتضررين لهذا الانهيار،لذلك لابد من التفكير الجدي في بديل حضاري يمكنه احتلال الموقع الحضاري العالمي وانقاذ العالم من شر مستطير.
ثم تعرض لبعض الاراء التي تذهب لانهيار الحضارة الاميركية التي تعتبر القائدة للحضارة الغربية المعاصرة.وذكر ان هناك دراسات لسياسيين وعلماء حضارات امريكيين وغربيين يؤكدون ان امريكا لايمكن لها ان تستمر بهذا الزخم،وانه توجه الكثير من عوامل الخمود الداخلي وهو ما يغطى باستعراض العضلات خارجيا.
وذكر فضيلته ان الدراسات التي اهتمت بدراسة ظاهرة تدهور الحضارة الغربية ليست جديدة،بل لقد اشار الى ذلك فلاسفة غربيون في ثلاثينات واربعينات القرن الماضي،منهم:
الفيلسوف الالماني اشبنجلر،الذي يرى ان كل حضارة كالكائن الحي تمر بمراحل الطفولة والشباب والشيخوخة،وان الحضارة الغربية اليوم (1935م)هي في طور الشيخوخة،مهما كان بريقها اللامع.
كذلك جاء بعده فيلسوف وطبيب اخر من نفس المانيا وراى الحضارة الغربية في طور الانهيار،لكن من منظور اخر حيث رأى هذه الحضارة تفتقد رسالة اخلاقية يمكنها الاستمرار بها ،واستدل على ذلك بالكثير من الشواهد.
ومن بريطانيا ظهر الفيلسوف تونمبي الذي راى ان الحضارة الغربية لاتمتلك رسالة عالمية وان تقوقعها في قوميتها سيؤدي بها للانهيارنوانها بحاجة الى معبد عالمي – على حد تعبيره – لتخرج نفسها من ازمة التدهور.
ثم اكد فضيلته ان اهمية التفكير في بديل حضاري يقف على رجليه على نقيض الحضارة الغربية ليس مهما بالنسبة للمسلمين فحسب بل هو مهم بالنسبة للعالم ككل،لان انهيار اية حضارة سيدة في العالم عادة ما يؤدي الى تصدعات عالمية.
الناحية الثانية: اننا كمسلمين مطالبون بقيادة العالم،وما رسالة الاسلام الا دعوة عالمية،والاسلام له المعبد العالمي الذي كان يطالب به تونمبي ،حيث نرى الحج السنوي لبيت الله الحرام ،وكل دعوات الاسلام دعوات لكافة الناس ولا تختص بطائفة او لون اولغة او قومية،
يقول تعالى:\”يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم\”
وقد اراد القرآن الكريم من المسلمين ان يقتفوا اثر النبي محمد(ص) في قيادة كافة الناس،قوله تعالى:\”وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا\”
والشهادة هنا كما ذكر سماحته تعني الشهود والريادية الحضارية.
والحق ان القرآن الكريم لم يات بلفظة الحضارة للتعبير عن خلاصة المنتوج البشري الذي يطلق عليه الفلاسفة الالمان الحضارة او خلاصة المنتوج الثقافي كما يطلق عليه الفلاسفة الفرنسين،لكنه يأتي بلفظتين اعمق في التعبير عن الحضارة كما هي مصطلح متداول اليوم،وهي لفظة الشهود والبر.
ثم تعرض سماحته للمعايير الحضارية التي ينادي بها الاسلام من خلال الاية الكريمة 177/البقرة.قوله تعالى:\”ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين وءأتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة وءاتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون\”
حيث كلمة البر تعبر عن الفعل الحضاري الخلاق،وهي تعني لغويا التوسعة في الخير،وان الاية هنا تأخذ بايدينا الى ثلاثة معايير حضارية وهي:
1/المعيار العقدي(الاعتقادي)
2/المعيار العملي وهو يتمثل في الصلاة والانفاق والالتزام بالضرائب الشرعية التي تحافظ على المجتمع.
3/المعيار الاخلاقي والمتمثل في الصبر والصدق والوفاء.
ثم قال فضيلته، ان القرآن الكريم اخذ بايدينا الي المثال الذي جسد هذه المعايير،حيث ان الحسين عليه السلام هو احدهم ،ويمثل خلاصتهم ،هذا ما نجده في سورة الانسان،
\”ان الابرار يشربون من كاس كان مزاجها زنجبيلا،عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا،يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا،ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا،انما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولا شكورا\”
وقد اكد المفسرون المسلمون ان هذه الايات نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين،ثم ذكر سماحته قصة النزول.
بعد ذلك اكد فضيلته ان هذا ما يجعلنا نعتبر الامام الحسين عليه السلام هو عنوان النهوض الحضاري،لانه جسد المثال الذي يمكن للامة ان تعتمده للنهوض.
ويؤكد هذا القول اشادة النبي(ص):\”حسين مني وانا من حسين،احب الله من احب حسين\”
وقوله:\”فوق كل بر بر حتى يقتل المرء في سبيل الله فليس فوقه بر\”
ولا شك ان الامام الحسين عليه السلام هو اجلى مصاديق الذي قتل في سبيل الله عز وجل.
وختم المجلس بذكر مصيبة ابي عبد الله الحسين وهو يترك حرم جده رسول الله (ص).