افتتح سماحته مجلسه في هذه الليلة بمقولة الامام الحسين عليه السلام: \”انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي\”، ثم ذكر أنه سيستكمل في هذه الليلة المباركة تحليل الوثيقة الهامة للامام الحسين عليه السلام، وهي وصيته التي تركها لاخيه محمد بن الحنفية، حين اراد النزوج من مدينة جده رسول الله(ص).
‘,’
المقطع الثالث: \”وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي\”
قال فضيلته:يكشف هذا المقطع عن التحديد الدقيق لهدف نهضة الامام سلام الله عليه، وهذا من اهم ما يجعل اي مشروع ناجحا، سواء كان هذا المشروع شخصيا او عائليا او اسريا او مجتمعيا ،وهو تحديد الهدف بدقة، وهنا لابد من القول ان الانسان دائما ما تكون امامه اهداف متعددة لكنه لن يستطيع ان يحققها كلها فلابد له من تحديد هدف وهو الاهم ويعمل على انجازه، وهذا ما يجعل الاختلاف بين امام وامام مع وحدة الرسالة التي يحملونها وذلك راجع لاختلاف في تفاصيل الهدف المنشود من حيث واقعياته وامكانية تحققه.
ان الكثيرين من الناس اما يعيشون من دون اهداف لحياتهم، او ان يكونوا وسائل لتحقيق اهداف اخرين. وهذا ما يحذرنا الامام الحسين منه.
ولا شك ان طلب الاصلاح هدف عريض يندرج تحته مجموعة من الاهداف التفصيلية.
ونوه سماحته الى ملاحظتين حول هذا الهدف،وهو المطالبة بالاصلاح:
1/ان الامام الحسين اراد ان يشعرنا بمطالبته بالاصلاح في امة جده وليس (الاصلاح)، لان هذا الهدف يخص كافة المسلمين فهو يريد ان يشارك المسلمين في التطلعات الاصلاحية، فالامر لايعنيه هو فقط وانما كل الامة معنية بذلك، والمطالبة بالاصلاح ستنعكس نتائجها على الجميع،لذلك فان الامام عليه السلام شرع في مطالبته الجميع بالمشاركة في العملية الاصلاحية.
2/مع ان الامام الحسين معصوما كما نعتقد وان الرؤية التي يحملها لاخطأ فيها الا ان ذلك لم يمنعه من الانفتاح على بقية وجهاء الامة ووضعهم في صورة الوضع كما وصفه والعلاج كما شخصه، ونرى في سيرة الامام عليه السلام انه انتقل بعد هذه الوصية مباشرة الى مكة المكرمة وهناك التقى وجهاء المسلمين ووضعهم في صورة ما ينوي القيام به ودعاهم لمشاركته، وقد كان الكثيرون منهم يرون صحة موقف الامام الحسين عليه السلام الا انهم منعهم الخوف والتردد وحب الدنيا.
المقطع الرابع: \”اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر واسير بسيرة جدي رسول الله وابي علي بن ابي طالب.\”
هذا المقطع يكشف عن البرامج التفصيلية للهدف العريض الذي اعلن عنه الامام عليه السلام، فهو يريد التطبيق العملي للامر بالمعروف والنهي عن المنكر، لان بهما يتطهر المجتمع المسلم من الشوائب ويتعرف على المعوقات فيه.كما انه سيطبق برنامجا سبق له ان طبق ونجح في استنهاض طاقات الامة، وهو برنامج النبي(ص) والنسخة الاخرى منه ما قام به امير المؤمنين عليه السلام، ولقد اختصر الامام الحسين عليه السلام التعبير عن تفاصيل برامجه وانشطته بالتأكيد على الرجوع للبرامج والانشطة التي مارسها النبي(ص) وامير المؤمنين(ع).
ان تحديد البرامج والانشطة التفصيلية لكل هدف تكشف عن المام القائد بالتخطيط الاستراتيجي، وهو مما لا شك فيه ما يتمتع به الامام الحسين عليه السلام.
اننا نجد في الحياة الكثيرين من الناس الذين يتطلعون الى اهداف سامية وغايات حضارية ويتكرر ذلك على السنتهم في الكثير من المناسبات وقد يكون ذلك على مستوى امة كاملة كما في امتنا العربية والاسلامية اليوم، الا ان ذلك لم يتحول الى برامج تفصيلية تحقق هذه الغايات والاهداف، وهذا ما يجعلنا امة غير قادرة على تحقيق انجازات بحجم تطلعاتها.
المقطع الخامس: \”فمن قبلني بقبول الحق فالله اولى بالحق ومن رد علي هذا اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين.\”
يدرك الامام الحسين جيدا ان هناك من سيقبل منه هذا الطرح الذي يتوافق مع الحق وما يؤمن به الناس في الامة،لذلك يفتح الامام المجال لاستثمار كل فرصة لتحقيق ما وضعه من خطة، ولم يجعلها من خطته خطة مغلقة لاتقبل استثمار الفرص المؤاتية في الطريق، وكذلك وضع نصب عينيه التحديات التي ستنتصب امامه والتي قد تصل الى درجة اجهاض تخطيطه برمته، لكنه على بصيرة من امره.
لقد جعل الامام عليه السلام الحق معيارا لقبول ما يعرضه على الامة، وهذا الحق تجد الامة تفاصيله في مرجعيتها الدينية التي تعتمدها وتميزها عن الامم الاخرى، والقرآن الكريم يصرح:\”افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع امن لايهّدي الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون\”
المقطع السادس: \”هذه وصيتي اليك وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب\”.
الفرق بين القائد الرسالي وغيره انه يجعل الامر لله من قبل ومن بعد رغم دقة تخطيطه وسلامة اهدافه،سيما ان اهدافه ستتحقق في حالة ان استطاع هو ان ينجزها في حياته ام ان الموت او الشهادة سبقته الى ذلك.
فطالما جعل الانسان مخططه لاصلاح الامة التي يفترض فيها ان تحمل المشروع الرسالي \”الاسلام\”فلا يخشى حينها على مصيره الشخصي حتى وان كان فيها الابادة شبه الشاملة كما حدث ذلك في واقعة كربلاء.
لكننا اليوم وبعد هذه الفترة الطويلة من الزمن،التي تصل الى 1368عام،نر ى ان ما كان يتطلع اليه الامام الحسين عليه السلام ابعد من لحظته التاريخية،وان ما كان يطالب به من اهداف تصلح لكل فترة تاريخية.
وقد تحرك سلام الله عليه وفق ما خطط له ونزح من مكة الى الكوفة بناء على ما وصلت اليه كتب اهل الكوفة تدعي فيها وقوفها مع الامام في اهدافه وغاياته،لكنهم تحت بطش ابن زياد تراجعوا وحاصر ابن زياد الكوفة ومنع الامام من الدخول اليها وسجن من سجن وبطش بمن بطش،وقتل رسوله الى الكوفة مسلم ابن عقيل، حتى وصل الامام الحسين عليه السلام الى كربلاء وجرت عليه وعلى اهل بيته تلك الاحداث الماساوية.
ثم قرأ فضيلة الشيخ عبد المجيد العصفور،قصة وصول الامام الحسين عليه السلام الى كربلاء،وحادثة توقف جواده عن المسير،فعرف الامام ان هذه الارض هي التي ذكرها له جده رسول الله(ص)،فسأل عن اسمها فذكروا له عدة اسماء حتى قالوا كربلاء،فقال لاصحابه:انزلوا في هذه الارض، ههنا محل رحالنا ومناخ ركابنا…
وصل الى ارض كربلاء في الثاني من محرم الحرام ،واستشهد في العاشر من محرم،مع اصحابه واهل بيته واخذت بنات رسول الله سبايا،\”انا لله وانا اليه راجعون\”\”ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم\”