الخطبة الأولى:التقوى والإيمان بالغيب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا،لك الحمد ان بعثتني من مرقدي ولو شئت جعلته سرمدا،حمدا دائما لا ينقطع أبدا و لا يحصي له الخلائق عددا،اللهم لك الحمد ان خلقت فسويت وقدرت وقضيت وأمت و أحييت وأمرضت وشفيت وعافيت وأبليت وعلى العرش استويت وعلى الملك احتويت.
اللهم صل وسلم على الدليل إليك في الليل الأليل والماسك من اسبابك بحبل الشرف الأطول والناصع الحسب في ذروة الكاهل الأعبل،حبيبك ونجيبك وخيرتك من خلقك محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه وتعالى،وتعالوا نعمل على توفير التقوى بداخلنا من خلال التأمل في آيات الله عز وجل في كتابه الكريم،ولا سيما التأمل في الآيات التي تصف المتقين،فلنحاول أولا:التعرف على هذه الصفات،ثم نقوم ثانيا: بتقويم تجسيدنا لها على الصعيد الشخصي والاجتماعي والحضاري،وثالثا:العمل على تطويرها وتنميتها.
الأبعاد العامة للتقوى
عباد الله..ان مرورا سريعا على آيات التقوى في كتاب الله العزيز،يرينا ان هنالك أبعادا عامة للتقوى تصبغ شخصية المؤمن،والأمة المؤمنة والحضارة المتدينة.ففي مطلع سورة البقرة يكشف لنا القرآن الكريم عن بعدين للتقوى.
الأول:البعد العقائدي.
ويتمثل ذلك في الإيمان بالغيب والإيمان بالرسالات السماوية،والإيمان باليوم الآخر.
الثاني:البعد العملي:ويتمثل في الصلاة و الإنفاق،والصلاة تجسد العلاقة بالله سبحانه وتعالى،و الإنفاق يحكم الإطار العام في العلاقة مع الناس.
يقول تعالى:
\”ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين،الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون،والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون\” البقرة/3 ـ 5.
كما أننا نرى بعدين آخرين في سورة آل عمران،وهما:
الثالث:البعد الانفعالي.
ويتجسد في الصبر بضبط الغيظ حين الاتصال بالآخرين،ومواجهة المواقف بردود فعل إيجابية تتمثل في العفو و الإحسان الى الناس.
الرابع:البعد التطهري التصحيحي.
ذلك ان المتقي قد يقع في الخطأ،فكان لا بد له من التطهر و التصحيح في مسار التقوى،ويحصل ذلك عبر المبادرة الى الذكر والاستغفار حين الوقوع في الذنوب الكبيرة أو الصغيرة،أو تعدى الحدود الشخصية في التقوى.
يقول تعالى:
\”وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين،الذين ينفقون في السراء والضراء والكاضمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين،والذين اذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون\” آل عمران/133ـ135.
ونجد تأكيدا على التفاعل العملي مع البعد الأول وهو البعد العقائدي،يتكرر في سورة الأنبياء،ويأتي بنموذج تاريخي من حياة نبي الله موسى.
يقول تعالى:
\”ولقد أتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين، الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الآخرة مشفقون\” الأنبياء/48ـ49.
وكما أننا نجد تفاصيل للأبعاد الأربعة المذكورة في الآية 177 من سورة البقرة.
يقول تعالى:
\”ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من أمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين،وأتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وأتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون\” البقرة/177.
ويمكن لنا ان نرى البعد الانفعالي هنا قد اتخذ لونا آخر للاستجابة لاثارات الموقف،كالوفاء بالعهد والصبر،وهي استجابة عامة في مختلف الضر وف،ومع مختلف أصناف الناس.
وهنا ملاحظة في هذه الآية المباركة جديرة بالاهتمام وهي ان القرآن الكريم يساوق بين الصدق والتقوى،فيؤكد أن صفات المتقين هي في الحقيقة صفات الصادقين،وهذا يعني أن الإنسان كلما توفر على الصدق بنسبة اكبر كلما اشتدت التقوى بداخله. وهذا ما تدعمه الآية الثالثة والثلاثون من سورة الزمر،يقول تعالى:
\”والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون\” الزمر/33.
الإيمان بالغيب
أول صفة نواجهها في البعد العقائدي الإيمان بالغيب،وحقيقة الإيمان حسب تفسير جوامع الجامع\”في الشرع هو المعرفة بالله وصفاته وبرسله وبجميع ما جاءت به رسله،وكل عارف بشيء فهو مصدق به\”.وهو تمكين الاعتقاد في القلب وهو مأخوذ من الأمن،كأن يعطي المؤمن لما آمن به الأمن من الريب والشك وهو آفة الاعتقاد.كما يقول العلامة الطباطبائي.
وبذلك فان الإيمان يعني ثلاثة أمور.
1/المعرفة بموضوع الإيمان.ولو على وجه الإجمال.
2/التصديق والتسليم لهذه المعرفة.
3/التفاعل العملي معها.
أما الغيب فهو خلاف الشهادة،و إذا كان عالم الشهود هو عالم المحسوسات فان عالم الغيب هو عالم ما وراء الحس،لأن الغيب في الأصل يعني ما بطن وخفي. و الإيمان بالغيب هو الإيمان بالأشياء التي لا يصل الحس إليها بشكل مباشر.وحسب السيد المدرسي في تفسيره من هدى القرآن\”الإيمان بالغيب يعني تجاوز الحقائق التي يشهدها الإنسان مباشرة للوصول الى تلك التي لا يشهدها مباشرة،هذه القدرة التي تجعلنا نحن البشر نحصل على ميزة العلم بالمستقبل(الغيب) عن طريق معرفة الحاضر(الشهود)والعلم بالماضي(الغيب) عن طريق مشاهدة أثاره على الحقائق الحاضرة(الشهود).هذه الصفة تتعمق في المتقين الى درجة الإيمان فهم يؤمنون بالمستقبل وليس يعرفونه فقط،ويؤمنون بالماضي وليس يعلمون به فحسب،وفرق كبير بين الإيمان والعلم.واعظم الغيب وأظهره هو الإيمان بالله الذي انتشرت آياته الظاهرة على كل أفق وفي كل شيء.
علم الغيب
الغيب علم،والتتبع لآيات الله في القرآن الكريم تلقي الضوء على بعض الخصائص المتصلة بهذا العلم،منها:
1/ ان الله سبحانه وتعالى هو عالم الغيب كما انه عالم الشهادة،وهذا ما تكرر في القرآن الكريم في اكثر من أحد عشر آية.
يقول تعالى:
\”…عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير\” الأنعام/73.
ويقول أيضا عز من قائل:
\”وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون\” التوبة/105.
2/ان الله سبحانه وتعالى هو العالم بالغيب،ولا أحد غيره يستوعب هذا الغيب،ولربما يفهم من ذلك السعة العظمى لمجالات الغيب.
يقول تعالى:
\”قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون\” النمل/65.
3/ان الله سبحانه وتعالى يطلع بعض عباده على بعض الغيب،حسب تقدير الهي.يقول جل شأنه:
\”عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا،إلا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا\” الجن/26ـ27.
4/أن للغيب أسرارا ومفاتيح، ولربما في ذلك إشارة الى أن الإنسان بإمكانه الاطلاع على بعض الغيب ان امتلك بعض هذه الأسرار،وهذا يتطلب جهدا إنسانيا خاصا،ومعرفة بطبيعة منهج الغيب،الذي يحتاج الى انفتاح عميق على الوحي السماوي باعتباره المصدر الأساس ولربما الوحيد لمعرفة هذا المنهج.
يقول تعالى:
\”وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين\” الأنعام/59.
5/يقدم القرآن الكريم نماذج لأنباء الغيب من الماضي والمستقبل.
يقول تعالى عن قصة نوح عليه السلام:
\”تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر ان العاقبة للمتقين\” هود/49.
وعن قصة نبي الله يوسف يقول تعالى:
\”ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون\” يوسف/102.
وعن قصة مريم يقول تعالى:
\”ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون\” آل عمران/44.
ونفهم من التأكيد على ما ذكره الله سبحانه وتعالى من غيب بشأن هذه القصص الهامة في التاريخ الديني للبشرية،لنفي الروايات التي كانت رائجة بين الناس،وقد أدخلت عليها التصورات البشرية الكثير من التحريف والخيال الخرافي.
أما عن المستقبل فقد تحدث القرآن الكريم عن انتصار الروم على الفرس بعد ان كانت الغلبة للفرس،كما انه تحدث عن فتح مكة،وأحداث أخرى يمكن تتبعها في كتب التفسير.
يقول تعالى:
\”غلبت الروم، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون،في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون\” الروم/2ـ4.
ويقول تعالى بشأن فتح مكة:
\”لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله آمنين\” الفتح/27.
علم النبي(ص) وأهل البيت(ع)بالغيب هنالك روايات كثيرة تدل على ان النبي(ص)و الأئمة المعصومين عليهم السلام مطلعون على الغيب،ويخبرون به أحيانا،ومن ابرز ما يرويه المسلمون كافة عن اطلاع النبي على بعض المغيبات،ما نقله(ص) من تفاصيل مدهشة لأحداث معركة مؤتة وهو في المدينة المنورة،لحظة بلحظة،وعلى حد تعبير أحد العلماء كان بثا مباشرا.
كما ورد في نهج البلاغة أيضا أقوال كثيرة سابقة لأوانها تشير الى حوادث مستقبلية،اخبر عنها أمير المؤمنين(ع) مما يشير الى اطلاعه على الغيب.مثل ما قاله عن معركة النهر وان\”انه لا يقتل منا في حربهم عشرة،ولا ينجو منهم إلا عشرة،وما قاله عن موضع قبر الإمام الحسين عليه السلام.
لكنهم صلوات الله وسلامه عليهم لا يعتبرون ذلك إلا علما من الله سبحانه وتعالى،فقد دهش أحد أصحاب أمير المؤمنين(ع) وهو يستمع إليه يخبر عن المستقبل،فقال:يا أمير المؤمنين،هل عندك علم الغيب؟فتبسم أمير المؤمنين وقال:\”ليس هو بعلم غيب، و إنما هو تعلم من ذي علم\”
وعن الإمام الصادق(ع) انه قال:
\”ان لله علما لا يعلمه إلا هو،وعلما اعلمه ملائكته ورسله،فما أعلمه ملائكته و أنبياءه ورسله فنحن نعلمه\”
كما يفهم أيضا من بعض الروايات ان الأئمة(ع) اذا أرادوا العلم بأمر ما أطلعهم الله سبحانه وتعالى على ذلك.كقول الإمام الصادق(ع):\”اذا أراد الإمام ان يعلم شيئا أعلمه الله بذلك\”
وحسب تفسير الأمثل ان هنالك ثلاث آيات من القرآن الكريم اذا ما وضعناها الى جانب بعضها البعض فسرعان ما يتضح لنا ما يتعلق بعلم الغيب للنبي(ص)والأئمة عليهم السلام.الأولى:ما يذكره القرآن الكريم حول من احضر عرش ملكة سبأ في طرفة عين و هو آصف بن برخيا حيث يقول تعالى:\”قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل ان يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي\” النمل/40.والثانية:قوله تعالى:\”قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب\” الرعد/43.وقد نقل في أحاديث مختلفة عند الخاصة والعامة ان أبا سعيد الخدري قال سألت النبي(ص) عن معنى الآية\”الذي عنده علم من الكتاب\”فقال:هو وصي أخي سليمان بن داود،قلت ومن هو المراد في:\”الذي عنده علم الكتاب\”فقال:ذاك أخي علي بن أبي طالب.
فالملاحظ فيما يقوله ان\”علم من الكتاب\” الذي جاء فيما يخص آصف هو علم جزئي،أما حينما يقول في \”علم الكتاب\”الذي ورد فيما يخص عليا عليه السلام هو علم كلي،وهذا ما يوضح الاختلاف بين المقام العلمي لآصف وبين المقام العلمي لعلي(ع).أما الآية الثالثة،فقوله تعالى:\”ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء\” النحل/89.فمن الواضح ان من يعلم بأسرار مثل هذا الكتاب،لا بد ان يكون مطلعا على أسرار الغيب،وهذا دليل واضح على إمكان الاطلاع والمعرفة على أسرار الغيب من الله لإنسان هو من أولياء الله.
ويكفي تخلفا للمسلمين ابتعادهم عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، الذين اشتملوا على علوم غزيرة،وان تنمية التقوى في الأمة الإسلامية،التي تحتاج الى تعميق الاطلاع و الإيمان بالغيب،لا بد لها من المرور على بوابة أهل البيت عليهم السلام.
الغرب و الإيمان بالغيب اصطدم التيار العلمي في الغرب مع التيار الديني في القرون الوسطى،مما أدى الى قطيعة بين العلم والدين،وبذلك حجم دور الدين في الحضارة الناشئة في الغرب الى أضيق الحدود،ومن ثم حدث انغلاق كبير على ثقافة الغيب في الغرب، بل اكثر من ذلك اعتبرت الثقافة التي تعطي بعض التفسيرات المعتمدة على فهم غيبي لبعض الأحداث، اعتبرت ثقافة خرافية لا يمكن الثقة بها، وهكذا نشأت في القرن الماضي فلسفات الحادية صرفة الأمر الذي اغلق آفاق استثمار علم الغيب في الحضارة المعاصرة.
وحصلت ذات النتيجة في العالم الإسلامي حين نقل المسلمون نموذج التعليم الغربي الى بلدانهم،فجاءت المدارس والمعاهد والجامعات،على الطريقة الغربية في الأساليب والمناهج وطرق الإدارة،وكانت النتيجة تخرج مئات الآلاف من الطلاب الذين اصبحوا في مواقع المسئولية،تدربوا على منهجية تفكير تستبعد البعد الغيبي في التخطيط والتنفيذ.وهكذا أصبحنا كمسلمين متخلفين في البعد العقائدي،سيما في الإيمان بالغيب،ولاشك ان ذلك ينعكس بشكل يومي على أدائنا الحياتي ويؤدي الى عواقب خلاف التحضر والتقدم،ولربما أعطى صورا مشوهة حضاريا عن الاسلام والمسلمين.
من هنا أيها الأحبة المؤمنون.. هنالك حاجة ماسة للعودة الى التعرف على بعد الإيمان بالغيب في التقوى،وتقويم مستواه عندنا كأفراد ومجتمعات وحضارات،ثم العمل على تطويره استفادة من تطور الوسائل العلمية الحديثة.
اللهم اني أسألك إيمانا تباشر به قلبي،ويقينا صادقا حتى اعلم انه لن يصيبني إلا ما كتبت لي يا رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
\”والعصر ان الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتوصوا بالحق وتواصوا بالصبر\” صدق الله العلي العظيم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
الخطبة الثانية:مسئوليتنا اتجاه العراق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد،اللهم صل على حبيبك ونجيبك وخيرتك من خلقك محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين. وصل على علي أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين وصل على الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وصل على سبطي الرحمة وإمامي الهدى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة،وصل على أئمة المسلمين وهداة المؤمنين علي بن الحسي زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والخلف الحجة القائم المهدي حججك على عبادك و أمنائك في بلادك صلاة كثيرة تامة زاكية.
عباد الله ..هنالك مجموعة تطورات تتصل بالقضية العراقية،لابد لنا من التوقف عندها في هذا اليوم المبارك،ذلك أننا كمسلمين لسنا معفيين من المسئولية اتجاه هذا البلد المسلم،بل إننا كمسلمين،مسؤولون حتى عن بقاع الأرض وبهائمها كما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.فكيف بإخواننا المسلمين في بلد ذي غالبية عظمى تشاركنا ذات التوجه الفقهي والاعتقاد المذهبي.إضافة الى ما يمثله هذا البلد من ثقل كبير بالنسبة لحاضر الأمة الإسلامية ومستقبلها.
أول هذه التطورات:دخول إسرائيل بشكل مباشر على خط المواجهة بين أمريكا والعراق،فقد أكدت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية يوم أمس نقلا عن مصادر استخباراتية أمريكية أن إسرائيل ستوجه ضربة نووية الى العراق اذا تعرضت لهجوم بالأسلحة غير التقليدية.جاء ذلك في تقرير للاستخبارات الأمريكية قدم الى لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي.كما بدأت إسرائيل في توزيع أقراص وكمامات مضادة للهجمات النووية والجرثومية.
وهذا التدخل يفهم كتلويح أمريكي للمعارضة الدولية،والعربية بشكل خاص التي برزت في الأسبوعين الأخيرين لعمل عسكري أمريكي ضد العراق.كما انه يؤكد جدية أمريكا ومن ورائها إسرائيل لنقل الصراع من الأراضي المحتلة الى بقعة أخرى في العالم العربي،و إعادة رسم خارطة المنطقة بما يتوافق مع المصالح الإسرائيلية. وفي ذات اللحظة لازالت التهديدات الأمريكية تتصاعد فقد صرحت مستشارة الرئيس الأمريكي لشئون الأمن القومي كوندليزا رايس بأن الولايات المتحدة لا تستطيع ان تقف مكتوفة الأيدي فيما يتعلق بالعراق.
التطور الأخر جاء من العراق حين أعلن أمس في بغداد عن ترشيح الرئيس صدام حسين لمنصب رئيس الجمهورية والذي تنتهي فترته في منتصف أكتوبر القادم،وذكر تلفزيون العراق الذي أورد النبأ\”أن مجلس قيادة الثورة قد اجتمع برئاسة صدام حسين وبحضور أعضائه كافة وقرر بالإجماع ترشيح الرئيس صدام حسين لمنصب رئيس الجمهورية،وانهم أكدوا ان قيادته كانت الضمانة الأكيدة الراسخة للحفاظ على سيادة العراق وعزته وكرامته،و أنها ضرورية لمواصلة عملية البناء والتنمية والتقدم في كل مجالات الحياة.
يذكر ان صدام حسين اصبح رئيسا للعراق خلف احمد حسن البكر في 1979م،وجدد له في آخر مرة بالرآسة في استفتاء نظم في 1995م،حيث جاءت النتيجة باغلبية99,96% وفق الأرقام الرسمية.وهو يشغل الآن بالإضافة الى رآسة الجمهورية مناصب الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم ورئيس الوزراء والقائد الأعلى للقوات المسلحة.ويبلغ من العمر 65عاما.
ولنا ان نقول هنا ان هذه الخطوة على عكس ما ذهب إليه الرسميون في العراق،ستكرس المزيد من التدهور للعراق،بل إنها تفويت لحل يمكن له ان ينقذ العراق من دمار يوشك الوقوع،إذ ان مشفقين على العراق اقترحوا تنحيا لصدام حسين عن السلطة لتفويت الفرصة على الأمريكيين الذين يرون في صدام رأس المشكلة،وكان يمكن ان يتم ذلك بكل هدوء حيث ان الفترة الرآسية له قد انتهت،وان ينسحب من الميدان السياسي تاركا للعراقيين حرية اختيار رئيس آخر في انتخابات حرة ونزيهة تشارك فيها كافة القوى الوطنية و الإسلامية.ولربما كان في ذلك تحولا سلميا للسلطة في العراق بعيدا عن حمامات الدم والدمار الذي يستهدف كل العراق.وان من المؤسف حقا ان لا نرى في امتنا استعدادا لدى الطبقة الحاكمة للتنازل ومرونة في التحول السلمي للسلطة يكون في مصلحة الشعوب في المحصلة النهائية،وان يعتبر الكثيرون منهم ان مستقبل بلداننا مرتبط بمستقبلهم الشخصي،وهم بشر اذا لم يقبلوا بالتنحي حسب اقتراحات المشفقين لمصلحة الشعوب،فان سنة الله في الخلق تجري عليهم وعلى غيرهم،يقول تعالى:\”ومن نعمره ننكسه في الخلق\”كما ان سنة الموت جارية على كل المخلوقات\”كل نفس ذائقة الموت\”.
من طرف ثالث حدث تطور بالنسبة لموقف المرجعية الشيعية،حيث صدرت تحريمات صريحة بالمشاركة في أي عمل عسكري ضد العراق تقوده الولايات المتحدة الأمريكية،كما ان المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بقيادة السيد الحكيم قد أرسل ممثلا عنه الى الولايات المتحدة الأمريكية استجابة للدعوة الأمريكية لمناقشة مستقبل العراق ما بعد صدام حسين،وهذا ما يوحي بخلاف في الموقف الشيعي حيال الوضع الراهن بالنسبة للعراق،وهذا يتطلب العمل الإعلامي الكبير لإيضاح الموقف،سواء من المنادين بالحرمة أو المشاركين في اجتماعات واشنطن.ولا يبدو حتى ان هنالك عملا إعلاميا كافيا لاجلاء الصورة بوضوح،مما سيودي الى بلبلة في الوسط كما قد تسجل مواقف غير مشرفة للشيعة في هذه القضية.
وهنا لا بد ان نطرح سؤالا على أنفسنا باعتبارنا مسلمين غربيين أو مقيمين في الغرب،ما هي مسئوليتنا حيال هذا الوضع؟
أرى ذلك في ما يلي:
1/فهم الموقف الأوروبي،المحايد في هذه القضية،والتفاعل معه،والسعي لخلق تيار شعبي يدافع عن مصلحة الشعب العراقي،فقد شهدنا في الأشهر الماضية تيارا عريضا في العواصم الأوروبية يرفض توجيه ضربة عسكرية للعراق،وقد خرجت مسيرات ضخمة في ألمانيا إبان زيارة الرئيس الأمريكي الى هناك احتجاجا على التهديد بضرب العراق،وفي تقديري ان هذا التيار هو الذي ضغط على الحكومات مؤخرا،لحث أمريكا على مراجعة نظرتها من جديد،وتراجع الموقف البريطاني الذي ينساق في مثل هذه المواقف بشكل تلقائي مع التوجه الأمريكي.ويمكن للعراقيين بشكل خاص القيام بنشاط إعلامي ودبلوماسي في إقناع الأحزاب الغربية سيما المعارضة،بموقف يخدم الشعب العراقي في هذه اللحظة التاريخية.
2/العمل على إيضاح مواقف المرجعية الشيعية والحركة الإسلامية في العراق،لرفع الالتباس في الموقف،والتقليل من الانقسامات الداخلية في صفوف الشيعة سيما في الغرب،بل حث جميع الأطراف على تكريس الجهود لتلافي التداعيات التي ستؤول إليها الأمور ان حدث تحرك عسكري باتجاه العراق.بغض النظر عن اختلاف الاجتهادات حيال الموقف.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجنب العراق و أهله كل سوء ومكروه.وان يمن على امتنا بمزيد من الخير والسلام.
ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا… بسم الله الرحمن الرحيم
\”اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا\” صدق الله العلي العظيم.
والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.