صابر الآخرين‮.. ‬تنجح


قيل ان شخصين تنافسا، ايهما يصرخ متأوها اولا، ووضع كل واحد منهما اصبعه بين فكي اسنان الاخر، وبدأ كل واحد يضغط، حتى صرخ احدهما، فكان الاخر هو الفائز، لكن الفائز قال للمغلوب: لوانك لم تصرخ قبلي، لصرخت قبلك لشدة الالم، لكني تمالكت نفسي قليلا.
‘,’هكذا النجاح في الحياة يحتاج الى ان تنافس الاخرين في الصبر، وان تكون صاحب النفس الاطول، وكلما كنت مستعدا للصبر لفترة اطول، كلما استسلم لك الاخرون وانقادت لك الامور، واصبحت صاحب الكلمة الاخيرة. على العكس من ذلك اذا كنت من النوع الذي يستسلم بسرعة فان الآخرين لا ينتظرونك ابدا، بل يبادرون لاخراجك من ساحة المنافسة.
ان ميدان المنافسة مع الآخرين يحتاج منك الى مصابرتهم، بمعنى ان تنافسهم في الصبر، فاذا كان صبرهم كمنافسين او اعداء، يصل الى الخمسين، فعليك ان تصبر الى الستين، والا فانك لن تتفوق وتكسب الميدان.
هذا الذي نفهمه من الروايات التي تفسر المصابرة في الآية المباركة: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ« آل عمران/، اذ تقول صابروا عدوكم، اي ليكن صبركم اشد منه، او صابروا الفتنة، اي لا تسمحوا للفتنة ان تزلزلكم عن قناعاتكم، فتستسلمون لقناعات لا تعتقدون بها، بل ممارسات كنتم تعيبونها على الاخرين.
وهي تعني ايضا كما يرى بعض المفسرين، الصبر الجماعي، الذي يعني التحريض على الصبر للمجموع، اذ عادة ما يكون في الناس مستويات متباينة في قدرتها على التحمل، وفي ساعة المواجهة والتحدي، يضغط اصحاب القدرات الضعيفة للتراجع، وهنا تخسر الجماعة كلها، وتبرز حينها الحاجة الى من يحرض باللفظ والفعل على الصبر والتحمل، والتذكير بقيمة واهمية النجاح والتفوق في هذه المنافسة، وتأثيراتها المستقبلية، وهذه هي المصابرة التي تدعو اليها الاية المباركة، وقد وردت الكثير من الآيات التي تحث على الصبر الجماعي، وتبين قيمة ذلك عند الله عز وجل، وهوما يكشف عن تأثيراتها الحياتية الاستراتيجية.
يقول تعالى: »وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ« البقرة/ ويقول ايضا: »وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ« الانفال/
وقوله تعالى: »قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ« الاعراف/
وامثال هذه الايات، وهي تكشف، كما في قصة موسى عليه السلام، ان هناك حاجة للتذكير باهمية الصبر في ظل المنافسة ومواجهة العدو، اضافة الى توضيح نتائجه المستقبلية، وهذا الذي حدث بالفعل، اذا تغلب موسى وقومه على فرعون، ويكفي قيمة للصبر ان الله عز وجل يكون مع الذي يتسلح به، وهو ما يعني ان كل الكون يتجاوب مع الصابرين.
ويذكر لنا التاريخ، ان الروم أسروا عبدالله بن حذافة فذهبوا به إلى ملكهم، فقالوا: إن هذا من أصحاب محمد، فقال: هل لك في أن تتنصَّر وأعطيك نصف ملكي؟ قال: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ملك العرب ما رجعت عن دين محمد طرفة عين، قال: إذًا أقتلك، قال: أنت وذاك ، فأمر به فصُلب، وقال للرماة، ارموه قريبا من بدنه، وهو يعرض عليه ويأبى، فأنزله ودعا بِقِدْر فصُّبَّ فيه ماء حتى احترقت، ودعا بأسيرين من المسلمين، فأمر بأحدهما فأُلقي فيها وهو يعرض عليه النصرانية وهو يأبى، ثم بكى فقيل للملكَ: إنه بكى، فظن أنه قد جزع، فقال: ردُّوه، ما أبكاك؟ قال قلت: هي نفس واحدة تُلقَى الساعة فتذهب ، فكنت اشتهي أن يكون بعدد شعري أنفس تُلقَى في النار في الله، وقيل انهم جعلوا له في بيت معه الخمر ولحم الخنزير ثلاثا لا يأكل، فاطَّلعوا عليه فقالوا للملك: قد انثنى عنقه فإن أخرجته وإلا مات، فأخرجه وقال: ما منعك أن تأكل وتشرب؟ قال: أما إن الضرورة كانت قد أحلتها، ولكن كرهت أن أشمتك بالإسلام. فقال له الطاغية: هل لك أن تقبِّل رأسي وأخلِّي عنك ، فقال له عبدالله: وعن جميع الأسارى؟ قال: نعم، فقبَّل رأسه.
فكانت القبلة التي حررت ث

, ,