اقامة الصلاة صفة مشتركة بين المتقين والناجحين،هكذا يؤكد القرآن الكريم في العديد من آياته، منها قوله تعالى:\” الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ\”البقرة/3
وقوله تعالى:\” الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ\”لقمان/4
‘,’
وقوله تعالى:\” فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ\”الجمعة/10وهناك آيات أخرى تدل على ذلك سواء بشكل مباشر او غير مباشر.
وهذا يعني ان للصلاة دورا كبيرا في نجاح الانسان الشخصي او المجتمعي،وهو ما يحتاج منا الى اعطاء الصلاة اهتماما خاصا في حياتنا لنكون من الناجحين في الدنيا والفائزين في الأخرة،وهي رغبة حقة يتمناها كل انسان ويسعى اليها كل مجتمع.
ترى اين هو موقع الصلاة في النجاح؟وكيف تساهم الصلاة في نجاح الانسان في عمله او في دراسته او في علاقته الاسرية والاجتماعية؟وكيف تساهم في التنمية الشاملة والمستدامة للمجتمع؟
برز توجه علمي في الغرب،من فروع علم النفس،يهتم بتأثير الاذكار الدينية على الحالة النفسية للانسان،وقد قيس هذا التأثير فوجد ان لهذه الاذكار تأثيرا كبيرا على شعور الانسان بالهدوء والاطمئنان وتقبل التحديات،ومن ثم الخروج بنجاح من المواقف الصعبة التي يمر بها.
بل ان الارشاد النفسي ينصح المتعرضين لصدمات نفسية بالتوجه لدور العبادة،للتخفيف من الاثار الضارة للصدمات النفسية،ويسمح للموجهين الدينيين بالجلوس مع المرضى،والمأيوس من حياتهم،لاستخدام المداخل الدينية والاذكار الصلواتية،لجعلهم اكثر تقبلا لأوضاعهم،وقد اصبح بعض الموجهين الدينيين متخصصين في العلاج النفسي من خلال استخدام المداخل الدينية والتي من ابرزها الصلاة.
ان المتأمل في كتاب الله عز وجل يجد التأكيد على دور الصلاة في النجاح والتغلب على التحديات والصعوبات واستمطار الرحمة والبركات،واضحة جدا،لكن المسألة تحتاج الى انفتاح قلبي على هذه الايات المباركات ليكون تأثير الصلاة على النجاح الفردي والتنمية الشاملة والمستدامة،عن معرفة وتعمق في المضامين القرآنية.
وردت لفظة الصلاة في القرآن الكريم قرابة اربعة وستين مرة،واخذ هذه الايات المباركة مع بعض،او متفرقة والتأمل فيها يكشف لنا عن الكثير من الآفاق التي تدفع بالنجاح والتنمية،وتساهم بشكل كبير في تطوير اوضاعنا والانتقال بنا الى مستويات متقدمة من التفوق في مختلف المجالات.
يشير القرآن الكريم قبل علم النفس الحديث، الى ان الصلاة تبني شخصية سوية تواجه الضغوطات الحياتية بتوازن وهدوء تام،وهي التي تعينه على التغلب على طبيعته الأولى،المتمثلة في القلق الفطري الذي جبل عليه.
يقول تعالى:\” إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًاوَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا *إِلاَّ الْمُصَلِّينَ\”المعارج/19 -22.
وفي تفصيل بديع يرسم القرآن الكريم ملامح هؤلاء المصلين في ابعاد متعددة،ما يساعدهم على تحقيق اهداف الصلاة في حياتهم،يقول جل وعلى في صفات وملامح هؤلاء المصلين:
\” الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ *وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ *لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ *وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ *وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ *إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ *وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ *إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ *وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ *أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ\”المعرج/23-35
ومن الطبيعي ان يكون اناس محور حياتهم الصلاة،يحصلون على الكرامة الالهية بعد توديعهم لهذه الحياة الدنيا بالفوز بالجنة في الأخرة.
من هنا فان اقامة الصلاة تصبح مسالة في غاية الأهمية،وقد ورد في القرآن الكريم ما يزيد على ثمانية عشرة مرة،أمر بإقامة الصلاة سواء بصيغة المفرد أو الجمع،ما يعني وجوب إقامة هذه الصلاة،اذ الفقهاء وعلماء الأصول يفيدون أن صيغ الأمر في كلام الله عز وجل تفيد الوجوب،ما لم تصرفه قرينة عن ذلك،كقوله تعالى:
\”وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأركعوا مع الراكعين\” 43/البقرة.
وكقوله تعالى:\”وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون\” 72/الأنعام.
وكقوله تعالى:\”وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل..\” 114/هود.
وكقوله تعالى:\”أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا\” 78/الإسراء.
والحق أننا لو تأملنا الصلاة في أقامتها وألفاظها، وفي المحافظة على حدودها، والمداومة عليها، والالتزام بأوقاتها، وكل جوانبها، لو تأملنا في الصلاة كما فرضها الله سبحانه وتعالى علينا كمسلمين، وأمرنا النبي(ص) أن نصليها كما صلاها هو: \”صلوا كما رأيتموني اصلي\”.
هذه الصلاة لوتأملناها لوجدنا فيها ابعد مما يذكره العلم المعاصر من أجواء وعناصر النجاح والتنمية والبناء السوي للشخصية.