المتابع لمسار الأحداث في مملكة البحرين الفتية يرى أن هنالك تعجلا في معالجة بعض الأمور، فيما يقتضي الحال التأني في معالجتها، ريثما تنضج الرؤية المجتمعية بحيث يأتي التغيير والتحول في لحظته التاريخية.وإن من المجافاة للحقائق أن نتوقع نهاية للصراع بين الحرية وفرض النظام في مملكتنا الفتية فيما هو صراع قديم بقدم الإنسان ولم تتوقف حركة التجاذب بينهما بعد لا في اعرق الديمقراطيات في العالم، ولا حتى – كان ذلك – في المجتمعات المثالية كمجتمعات الأنبياء.
وما ذلك إلا لأن الاختلاف في الرؤى والتصورات بين الناس والانحياز إلى طرف الحرية أو النظام أمر طبيعي جدا، وسيدافع كل طرف عن تصوراته، ليجعلها سيدة الموقف، ومن حقه ذلك، لكن الضرورة المجتمعية تفرض عليه أن يعطي اعتبارا لنسبة من الرضا لدى الآخرين.
‘,’والتعجل إن تواصل على الوتيرة التي نراها اليوم فانه قد يقوض المناخ ألتحديثي الذي دشنه جلالة الملك، وهو مناخ قل أن يتكرر لدى الأمم والشعوب، وستكون خسارة عظمى لنا جميعا إن انتكست التجربة التحديثية المعاصرة، وليس من المعلوم متى تتكرر تجربة تحديثية جديدة لهذه المملكة الفتية.
من هنا فإننا جميعا مطالبون، سواء كأنصار حرية أم أنصار فرض النظام، إلى إعادة قراءة كل الخطوات التي نعزم القيام بها، ومدى تأثيرها على مسار المشروع ألتحديثي، وان من الشجاعة أن نتراجع بعض الخطوات حين نرى أن ردة الفعل عليها ستـؤثر في المدى القريب أو البعيد على اصل المشروع ألتحديثي لجلالة الملك، لما يمثله هذا المشروع من بناء جديد لمملكة واعدة بالخير والرفاه للجميع.
وعلينا جميعا أن نتذكر أيضا، أن التعجل جمد لثلاثة عقود مسيرة إصلاحية كانت قد هبت على بلادنا في بداية العقد الثامن من القرن الماضي، ولو تصورنا أن الأمور جرت بشكل طبيعي، مع أول مجلس نيابي، لكان نوابنا اليوم أكثر حكمة في مناقشة قضايا الشأن العام، وكانت الحكومة أقل تخوفا على ضبط النظام مما يجعلها في غنى عن تقديم مشروع تتخوف منه الجمعيات السياسية وغير السياسية.
ولو تجنبت الجمعيات المعارضة التعجل في الحكم على دور المجلس النيابي، وشاركت فيه – حسب ما كان يرى العلماء – لكانت أقرب ملامسة للقدرة على تغيير الواقع المعاش، وإمكانية صناعة قفزة بالنسبة للوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ولربما لم تكن بحاجة إلى تبني ملفات وضعها المشروع ألتحديثي في اولويات اهتماماته، كمشروع إصلاح سوق العمل مثلا، وفتحت الآفاق على ملفات أخرى – وهي تحت قبة المجلس – تحتاج إلى تشريع أكثر مما تحتاج تنظير.
وأظن أن بعض المشاريع التي طرحت على مستوى الساحة كالمجلس ألعلمائي، لو أنه استفاد من المناخ الحالي في فتح حوار حول ما تبناه من أهداف مع الجهات المعنية وذات الشأن، لكان أكثر قدرة على تحقيق أهدافه من الوضع الذي وصلت إليه الأمور اليوم.أو على أقل التقادير لو استنفذ كل المحاولات للحوار أولا.
وهكذا نرى على الجانب الرسمي أيضا، أن الإمكانية للتروي لم تنفذ، وكان بامكان الجهات المعنية أن لا تتعجل في إغلاق جمعية أو ناد ولا إيقاف حوار ولا حتى اعتقال البعض، ولا الاضطرار إلى دعوة النواب لإقرار مشروع قانون أو غيره، بما يثير ما يشبه الذعر في بعض الأوساط من عودة مناخ قانون أمن الدولة.
لقد قيل أن في العجلة الندامة، هذا على الصعيد الفردي، أما العجلة على الصعيد المجتمعي ففيه الكارثة، وهذا ما يجعلنا نتفهم كيف أن الولاة الأول في تاريخ الإسلام كانوا يدققون في اختياراتهم، لقادة الجيوش والأمراء والقضاة، وكبار موظفي الدولة من الذين عرف عنهم التأني في ردود أفعالهم، وكذلك نرى الأمر في اختيار هؤلاء الأصناف في الدول المتقدمة، حيث يضيفون إلى المؤهلات العلمية، الطباع الشخصية والسلوكية، وما ذلك إلا لأن التأني احمد عاقبة من التعجل، حتى وان كان هذا التعجل بدافع الحماس للدفاع عن القيادة التي أعطوها ولاءهم.