ايكتفي القرآن الكريم أن يسجل حقيقة إلهية وإنسانية، بأن المستقبل في الدنيا والآخرة للذين يلتزمون التقوى في حياتهم، وإنما يقدم عددا من الأمثلة على ذلك، وهي أمثلة يمكن للمراجعة التاريخية توثيقها، وقد جاءت في فترات تاريخية متباينة، والجامع المشترك بينها هو التزام الذين انتصروا في نهاية المطاف بتقوى الله عز وجل، واندحار الذين وقفوا بالضد منهم، ولعل هذا الانتصار الذي جاء بعد صراع مرير، وبعد معاناة شديدة للمتقين، يؤكد أن التزام التقوى يأتي بالمستقبل، حتى في المنافسات الأخف حدة من الصراعات الطويلة، إضافة للفوز بالجنة في الآخرة. ‘,’
بين أيدينا مثال من حياة موسى عليه السلام في صراعه مع فرعون، الذي لم يترك أسلوبا في البطش ببني إسرائيل (قوم موسى) إلا واستخدمه معهم، ومع ذلك وجدنا نبي الله موسى يوصي قومه بالصبر والتقوى، ويذكرهم أن النتيجة ستكون لهم طالما التزموا التقوى حتى مع عدوهم، وهكذا كان، التزم بنو إسرائيل بتوصية موسى عليه السلام، وجاءت النتيجة في صالحهم، واندحر فرعون الذي كان يظن انه لا يهزم.
لنتابع مع ألآيات من سورة الأعراف:
يقول تعالى:(( وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ،قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ،قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ،وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ،فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ،وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ،فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ،وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ،فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ،فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ،وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ ))الأعراف/127_137
جاء في التفسير «و العاقبة للمتقين» العاقبة ما يعقب الشيء كالبادئة لما يبدأ بالشيء، و كون العاقبة مطلقا للمتقين من جهة أن السنة الإلهية تقضي بذلك و ذلك أنه تعالى نظم الكون نظما يؤدي كل نوع إلى غاية وجوده و سعادته التي خلق لأجلها فإن جرى على صراطه الذي ركب عليه، و لم يخرج عن خط مسيره الذي خط له بلغ غاية سعادته لا محالة، و الإنسان الذي هو أحد هذه الأنواع أيضا حاله هذا الحال إن جرى على صراطه الذي رسمته له الفطرة و اتقى الخروج عنه و التعدي منه إلى غير سبيل الله بالكفر بآياته و الإفساد في أرضه هداه الله إلى عاقبته الحسنة، و أحياه الحياة الطيبة، و أرشده إلى كل خير يبتغيه.
ويتضح من خلال هذا المثل أن المستقبل في الحياة الدنيا،يمكن أن يكون لصالح المسلمين المعاصرين إن هم عادوا إلى التزام تقوى الله عز وجل، وكما سبق القول أن التقوى لا تعني الخوف من الله سبحانه وتعالى فقط،وان كانت إحدى تجلياته،لكنها تعني الانطلاق في الفضاء الرحب من الحياة المليئة بالسعادة والرقي في ظل الالتزام بأوامر الله سبحانه وتعالى والانتهاء عن نواهيه،وهي الطريق المؤدي للنجاح والتنمية الشاملة المستدامة في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة.