دور الذكاء الاصطناعي والنظم الخبيرة في دعم الإجتهاد الفقهي


الإجتهاد الفقهي ليس أكثر من التزام قواعد محددة والرجوع لمصادر معرفية محددة ليعطي بعد ذلك الفقيه المختص رأي الدين في الحادثة المعينة، وهذا يعني أن الفقيه المختص يمكن له أن ينشأ نظاما خبيرا يعينه ويسانده في عملية الاجتهاد سواء بتسهيل مقدمات الإجتهاد أم باعطائه مقترحات تقترب الى مستوى اجتهاده وفق منهجه الخاص في الإجتهاد.

‘,’
المحتويات:

المقدمة
المخ البشري
الذاكرة
الذكاء الاصطناعي
النظم الخبيرة
الاجتهاد الفقهي
آلية الاجتهاد
عناصر قاعدة المعرفة
مجالات تطبيقية
الخلاصة
المصادر

المقدمة
الاصل في فكرة هذا البحث حوار دار في المحاضرة المنعقدة في جامعة دلمون في البحرين في مارس 2007م والتي تحدث فيها الدكتور ماجدي فاروق عن دور الذكاء الاصطناعي والنظم الخبيرة في معالجة الكثير من مشاكل الحياة وفي مختلف الجوانب والقرارات التي بدأت هذه الانظمة تتخذها نيابة عن الانسان في ضوء ما يزودها اياه الخبير من خبرة فتأتي القرارات وفق ما يريده الخبير،وقد كان الحوار يدور حول امكانية ان تستجيب هذه الانظمة لما يواجهنا من اشكالات تحتاج الى اجابات يفترض ان يجيب عليها الفقيه المجتهد،ومع الاجابة التي ذكرها الدكتور كاشفا عن امكانية ذلك،حرضني ذلك على التصميم في كتابة بحث يعالج هذه النقطة،ولا ازعم ان هذا البحث يفي بالغرض لكني اتصور ان الانظمة الخبيرة تقوم على قواعد معرفية واضحة لتستنبط النتائج على طريقة الخبير البشري،والحق ان الاجتهاد الفقهي ليس اكثر من التزام قواعد محددة والرجوع لمصادر معرفية محددة ليعطي بعد ذلك الفقيه المختص راي الدين في الحادثة المعينة،وهذا يعني ان الفقيه المختص يمكن له ان ينشأ نظاما خبيرا يعينه ويسانده في عملية الاجتهاد سواء بتسهيل مقدمات الاجتهاد ام باعطائه مقترحات تقترب الى مستوى اجتهاده وفق منهجه الخاص في الاجتهاد او تتفوق عليه احيانا،لطبيعة ما يمر به العنصر البشري من مرض او ضعف اوتأثر بالضغوطات المحيطة،وبعد ان اشرفت على اكمال هذا البحث ولازلت ارى امكانية التوسع غير ان اكثر من هذه الصفحات قد تخرج البحث عن غايته.
واود ان اشير هنا ان هنالك اعتراضات تواجه مثل هذه البحوث واغلبها نابع من الحالة التقديسية التي تهيمن على المتعاطين مع الشان الديني،لكني اتصور ان طرح مثل هذه الافكار والبحوث على العلماء المشتغلين بعملية الاستنباط وبعيدا عن انصاف المجتهدين يمكن ان يأتي بثمار طيبة.

ابتدات البحث بالتحدث عن المخ البشري لان العمليات الادراكية المعقدة التي تتم بداخله هو ما يثير الحيرة والاستغراب ويدفع العلماء لمحاكاة هذه العمليات،ثم تعرضت للذاكرة،لان الانظمة الخبيرة تحاكيها في بعض اوجهها كما انها تتفوق عليه من حيث عدم تاثرها بالمحيط او الفقدان نتيجة العطب او الاصابة او الموت،وهو يعني انها احفظ للخبرة من العنصر البشري،ثم تعرضت للذكاء الاصطناعي والانظمة الخبيرة باعتبارها اهم تطبيقاته،وبعدها عرجت على الاجتهاد الفقهي ثم تطرقت لآلياته وبعدها بينت القواعد التي يمكنها ان تشكل قاعدة المعرفة في الانظمة الخبيرة،وقبل الخاتمة ذكرت بعض التطبيقات الممكنة لهذه الانظمة من خلال ملامستي العملية.
كلي امل ان يكون هذا البحث مقبولا،وان يساهم في توضيح ما يمكن للانظمة الخبيرة ان تقدمه من دعم لعملية الاستنباط الفقهي.

المخ البشري
يتطلب الفهم الصحيح لعمليات الذكاء الاصطناعي فهما اوليا بطبيعة المخ البشري الذي تجري بداخله عمليات الادراك الكبرى لدى البشر والتي يحاول الذكاء الاصطناعي محاكاتها، وفي يوم ما كانت الوسيلة المتاحة للعلماء للتعرف على تشريح المخ هي فحص انسجته بعد الوفاة، ولقد مهدت دراسة خلايا المخ غير الحية الطريق لدراستها وهي تنبض بالحياة، واصبحت كثير من الافكار حول المخ متاحة من خلال التقنيات الجديدة التي يسرت للعلماء دراسة المخ اثناء التفكير،ومعالجة المعلومات،واشياء جديدة،وتثبيته للذاكرة واظهاره للغضب،والاكتئاب،وحتى اثناء تعرضه للهلاوس،ونوبات الاضطراب العقلي.
ان التقنيات الجديدة لمسح المخ تستطيع حتى اظهار صوت الاشباح التي تختلج بعقول مرضى الفصام،وعلى سبيل المثال اظهر عدد اكتوبر1995 من مجلة تايم،لقطة للمخ اثناء الهلوسة،صورة ثابتة تحتوي ست بقع حمراء برتقالية،كبقع نشطة ساخنة تم التقاطها باستخدام PET.ظهرت الالوان الساخنة كل مرة يضغط فيها شاب في الثالثة والعشرين مصاب بالفصام على زر خاص حالما تأتيه هلاوس.
واتاحت المعارف الحديثة حول نشاط انظمة النواقل العصبية ثورة من الاكتشافات المتعلقة بكيفية عمل المخ ومدى ما يمكن احداثه من تاثير على الفكر والسلوك من خلال بعض الاطعمة والمكملات الغذائية،وتم التعرف على تلك المواد الكيميائية المخية،التي تحدد الهوية،وبانتقالها من خلية الى اخرى تصنع مسارات حيوية كيميائية تحمل المشاعر والافكار خلال شبكة هائلة من الخلايا المخية،وهي تشكل نظام المخ الكهربائي الحيوي الكيميائي،وهي نبع الذاكرة والذكاء والابداع والمزاج.
يوجد المخ اعلى النخاع الشوكي،وداخل الجمجمة النخاع المستطيل الذي يكون الجزء الاسفل من جذع المخ،واعلى النخاع المستطيل يوجد الجسر وخلف الاثنين يوجد المخيخ،ويربط الجسر بين نصفي المخيخ الايمن والايسر.وتوجد داخل المخ تجاويف تسمى بطينات مليئة بسائل معين.
وقد اجري في هذا القرن كثير من الدراسات التي تعنى على وجه التحديد بدراسة الوظائف التي تقوم بها اجزاء المخ،فهناك محاولات لتحديد موضع المكونات اللغوية واللغوية الاخرى والمهارات والقدرات المختلفة،التي تتراوح ما بين الذاكرة والتخطيط،الى المهارت الاكثر خصوصية مثل التعرف على الوجوه،الى السمات غير المحددة.
وقد اصبح من المستحدث هذه الايام التحدث عن اختزان المعلومات في شبكة عصبية تتوزع عبر المخ،وهذه الشبكة تفقد قدرتها على العمل اذا اصيبت بالتلف،لكن الموضع المحدد الذي حدث به التلف يلعب دورا اقل اهمية بالمقارنة بعدد النيورونات التي اصابها التلف في الشبكة العصبية.كماان الفصوص الامامية في المخ وهي مناطق عالية التطور ويعدها البعض انها تحتوي اكثر قدراتنا الانسانية،وهي بالتاكيد تمثل احدث التطورات في المتدرج التطوري مقارنة بالفصوص المخية الاخرى،وهي تشارك في التخطيط والتنظيم وانظمة التحكم ذات المستوى التنفيذي العالي.وهي مسئولة عن تغيير الخطط والافعال،وقد بينت الاختبارات المعملية مزيدا من الامثلة للسلوكيات التي تقع تحت سيطرة الفصوص الامامية.
وقد مرت مسالة تحديد مواضع الوظائف في مختلف مناطق المخ بحالات مد وانحسار،فالمشتغلون بالسيكولوجيا العصبية التقليديون،ظلوا مهتمين برسم خرائط للعيوب الوظيفية الناتجة عن اصابات مخية في مواضع معينة،الا اننا نجد من بين الاتجاهات الحديثة ان المشتغلين بالسيكولوجيا العصبية المعرفية يذهبون الى ان الحصول على نموذج جيد يوضح كيف تعمل منظومة ما،اكثر اهمية من ان تعرف اين تقع تلك المنظومة،مما يساهم في معرفة نماذج العمليات المعرفية السوية.
وبالنسبة للغة والمخ،فقد تم تقسيم الاجهزة (والنظم)اللغوية التي توجد في المخ والتي تختص بعمليات سابقة على عملية النطق،الى ثلاثة اقسام عريضة:تركيبية،ودلالية،وصوتية،وعموما يختص الجهاز التركيبي بالقواعد اللغوية،بينما يختص الجهاز الدلالي بمعاني الكلمات المفردة،اما الجهاز الصوتي فيختص بنطق الالفاظ التي تكون الرسائل،ولكي يجري انتاج اللغة،يقوم المخ بادماج كل هذه الانظمة(او الاجهزة)معا حتى يصبح لدينا تيار مستمر من الكلام.ويقوم المخ ايضا عند سماعنا للغة،بتحليل عناصر اللغة التي يسمعها،حتى يستخلص منها الرسالة التي تحتويها.ويمكن القول ان العمليات المتضمنة في انتاج اللغة تحتل مواقع امامية في المخ،عن العمليات المتضمنة في ادراك وفهم اللغة التي تميل الى ان تحتل مواقع خلفية بدرجة اكبر.

الذاكرة
لقد لاحظ بعض العلماء واطباء الاعصاب منذ مدة طويلة،ان اي تلف يصيب الفص الصدغي في المخ يحدث اضطرابات في الذاكرة،وهو يعني ان الذاكرة تمتد الى هذا الفص،وقد ثبت ان المادة الوراثية(DNA)هي المادة الكيميائية الاساسية التي تنقل آثار التعلم وتساعد في اختزان المعلومات،من جهة اخرى فقد تبين ان مادة الاستسل كولين\”ناقل عصبي في القشرة المخية\”تزداد نسبتها زيادة كبيرة اثناء التعلم والتذكر،مما يدل على دورها في عملية التذكر واسترجاع المعلومات المتعلمة،ثم ان الهرمونات الجنسية والانكيفالين(مواد كيمياوية داخل المخ تسمى افيون المخ المخفف للالم) تقوم بدور مهم في تعديل الذاكرة،ويبدو ان الادرينالين الذي يفرز استجابة للضغط النفسي والاجهاد يلعب دورا مهما في تعديل الذاكرة ايضا،حيث يثبط عملية التذكر،سواء كان افرازه داخليا او خارجيا بالحقن،اما وجوده بكميات متوسطة فيساعد على الاحتفاظ بالمادة المتعلمة.
وفقا لنماذج معالجة المعلومات في الذاكرة،ينظر الى معالجة المعلومات في الذاكرة من خلال ثلاث مراحل:
الأولى:مرحلة الاكتساب:
خلال هذه المرحلة يجري ترميز المعلومات الداخلة اولا على شكل اثار حسية(سمعية او بصرية) ثم تعالج بدرجة اعلى من ذلك،حيث تتحول الى آثار على مستوى الذاكرة قصيرة المدى،ومن المحتمل بعد هذا ان تعالج على مستوى الذاكرة طويلة المدى.
الثانية:مرحلة الاحتفاظ:
وعرفت بانها الفترة الزمنية التي تنقضي بين الحدث او الواقعة واعادة جمع اجزاء خاصة من المعلومات المتعلقة بهذا الحدث،وتعتبر فترة زمنية حساسة حيث حالما يجري ترميز المثير والحدث يبدا عدد من العوامل بالتاثير فيه.
الثالثة:مرحلة الاسترجاع:
يعرف الاسترجاع بانه العملية التي يتذكر فيها الشخص ما احتفظ به من معلومات.وهي تتأثر بالطريقة الخاصة في ترميز المعلومات او المثيرات،وكون هذه المعلومات الخاصة التي جرى ترميزها متضمنة في اشارات الاسترجاع،والسياق الذي يحدث فيه هذا الاسترجاع.
من هنا يرتبط التعلم ارتباطا وثيقا بالذاكرة،فالانسان يتذكر ما سبق له ان تعلمه،ولا وجود للتذكر والاسترجاع الا بوجود تعلم سابق وخبرات سابقة،ويملك جهاز معالجة المعلومات البشري طاقة كبيرة جدا على التعلم والترميز للمعلومات وتخزينها،وتتوافر فيه كمية كبيرة من المعلومات باستمرار،ولكن الفرد لايستطيع التحكم بها جميعها في اي وقت يشاء،وقد يفشل في تذكر بعض المعلومات الضرورية في ضروف معينة،كلامتحانات مثلا،لان قدرته على تعيين موقعها في مخزن الذاكرة محدودة.
ان اول الخطوات التي يقوم بها الشخص لاسترجاع ما تم تعلمه،هي البحث عن المعلومات ذات الصلة في مخزن الذاكرة الطويلة المدى،وقد يطرح تساؤلات عامة مثل:متى قرات نماذج التعلم؟واين؟وما المناسبة التي قرات فيها؟ ثم يطرح اسئلة اكثر دقة:مثل ما التعلم؟وما انواعه وما مادته ونماذجه؟وما الفروق بينها؟من هنا فان استرجاع المادة المتعلمة يتم وفق ثلاث مراحل:1/مرحلة البحث عن المعلومة.2/مرحلة تجميعها وتنظيمها.3/مرحلة الاداء الذاكري.
لابد من التاكيد على ان الذاكرة تصاب بالعطب والخلل اما لاصابة الانسان بامراض تمس الذاكرة بشكل مباشر،او لمرض عام يتعرض له الانسان،ولايتسع المجال هنا لذكرها لانها خارج هدف هذا البحث.غير ان ذكرها بهذه العجالة مفيد للتاكيد على ان برامج الذكاء الاصطناعي تساعد كثيرا لتجاوز الاثار السلبية على المجتمعات البشرية بسبب هذه الامراض، سيما لدى اعتماد برامج الانظمة الخبيرة وهو ما سيتضح اكثر في الصفحات القادمة.

الذكاء الاصطناعي
يهدف الذكاء الاصطناعي الى فهم طبيعة الذكاء الانساني عن طريق عمل برامج للحاسب الآلي قادرة على محاكاة السلوك الانساني المتسم بالذكاء،وتعني قدرة الحاسب على حل مسالة ما،او اتخاذ قرار في موقف ما،ان البرنامج نفسه يجد الطريقة التي يجب ان تتبع لحل المسالة،او للتوصل الى القرار بالرجوع الى العديد من العمليات الاستدلالية المتنوعة التي غذي بها البرنامج،وهنالك معايير يمكن لها ان توصف الذكاء الانساني ليحاكى اصطناعيا،كالقدرة على التعميم والتجريد،والتعرف على اوجه الشبه بين المواقف المختلفة،والتكيف مع المستجدات،واكتشاف الاخطاء وتصحيحها لتحسين الاداء في المستقبل،والذكاء الاصطناعي يهتم في الحقيقة بالعمليات المعرفية التي يستخدمها يستخدمها الانسان في تادية الاعمال التي نعدها ذكية.وتختلف هذه الاعمال اختلافا بينا في طبيعتها،فقد تكون فهم نص لغوي منطوق او مكتوب،او لعب الشطرنج او حل لغز،او مسألة رياضية،او كتابة قصيدة شعرية،او القيام بتشخيص طبي،او الاستدلال للانتقال من حالة الى اخرى او من مكان الى اخر.وهذا الاستدلال او الاجتهاد كما يعبر عنه،الذي يتمثل في اختيار احدى طرق الحل التي تبدو ملائمة مع ابقاء الفرصة في نفس الوقت للتغيير الى طريقة اخرى في حالة عدم توصل الطريقة الاولى الى الحل المنشود في الوقت المناسب،اقول هذا الاجتهاد هو ما يلتقي مع ما يقوم به المختص في الشئون الفقهية،ولعل هذا ما يدفعنا للتفكير الجدي في الاستعانة بالذكاء الاصطناعي وسيما الانظمة الخبيرة لمساندة الاستنباط الفقهي.
سيما اذا نظرنا الى ان من خصائص الذكاء الاصطناعي:

  • التفكير ثم إيجاد السبب.
  • إستخدام السبب فى حل المشكلة.
  • الفهم والتعلم من الخبرات التى يتعرض لها العنصر البشرى.
  • محاولة تطبيق المعرفة المكتسبة.
  • عرض أو طرح التصورات المختلفة.
    وهذه عمليات داخلة في طريق الاستنباط الفقهي،المعمول به لدى المختصين في مجالات الدراسات الاسلامية في مختلف مستوياتهم وتعدد مذاهبهم الفقهية،فحتى الذين لم يروا للاجتهاد وجوبا،وحكروه على علماء ماضين، يستفيدون من هذه الخصائص للاحتجاج بصدق استدلالهم على مبتغى مؤسس مذهبهم.
    وهنا لابد من التأكيد على خصائص الذكاء البشري وعلاقتها بالذكاء الاصطناعي،حيث يحاول الاخير تطوير آلات (تشبه المخ البشري من حيث الوظائف) تحاكي التصرفات البشرية التي تعد ذكية،والتي منها:
    1/ان لدى الانسان القدرة على التعلم من الخبرات القديمة بشكل طبيعي،لكنها ليست بهذه السهولة لدى الحاسوب،بل هناك حاجة الى تحويل الخبرات الى برامج يفهمها الحاسوب.
    2/استخدام الخبرات القديمة في مواقف جديدة،ولازالت صناعة البرامج في هذا المجال شاقة جدا.
    3/مواجهة المواقف الصعبة ،وهي تحتاج الى تطوير البرامج الذكية بهذا الصدد.
    4/حل المشاكل مع غياب المعلومات،وهوما تستطيعه بعض برامج الذكاء الاصطناعي،باستخدام بعض البرامج الرياضية او باستخدام مقارنات مختلفة بحسب المشكلة المراد وضع حل لها.
    5/ترتيب الاولويات،ويمكن للحاسب ان يساهم في تصنيف وتنظيم المعلومات لكنه لايزال غير قادر على ترتيب الاولويات.ويمكن له ذلك في حالة تزويده ببرامج مبنية على اساس الاولوية.
    6/القدرة على التفكير،وهي خاصية بشرية غير ان تحديد نوعية المجالات او القرارات التي تحتاج الى تفكير يمكنها ان تسهل على الحاسوب،حيث ان هنالك قرارات نمطية يمكن اتخاذها آليا،ويمكن تصنيفها كما في المجال الاداري حسب المستوى الاداري،ادارة الصف الاول،ام الادارة الوسطى ام الادارة الاستراتيجية.
    وهناك خصائص اخرى نعرض عن ذكرها مع التاكيد على ان الذكاء الاصطناعي في حالة تطور مستمر،وقد يستطيع ان يحاكي الذكاء البشري الذي يعد اليوم صعبا.
    ولابد من القول هنا ان نظم الذكاء الإصطناعى تقوم بالتشغبل المعرفى والذى تتمثل مدخلاته فى البيانات والمفاهيم والتقييمات وتخزن قواعد المعرفة وتتم المعالجة فى صورة رمزية وغير حسابية لتقديم مخرجات فى شكل توصيات، نصائح، تفسيرات.
    كما ان التشغيل المعرفى الذى تقوم به نظم الذكاء الإصطناعى يعتمد على نمطين أساسيين للمعالجة هما:التشغيل الرمزى Symbolic Processing والتشغيل الغير حسابى NonalgorithmicProcessing.

النظم الخبيرة
تعتبر النظم الخبيرة بمثابة تطبيق لمفهوم الذكاء الاصطناعي،وهي تعرف على انها برامج مكثفة المعرفة تقوم بحل المشاكل من خلال اسخدام خبرة العنصر البشري في مجالات محددة من المعرفة والخبرة.
كما عرفت:انها نظم تفاعلية مبنية على الحاسبات الآلية مصممة بحيث تحاكى تفكير الخبير البشرى بغرض التوصل الى حلول للمشاكل من خلال اجراءات استدلالية وطرح توصيات للمساعدة فى عملية اتخاذ القرار.
وتتكون النظم الخبيرة من اربعة مكونات رئيسية:
قاعدة المعرفة Knowledge Base : تخزن المعرفة البشرية والنماذج وهذا يتضمن المعرفة الموجهة Heuristics وتتكون من الإجراءات والقواعد التى تصف ما يمكن أن يتبعه الخبير للوصول إلى أسباب مشكلة معينة.
برنامج الإستدلال Inference Engine: يستخدم قواعد المعرفة في التوصل الي مسببات المشاكل والحلول وكذلك تحديد العلاقات التى يحتمل وجودها بين متغيرات المشكلة.
المكونات المادية للحاسبات وشبكات الإيصال: تتمثل تلك المكونات المادية Hardware فى محطات عمل الحاسبات الآلية المتصلة بجهاز الحاسب المركزى الذى يقوم بخدمة تلك المحطات بحيث يمكن لأكثر من مستخدم التفاعل مع النظام الخبير.
الموارد البشرية: يتم الاستعانة فى بناء قاعدة المعرفة بعدد من الخبراء فى مجال المعرفة حيث يتم أستقاء المعرفة منهم وتخزينها في قاعدة المعرفة.
وحتى تتمكن النظم الخبيرة من القيام بدورها في تقديم الاستدلال او تقديم مقترحات القرارات او حلول المشاكل وما شابه لابد من القيام بالعمليات التالية:
الإكساب المعرفى Knowledge Acquisition: هى عملية ادخال المعرفة للنظام الخبير.
التمثيل المعرفى Knowledge Representation: عملية صياغة المعرفة الخاصة بالنظام الخبير بلغة يستطيع ان يتفهمها ويتعامل معها الحاسب، ويوجد اسلوبان رئيسيان يستخدمان فى هذه العملية:
النظام المبنى على القواعد Rule-based System: ويتمثل فى برنامج يحوى عددا كبيرا ومتداخلا من القواعد الشرطية يستخدمها النظام الخبير ومفاد القاعدة الشرطية انه اذا تحقق شرط معين يتم بالتالى اتخاذ التصرف.
الإطار المعرفى Knowledge Frame : اسلوب لتنظيم المعرفة الخاصة بالنظام الخبير فى صورة مرتبطة ببعضها.

وفي ضوء ذلك يمكن القول ان النظم الخبيرة يمكن استخدامها في الحقول والمجالات المختلفة،وفي مراحل حل المشكلات جميعها ومع ذلك فان استخدامها مازال محدودا وانتشارها قليل نظرا لارتفاع تكاليف تطويرها،وصعوبة استخدامها وتحديثها وصيانتها،وقد استخدمت في بعض المجالات وحققت فوائد كثيرة،منها:
المجال الاداري:حيث ساهمت في وضع الاهداف الاستراتيجية في التنظيمات الادارية،والتخطيط،والتصميم،وصنع القرارات،والفحص والمتابعة.
المجال الطبي:حيث استخدمت في التحليل والتشخيص والعلاج،ويعد النظام الخبير MYCIN افضل نظام خبير في هذا المجال.
مجال الفضاء:حيث يستخدم للتحكم الذاتي في السفن الفضائية،ويعمل كخبير لتشخيص الاعطال عن طريق مراقبة البيانات المرسلة الى الارض.
كما استخدم في مجال الهندسة والقانون والاتصالات ومجالات أخرى.
وفي تقديرنا أن هذه الأنظمة يمكن استخدامها بكفاءة في مجال الاجتهاد والاستنباط الفقهي.
هذا وتصنف النظم الخبيرة الى ثلاثة انواع رئيسية:
1/النظم التي تعمل كمساعد:حيث يقوم النظام بمساعدة المستخدم في تحليل بعض الاعمال وتوضيح الانشطة التي تحتاج الى تدخل العنصر البشري.
2/النظم التي تعمل كزميل:تسمح هذه الانظمة للمستخدم ان يناقش المشكلة مع النظام ويطرح الاسئلة عليه لفهم المنطق الذي يستخدمه النظام،كما يمكن للمستخدم ان يصحح مسار النظام،وبالتالي يكون القرار النهائي حصيلة جهد مشترك للمستخدم والنظام معا.
3/النظم التي تعمل كخبير:وهنا يقبل المستخدم نصيحة النظام من دون مناقشة،وفي هذه الحالة تكون خبرة النظام افضل من خبرة المستخدم.
وسنرى من خلال عرض آلية العمل في المجال الفقهي ان النظم الخبيرة يمكن لها ان تقدم دعما بانواعها الثلاثة.

الاجتهاد الفقهي
الاجتهاد في اللغة مأخوذ من الجهد،وهو بذل الوسع للقيام بعمل ما،وفي الاصطلاح الفقهي هو ملكة تحصيل الحجج على الاحكام الشرعية اوالوظائف العملية شرعية او عقلية،ويمكن تعريفه أيضا بالقدرة على استنباط الحكم الشرعي من ادلته المقررة شرعا،اكانت ادلة شرعية ام عقلية.والمجتهد في اللغة الذي يجد ويبالغ في طلب الشيئ،وفي اصطلاح الفقهاء هو الذي يعرف اصول الشريعة بكاملها وما تنطوي عليه من احكام ويمتلك القدرة التامة على استنباط هذه الاحكام وردها الى اصولها.
والفقه هو نفس الاحكام الشرعية او الوظائف العملية من حيث التماسها من ادلتها،او هو علم استنباط الاحكام الشرعية،وتحديد الموقف العملي اما عن طريق تعيين الحكم الشرعي او تحديد الوظيفة العملية تجاه الحكم المشكوك بعد استحكام الشك وتعذر تعيينه،والادلة التي تستعمل في الاسلوب الاول (اي تعيين الحكم الشرعي)تسمى بالادلة المحرزة اذ يحرز بها الحكم الشرعي،والادلة التي تستعمل في الاسلوب الثاني تسمى بالادلة العملية او الاصول العملية.
وهناك من الاجتهاد ما هو ممنوع ،وهو الاجتهاد في مورد النص القطعي ثبوتا ودلالة،وهو ما يسمى بالاجتهاد في قبال النص.أما الاجتهاد في فهم النص ودلالته اذا كان ظني الدلالة او الصدور او الحكم في ثبوت الحكم على مبدا عام يحكم العقل بصحته ويجزم بصوابه،مثل الأهم مقدم على المهم عند التزاحم،وما يتم الواجب الابه فهو واجب،واختيار اهون الشرين اللذين لامناص من احدهما،والضرورات تبيح المحظورات..وماشابه فلا اشكال في صحة هذا النوع من الاجتهاد.
ولابد من التأكيد ان الاجتهاد بحاجة الى الارتكاز على مجموعة من العلوم التي تمثل الخلفية العلمية للمجتهد، وهي العلوم العربية الفاظا ومعاني، لان الشريعة عربية،وعلم الحديث والاصول،والمنطق كي يعرف شروط الدليل وكيفية تركيب البرهان والقياس من المقدمات الصحيحة(على راي البعض)والعلم بآيات الاحكام وروايتها،واحوال الرواة من الجرح والتعديل،وموارد اجماع الفقهاء..اضافة الى الذوق السليم.وينبغي للمجتهد ان يكون على علم بفهرست النصوص وتبويبها ومعرفة مضانها في كتبها الخاصة،أمثال الصحاح والمسانيد والموسوعات الفقهية،وتكون لديه الخبرة في تحقيق النصوص والتأكد من سلامتها من الخطأ أو التحريف،ثم التأكد من رواتها ووثوقهم في النقل بالرجوع إلى الثقات من أرباب الجرح والتعديل،كما يتوجب أن تكون لديه الخبرة بالمرجحات التي جعلها الشارع أو أمضاها عند التعارض.وكذلك الاحاطة التاريخية بالأزمان التي رافقت تكون السنة وما وقع فيها من أحداث.والخبرة بأساليب الجمع بين النصوص كتقديم الناسخ على المنسوخ والخاص على العام والمطلق على المقيد،وكالتعرف على موارد حكومة بعض الأدلة على بعض أو ورودها عليها.
وبالنظر إلى دور الأنظمة الخبيرة في دعم عملية الاستنباط الفقهي يمكن لهذه الانظمة ان تقعد(تضع قواعد) العلوم التي تقع في طريق الاستنباط،بحيث انها تيسر على الباحث التوصل الى دقة المعلومة المطلوبة كاللفظة العربية او الاستنتاج المنطقي وفق اي نوع من المنطق يعتمده المختص، او الفحص في وثوق الرواة لاي حديث نبوي اورواية،أو تقديم الخاص على العام أو الحكومة والورود وما شابه ذلك وفق خبرة الخبير(المجتهد).وهذا كله مما يختصر الجهد على المختصين في مجال الاستنباط الفقهي.
غير ان العملية الاجتهادية تختلف من مدرسة فقهية الى اخرى، ومن ثم سينعكس هذا على طبيعة الدعم الذي يمكن للانظمة الخبيرة ان تقدمه.فهناك الاجتهاد المستقل حيث أن الفقيه يجتهد في استخراج مناهج له في اجتهاده،على نحو يكون مستقلا في منهاجه وفي استخراج الأحكام على وفق هذا المنهاج،أي أن يكون مجتهدا في الأصول والفروع.وهناك الاجتهاد في المذهب حيث يكون مجتهدا وفق أصول الاجتهاد التي قررها إمام ذلك المذهب.وبشكل عام يمكن للأنظمة الخبيرة أن تدعم المجتهد وفق قاعدة المعرفة التي يزود بها النظام.

آلية الاجتهاد
هنالك عناصر مشتركة في عملية استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها المقررة، وهذه العناصر المشتركة يدرسها علم الأصول، وهذا العلم هو منطق الفقه، فإذا كان علم المنطق يدرس عملية التفكير مهما كان مجالها وحقلها العلمي فان علم الأصول يشابه علم المنطق من هذه الناحية غير انه يبحث عن نوع خاص من عملية التفكير، أي عملية التفكير الفقهي في استنباط الأحكام، ويدرس العناصر المشتركة التي يجب أن تدخل فيها لكي يكون الاستنباط سليما.
ويقدم لنا احد المصادر نموذجا لعملية الاستنباط، ننقلها هنا لأنها يمكن أن تمثل نموذجا لما يمكن تضمينه لقاعدة المعرفة في النظام الخبير.اخذين بعين الاعتبار أن هذا الاجتهاد يمثل مذهبا فقهيا محددا.وهو المذهب الجعفري الاثناعشري.
افرضوا أن فقيها واجه هذه الأسئلة:
1/هل يحرم على الصائم أن يرتمس في الماء؟
2/هل يجب على الشخص إذا ورث مالا من أبيه أن يؤدي خمسه؟
3/هل تبطل الصلاة بالقهقهة في أثنائها؟
فإذا أراد الفقيه أن يجيب على السؤال الأول فسيجيب بالإيجاب، أي انه يحرم على الصائم الارتماس بالماء، ويستنبط ذلك بالطريقة التالية:قد دلت رواية يعقوب بن شعيب عن الإمام جعفر بن محمد الصادق على حرمة الارتماس على الصائم فقد جاء فيها انه قال:لا يرتمس المحرم ولا الصائم،والجملة بهذا التركيب تدل في العرف العام على الحرمة وراوي النص يعقوب بن شعيب ثقة والثقة وان كان قد يخطئ أو يشذ أحيانا ولكن الشارع امرنا بعدم اتهام الثقة بالخطأ أو الكذب واعتبره حجة،والنتيجة هي أن الارتماس حرام.
ويجيب على السؤال الثاني بالنفي لان رواية علي بن مهزيار جاءت في مقام تحديد الأموال التي يجب فيها الخمس وورد فيها أن الخمس ثابت في الميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن والعرف العام يفهم من هذه الجملة أن الشارع لم يجعل خمسا على الميراث الذي ينتقل من الأب إلى ابنه،والراوي ثقة وخبر الثقة حجة،والنتيجة هي أن الخمس في تركة الأب غير واجب.
ويجيب على السؤال الثالث بإيجاب بدليل رواية زرارة عن الإمام الصادق انه قال:\”القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة\” والعرف العام يفهم من النقض أن الصلاة تبطل بها وزرارة ثقة وخبر الثقة حجة، فالصلاة مع القهقهة باطلة إذن.
وهكذا نستنتج أن عمليات الاستنباط تشتمل على عناصر مشتركة كما تشتمل على عناصر خاصة،والخاصة هي التي تتغير من مسالة إلى أخرى،والمشتركة هي القواعد العامة التي تدخل في عمليات استنباط أحكام عديدة في أبواب مختلفة.
وهنا انموذج أخر لطريقة استنباط،يقول صاحبها:في سورة الحشر عندما يبين ربنا سبحانه حكم الغنائم الحربية ذكرنا باصل مهم في الحياة الاقتصادية،حيث يقول:\”ما افاء الله على رسوله من اهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى والمساكين وابن السبيل كي لايكون دولة بين الاغنياء منكم،وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله ان الله شديد العقاب\”
فاذا كان وضع اقتصادي معين بسبب تداول الثروة بين الاغنياء فقط وحرمان الطبقات المستضعفة من خيرات الثروة،فان ذلك امر شاذ عن تعالم الدين ويجب تعديله.
وكذلك حينما بين ربنا سبحانه حكم السفهاء وقال:\”ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا\”
هكذا بين حكمة المال وانه قيام للناس،فاذا اضر تصرف معين بهذه الحكمة المالية فانه يصبح لاغيا،فمن كنز الذهب والفضة،او كرس امواله في البنوك الاجنبية،وترك شعبه بحاجة الى الثروة لتدوير اقتصاده،فان عمله مخالف لحكمة المال.
بمثل هذه الايات نعرف الحكمة العامة في فقه الاقتصاد،ومنها نستنبط الحكم الفرعي لكل مسالة.ثم يقول صاحب هذا الأنموذج:
وليس هذا الاستنباط نوع من القياس اذ القياس يختلف جذريا مع المنهج القرآني،اذ القياس التعرف على حكم النظير من خلال علة مظنونة في نظيره،بينما نحن نريد استنباط حكم الفرع من الأصل،وعلى هذا فان اساس البصيرة القرآنية هو السعي لفهم الحكم العامة في الشريعة عبر التدبر في آيات الذكر.او في النصوص الشرعية المعتبرة من احاديث وروايات.

عناصر قاعدة المعرفة
تشكل القواعد العامة أو العناصر المشتركة التي تقع في طريق عملية الاجتهاد العناصر (الاصول) التي ينبغي أن تزود بها قاعدة المعرفة في النظام الخبير، وهذه الاصول هي ما تسالم عليه الاصوليون كأدلة على الاستنباط الفقهي،ومع علمنا باختلافهم في الأخذ ببعض القواعد ورفض بعضها من قبل البعض(وهذه العملية تعتمد على اجتهاد أصحاب كل مذهب وربما كل فقيه مجتهد في مذهبه)،إلا أننا في قاعدة المعرفة يمكن أن نزود القاعدة بالقواعد (الأصول)المعتمدة عند كل فقيه او عند كل فقهاء مذهب.ونذكر هنا هذه القواعد (الأصول) مختصرة بالطبع، ويمكن الرجوع للمصادر الأصولية لطلب التفصيل:
1/القرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع، وآياته ستة آلاف وثلاثمائة واثنتين وأربعين آية، منها خمسمائة آية تتعلق بالأحكام(يرى بعض الفقهاء أن آيات الأحكام أكثر من ذلك وربما أمكن استنباط الأحكام الفقهية من كل آيات القرآن الكريم).وقد نزل القرآن بلغة العرب وتبنى طريقتهم في عرض أفكاره، وكان لكلامه ظاهر يفهمونه ويسيرون وفقه.
2/السنة:وهي ما صدر عن النبي(ص) من قول أو فعل أو تقرير.ووسعها الشيعة إلى ما يصدر عن أئمتهم،فهي عندهم كل ما يصدر عن المعصوم قولا وفعلا وتقريرا.واعتبرها البعض أنها تشمل الصحابة حيث اعتبر ما يصدر عنهم سنة ويجري عليها أحكامها الخاصة من حيث الحجية.
3/الإجماع:وهو يعنى ما اتفق عليه،فقيل انه اتفاق مطلق الأمة،وقيل خصوص المجتهدين منهم في عصر،وفي رأي مالك اتفاق أهل المدينة،وقيل اتفاق أهل الحرمين،وربما ضيق إلى اتفاق الخلفاء الأربعة،وفي بعض المذاهب اتفاق خصوص مجتهديهم.وهناك إجماع محصل وهو إن يتولى المجتهد بنفسه مؤنة البحث عن المجمعين والتعرف على هوياتهم وآرائهم في المسالة التي يريد معرفة حكمها حتى يحصل له العلم بالاتفاق على الحكم.وهنالك إجماع سمي بالإجماع ألسكوتي.
4/العقل:وهو اعتبار العقل من القواعد التي يستند إليها المجتهدون في مجالات الاستنباط، إلا انه اختلف الاصوليون في تحديد مقصودهم بالعقل، والخلاف الذي وقع إنما هو في قابلية العقل لإدراك الأحكام الشرعية من غير طريق النقل.
5/القياس:
وقد عرف بالاجتهاد تارة،كما ورد ذلك عن الشافعي،وببذل الجهد لاستخراج الحق أخرى،وقيل انه حمل معلوم على معلوم في اثبات حكم لهما،اونفيه بامر جامع بينهما من حكم او صفة،او هو الاستواء بين الفرع والاصل في العلة المستنبطة من حكم الأصل.وقيل هو التماس العلل الواقعية للاحكام الشرعية من طريق العقل،وجعلها مقياسا لصحة النصوص الشرعية فما وافقها فهو حكم الله الذي يؤخذ به،وما خالفها كان موضعا للرفض او التشكيك.
ويأتون له بمثال:حرمت الخمر لاسكارها،فالخمر اصل،والحرمة حكمه،والاسكار علتها،فاذا وجد الاسكار في النبيذ(وهو الفرع)فقد ثبتت الحرمة له بالقياس.والشيعة لا تعمل بالقياس.
سادسا:الاستحسان:
الاستحسان في اللغة هو\”عد الشيئ حسنا سواء كان من الامور الحسية او المعنوية\”وعرف بانه:ترك القياس والخذ بما هو اوفق للناس،او هو طلب السهولة في الاحكام فيما يبتلى به الخاص والعام،او الأخذ بالسعة وابتغاء الدعة،او الأخذ بالسماحة وانتقاء ما فيه الراحة،اوما نسب للمالكية من انه الالتفات الى المصلحة والعدل.وهو ليس بقبول لدى الشيعة والظاهرية.

سابعا:المصالح المرسلة:
وهو عبارة عن جلب منفعة او دفع مضرة هذا بالنسبة للمصلحة،اما الارسال فقد عرفت بانها الوصف المناسب الملائم لتشريع الحكم الذي يترتب على ربط الحكم به جلب نفع او دفع ضر،ولم يدل شاهد من الشرع على اعتباره او الغائه.وقد قسموا احكامها المترتبة عليها بلحاظ ما لمصالحها من رتب الى اقسام ثلاثة:الضروري،والحاجي،والتحسيني.
والشيعة لايقولون بالمصالح المرسلة الا ما رجع منها الى العقل على سبيل الجزم،هذا لمن يرى استقلالا للعقل في الحجة بعيدا عن النصوص الشرعية.

ثامنا:فتح الذرائع وسدها:
في اللغة الوسيلة التي يتوصل بها الى الشيئ،وفي الاصطلاح قيل التوسل بما هو مصلحة الى مفسدة،وقيل ما يتوصل به الى شيئ ممنوع مشتمل على مفسدة،وقيل الذرائع اذا كانت تفضي الى مقصد هو خير وقربة،اخذت الوسيلة حكم المقصد،واذا كانت تفضي الى مقصد ممنوع هو مفسدة.

تاسعا: العرف:
وعرف بما استقرت عليه النفوس بشهادة العقول وتلقته الطبائع بالقبول،وقيل هو الامر الذي يتقرر بالنفوس ويكون مقبولا عند ذوي الطباع السليمة بتكراره المرة بعد المر،وعرف بالعادة.وذكروا له تعريفاتنكالعرف العام والعرف الخاص،والعرف العملي والعرف القولي،والعرف الصحيح والعرف الفاسد.وهو ليس محل قبول من كثير من الفقهاء.

ويمكن القول ان ما يصلح من هذه الاصول (القواعد المعرفية) ليعتبر اصلا يركن اليه في مقام الاستنباط عند الاعم الاغلب من المسلمين لا يتجاوز اربعة:وهي القرآن الكريم،والسنة،والعقل والاجماع،وما عداها فهو راجع اليها في اغلب صوره.

وهنالك عناصر يجب ان تزود بها القاعدة المعرفية في نظام الخبير وهي تأتي بعد القواعد اعلاه من حيث الرتبة اذ تستعمل للموقف العملي حين فقدان الدليل الشرعي الذي يعتد به من خلال عملية الاستنباط لمواجهة موقف ما.وهي:
1/الاستصحاب:وهي مأخوذة من المصاحبة،حيث يعتبرها الاصوليون من الامارات الكاشفة عن الحكم.فيحكم ببقاء الحكم الذي كان ثابتا في الماضي ما دام لم يقم دليل برفعه او بتغييره،فيبقى الامر الثابت في الماضي ثابتا في الحال بطريق الاستصحاب.وفي ضوء الاستصحاب بنيت المبادئ الشرعية التالية:
أـ الاصل في الاشياء الاباحة.
ب ـ الاصل بقاء ما كان على ماكان حتى يطرا ما يغيره.
ج ـ ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه.
د ـ ما ثبت باليقين لا يزول بالشك.
ه ـ الأصل في الانسان البراءة.
و ـ استصحاب النص الى ان يرد النسخ.

2/البراءة الشرعية:ويراد بها الوظيفة الشرعية للحكم الشرعي عند الشك فيه والياس من تحصيله.وهي هنا وليدة انعدام المصلحة والمفسدة او تساويهما في متعلقها.

3/الاحتياط الشرعي:ويراد به حكم الشارع بلزوم الاتيان بجميع محتملات التكاليف او اجتنابها عند الشك بها،والعجز عن تحصيل واقعها مع امكان الاتيان بها جميعا او اجتنابها.وهو لايعدو كونه وظيفة مجعولة من قبل الشارع،عند الشك في الحكم الواقعي.

4/التخيير الشرعي:وهو جعل الشارع وظيفة اختيار احدى الامارتين للمكلف عند تعارضهما،وعدم اماكن الجمع بينهما،او ترجيح احداهما على الأخرى.

5/البراءة العقلية:ويراد بها الوظيفة المؤمنة من قبل العقل عند عجز المكلف بلوغ حكم الشارع او وظيفته.واستدل له بقاعدة قبح العقاب بلا بيان.

6/الاحتياط العقلي:وهو حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف النجز اذا كان ممكنا.

7/التخيير العقلي:والمراد به الوظيفة العقلية التي يصر عنها المكلف عند دوران الأمر بين المحذورين،الوجوب والحرمة، وعدم تمكنه حتى من المخالفة القطعية، ومن اهم صوره اذا كانت الواقعة واحدة غير متكررة.

مجالات تطبيقية
هناك مجالات عدة يمكن ان يستفاد فيها من الانظمة الخبيرة في دعم الاجتهاد الفقهي،سيما مع محاولة اسلمة الكثير من مجالات الحياة في الوقت الراهن،سيما في المجال المالي،حيث ان رقعة البنوك التي تعتمد على النظرية الاسلامية في حالة توسع،واقبال الناس عليها اصبح اكبر سيما في المنطقة العربية والاسلامية،وذلك راجع لرغبة الناس في الانسجام مع دينهم في تعاملاتهم المالية وهذا ما يفسر انتشار البنوك اللاربوية في المنطقة العربية،وتبشيرها بنظام مصرفي قائم على اساس الشريعة الاسلامية.غير ان هذه البنوك تحتاج الى خبراء في تصريف اعمالها البنكية ومع تعقد الحياة وتداخل المعاملات والانفتاح العالمي على قوانين العولمة والتجارة الالكترونية،لا بد من وجود انظمة خبيرة قادرة على تزويد العاملين في هذا المجال،اضافة الى ان الخبرة في المجال المصرفي بحاجة الى حفظ وتطوير،ولا يتأتي لكل مصرف ان يكون لديه الفقيه المجتهد المختص،لكن هذه الخبرات يمكن استقاؤها من الفقهاء وتخزينها في قاعدة المعرفة لدى النظم الخبيرة واستدعاؤها وقت الحاجة.وقد شهدت المنطقة في الآونة الاخيرة عقد المؤتمرات التي تجمع المختصين في الاستنباط الفقهي والمختصين في العمل المصرفي بغية تثبيت قواعد اسلامية للعمل المصرفي.
كذلك هنالك حاجة للنظم الخبيرة للتعامل مع الاموال الشرعية سواء ما تقوم عليه الحكومات او المؤسسات الأهلية،كصناديق الزكاة والاوقاف واموال القاصرين،ومجهول المالك مما يتحاج فيه الى نظرة شرعية،وكذلك اموال الصدقات والنذورات،وهي اموال ليست بالقليلة،وهي تدار حاليا بطريقة بدائية،معوقة لاستثمارها بشكل صحيح،وان محاولة لاستثمارها بطريقة فضلى تستوجب تصميم نظم خبيرة يمكن لها ان تفعل دور هذه الاموال في تنمية المجتمعات الاسلامية والعربية بشكل كبير.
ومن المواد الضرورية للاستفادة من النظم الخبيرة القضاء الشرعي،حيث ان الخبرات تذهب مع القضاة الذين تقدم بهم العمر،وغالبا ما يأتي القضاة الجدد بتجربة غضة وقد يقعون في كثير من الاخطاء،كان يمكن لوجود الانظمة الخبيرة ان تجنبهم ذلك،اذ هي تختزن الخبرات الماضية وتقدم للجدد حصيلة خبرة قضائية يمكن الاعتماد عليها في اصدار الاحكام او الاستفادة منها اقل التقادير.سيما وان اغلب القضايا في مجال القضاء الشرعي متشابهة في القطر الواحد.
ويمكن ايضا لجهات الفتيا ان تستفيد كثيرا من الانظمة الخبيرة،في اصدار الفتيا للظروف المستجدة وتحكيم الفتيا الجديدة الصادرة من بعض المفتين في هذا الزمن حيث ادى الانفتاح العولمي الى صدور فتاوى من جهات مختلفة مما ادى الى ارباك في الساحة،ولتجنب الحساسيات المفرطة بين بني الانسان يمكن للانظمة الخبيرة ان تقدم اقتراحات فتاوى في ضوء الخبرات السابقة،وما تختزنه من خبرات المجتهدين الكبار،تقلل من الآثار السلبية للفتاوى الجديدة.
اضف الى ذلك ان الانظمة الخبيرة يمكن لها ان تدعم المهتمين بتطوير الثقافة الدينية في زمن العولمة وهذا ما يمكن ان تعتمده المرجعيات الدينية في كل بلد،حيث يمكن بسرعة فائقة تدارك الوضع الثقافي وطرح بصائر ورؤى تخلق توازنا في المجتمع استفادة من حصيلة الخبرات الماضية والمتجددة التي تقترحها الانظمة الخبيرة.
هذا ويمكن لكل مرجعية دينية ان يكون لها النظام الخبير المختص باجتهادها الخاص،وهو ما يساعدها على ملاحقة الحاجة لوجود فتواها او رايها او اجتهادها الجديد للساحة رغم مرض المرجع الاعلى او انشغالاته المختلفة او حتى وفاته،وهذا ما يمكن له ايضا ان يجنب الساحات الدينية الهزات القوية التي تتعرض لها حين وفاة مرجع اعلى،اذ يمكن لهذه الانظمة ان تواصل دور المرجع الى حين تبلور مرجعية عليا جديدة.

الخلاصة
وخلاصة هذا البحث ان ادخال الانظمة الخبيرة في مجال الاستنباط الفقهي اصبح ملحا مع التطورات التي يشهدها العالم،ومع وجود نظام عولمي يفرض شروطه وقوانيه على كل الحياة.
وان من التخلف بمكان ان تدخل الانظمة الخبيرة الى شتى مجالات الحياة،وتنغلق عليها الحياة الدينية ممثلة في اعلى الهرم فيها،تحت مختلف الحجج،سيما مع بروز تيار قوي لدى القوى الدينية في هذا الزمن يريد قيادة الحياة،واذا كنا نؤمن بان من حق اي احد ان يعمل من اجل قيادة الحياة بما ينسجم مع رؤيته الخاصة،وفي ضوء مصادره المعرفية،فان المتدينين بشكل خاص معنيون بان ينزلوا لادارة الحياة بادوات معاصرة،لكي لايقعوا في الاخطاء المميتة،لان ذمتهم الشرعية حينها لن تكون بريئة،وهو المدعى الذي يعتمدون عليه للتصدى لقيادة الحياة،وان سقوط المدعى بعدم براءة الذمة يقود الى الدفع باتجاه الابتعاد عن قيادة الحياة.

المصادر
1/فاروق،الدكتور مجدي،محاضرات عن نظم المعلومات،جامعة دلمون،مملكة البحرين،مارس 2007م.
2/الحميدي،الدكتور نجم عبد الله ـ السامرائي،الدكتورة سلوى امين ـ العبيد،الدكتور عبد الرحمن،نظم المعلومات الادارية مدخل معاصر،جامعة الاسراء الأهلية،الطبعة الأولى،2004م.
3/مرسي،الدكتور نبيل محمد،التقنيات الحديثة للمعلومات،دار الجامعة الجديدة،الاسكندرية،2005م.
4/المدرسي،اية الله السيد محمد تقي،التشريع الاسلامي مناهجه ومقاصده،الجزء الاول،الطبعة الثانية،انتشارات المدرسي،1413ه.
5/الحكيم،العلامة محمد تقي،الاصول العامة للفقه المقارن،دار الاندلس للطباعة والنشر والتوزيع.
6/بونيه،آلان،الذكاء الاصطناعي واقعه ومستقبله،ترجمة د.علي صبري فرغلي،عالم المعرفة،الكويت،ابريل 1993م.
7/عبد الله،الدكتور محمد قاسم،سيكيولوجية الذاكرة،عالم المعرفة،الكويت،فبراير2003م.
8/تمبل،كرستين،المخ البشري،ترجمة عاطف عبد الله،عالم المعرفة،الكويت،نوفمبر2002م.
9/كاربر،جين،المخ المعجزة،اعادة طبع الطبعة الاولى،مكتبة جرير،2005م.
10/مغنية،محمد جواد،فقه الامام الصادق،المجلد السادس،دار الجواد ودار التيار،1992م.بيروت.
11/الصدر،السيد محمد باقر،دروس في علم الاصول،المجلد الاول،دار المنتظر،بيروت،1985م.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *