هنيئا لكم ايها الصائمون،فهذا العمل اليومي في التغلب على سلطان الجوع والعطش والحر والتعب والارهاق في هذا الجو القائظ لن يذهب سدى،انه طريق صناعة التقوى بداخل النفوس،وثمرة التقوى نجاح في الدنيا وفوز بالجنة في الاخرة،ان هذه الصناعة هي التي ستغير من واقع حياتنا،وستؤلف القلوب وتنمي العقول وتطهر النفوس،وتعمر البلدان ،وسترتقي بحياة الانسان،طالما استدمنا في الاصرار على تنمية التقوى بالنفوس،وحولناها الى علاقات اجتماعية،وسياسات وطنية،واستراتيجيات حضارية.
‘,’
البشرى للمتقين ليست مني،وليست من خطباء المنابر الذين قد ينسى بعضهم هذه البشرى،طلبا في استدرار الدموع بالمواعظ الجهنمية،التي تبرمج متقين خائفين من ربهم غير راجين له،منسحبين من دنياهم،ناقمين على حياتهم،غير اباليين لمستقبل اوطانهم.
البشرى للمتقين من الله عز وجل،الذي فرض عليهم الصيام،واراد به اليسر ولم يرد به العسر.فقصرت عقول عن فهم اليسر،وانغلقت اخرى بتعسير العسر،فما كان نصيبها من الصوم الا الجوع والعطش.
البشرى من الله عز وجل،اذ يقول عز من قائل:\”الذين آمنوا وكانوا يتقون،لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الأخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك الفوز العظيم\”63،64/يونس
فلولا الايمان لما صام احد في هذا الشهر الكريم،لكن الايمان بحاجة دائمة للتزود بالتقوى،وهذا هو شهر التزود،وقد دخل في نصفه الثاني،وبدأت التقوى تتعمق في القلوب،لتؤكد ان الايمان سابق للتقوىومتنام بها،وطالما اننا كأفراد او مجتمعات حققنا شروط البشرى التي وعد بها الله سبحانه وتعالى،فانها قادمة لا محالة،فلا تبديل لكلمات الله عز وجل،وحين ننجح في ذلك كمجتمع واحد،سيكون لنا الفوز العظيم.
جاء في التفاسير{ لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } فيه أقوال أحدها: أن البشرى في الحياة الدنيا هي ما بشَّرهم الله تعالى به في القرآن على الأعمال الصالحة ونظيره قوله
{ وبشِّر الذين آمنوا أنَّ لهم قدم صدقٍ عند ربهم }
[يونس: 2] وقولـه:
{ يبشّرهم ربهم برحمة منه }
[التوبة: 21] الآية عن الزجاج والفراء وثانيها:أن البشارة في الحياة الدنيا بشارة الملائكة (ع) للمؤمنين عند موتهم بأن لا تخافوا ولا تحزنوا أبشروا بالجنة عن قتادة والزهري والضحاك والجبائي وثالثها: أنها في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو ترى له وفي الآخرة بالجنة وهي ما يبشرهم الملائكة عند خروجهم من القبور وفي القيامة إلى أن يدخلوا الجنة يبشِّرونهم بها حالاً بعد حال.
وفي تقديري ان الثاني ليس من بشارات الدنيا بل هو تابع للاخرة،وهذا النوع من التفسير اغراق في اعطاء التقوى معنى بعيد عن حياة الناس ويومياتهم في هذه الدنيا،اما التفسير بالرؤية الصالحة فهو غير منسجم مع الصيغة الجمعية،اذ البشارة للذين آمنوا وكانوا يتقون،تشعر بكونها بشارة جمعية،كما ان قصر البشرى على الرؤية الصالحة تحجيم لوعد الله العظيم.
وقيل: إن المؤمن يفتح له باب إلى الجنة في قبره فيشاهد ما أعدَّ له في الجنة قبل دخولها.وهي بشارة لا علاقتة لها بالحياة الدنيا ايضا.
وقال الطباطبائي في الميزان، يبشّرهم الله تعالى بشارة إجمالية بما تقر به أعينهم فإن كان قوله: { لهم البشرى } إنشاء للبشارة كان معناه وقوع ما بشّر به في الدنيا وفي الآخرة كلتيهما، وإن كان إخباراً بأن الله سيبشّرهم بشرى كانت البشارة واقعة في الدنيا وفي الآخرة ،وقد وقع في كلامه تعالى بشارات للمؤمنين بما ينطبق على أوليائه تعالى كقوله تعالى:
{ وكان حقاً علينا نصر المؤمنين }
[الروم: 47]، وقوله:
{ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد }
[غافر: 51] وقوله:
{ بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار }
[الحديد: 12] إلى غير ذلك.
والحق ان البشرى التي يمكن لنا ان نتلمسها من خلال التأمل في آيات التقوى،هي النتائج التي ذكرها القرآن الكريم،بحق الملتزمين بالتقوى والممارسين لها في حياتهم اليومية،وهي الهداية والنجاح،والرحمة واليسر،والحياة الطيبة الراقية،حيث انهم يعيشون السعادة في الدنيا وينقلبون الى النعيم في الاخرة،فهنيئا لكم ايها الصائمون الثمرة الكبرى،المبشرين بها،في هذا الشهر الكريم.