عن التقوى المجني‮ ‬عليها


التقوى جوهر عملية النجاح،‮ ‬وبمقدار ما‮ ‬يتوفر للانسان عوامل التقوى‮ ‬يحقق النجاح في‮ ‬مختلف ابعاد حياته،‮ ‬وكذلك المجتمع انما‮ ‬يرتقي‮ ‬ويسجل الانجازات والتفوق في‮ ‬مختلف الميادين بمقدار ما تسود بيئته من التزام بالتقوى،‮ ‬وعلى العكس من ذلك‮ ‬يتخلف ويتراجع‮.‬
‘,’لعل البعض‮ ‬يعتبر ان هذا الكلام مجرد تقوُّل لا اصل ولا دليل عليه،‮ ‬سيما مع النظر للواقع الفعلي‮ ‬للمسلمين،‮ ‬وواقع‮ ‬غيرهم من المجتمعات،‮ ‬لكننا على الصعيد الفكري‮ ‬مدعوون للرجوع للمصادرالتي‮ ‬تبني‮ ‬واقع المجتمعات،‮ ‬فقد‮ ‬يتطابق الواقع مع المثال الذي‮ ‬يرسمه الفكر وقد‮ ‬يختلف عنه،‮ ‬ومن دون شك فاننا كمسلمين لا‮ ‬يتطابق واقعنا في‮ ‬الكثير من جوانبه مع القيم التي‮ ‬يدعو اليها ديننا الحنيف‮.‬
وجزء من عدم التطابق هذا راجع للفهم القاصر او المشوه للقيم التي‮ ‬يدعو اليها الدين،‮ ‬وجزء منه راجع للخطاب المتزمت الذي‮ ‬يحمل الدين فوق ما‮ ‬يريد،‮ ‬ويتجاوز مقاصده الى مقاصد ضيقة‮.‬
ولعل التقوى من ابرز المفاهيم الدينية التي‮ ‬شوهت في‮ ‬عقليات المسلمين،‮ ‬فقد‮ ‬يعرض الخطاب الديني‮ ‬التقوى كحالة ماضوية لا‮ ‬يمكن للمعاصرين الوصول اليها،‮ ‬وقد انقضى الوقت الذي‮ ‬يمكن للناس التفاضل‮ (‬والتنافس)على اساس التقوى،‮ ‬وربما قدم البعض التقوى كقيمة ترتبط بالاخرة فقط،‮ ‬سيما مع الخطابات الدينية المتزمتة التي‮ ‬تخيف الناس من النار اكثر مما ترغبهم في‮ ‬الجنة،‮ ‬فيشعر المرء حين‮ ‬يصرخ عليه الخطيب في‮ ‬كل خطبة:اتقي‮ ‬الله،‮ ‬ان جهنم ستخرج من حنجرة الخطيب لتلتهمه،‮ ‬وبشكل لا شعوري‮ ‬مع التكرار تتحول التقوى الى اثارة مخيفة ترتبط بالاخرة ولا علاقة لها بمعاش الناس ويومياتهم‮.‬
ومع التأكيد على ان التقوى تقي‮ ‬الانسان الوقوع في‮ ‬نار جهنم في‮ ‬الاخرة الا ان الصحيح انها تمنع عنه نار الدنيا قبل تلك النار،‮ ‬ومن المشكوك فيه ان‮ ‬يعيش انسان النار في‮ ‬الدنيا ان‮ ‬يتخطاها في‮ ‬الاخرة،‮ ‬ونار الدنيا تتمثل في‮ ‬الجهل والعجز والتخلف والفقر والعوزوالامراض الاجتماعية المدمرة‮.‬
ان التقوى المولدة للنجاح،‮ ‬والتي‮ ‬صدع بها القرآن الكريم،‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬عبر عنها الامام علي‮ ‬بن ابي‮ ‬طالب عليه السلام بقوله‮:(‬واعلموا عباد الله أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة فشاركوا أهل الدنيا في‮ ‬دنياهم،‮ ‬ولم‮ ‬يشاركهم أهل الدنيا في‮ ‬آخرتهم،‮ ‬سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت،‮ ‬وأكلوها بأفضل ما أكلت فحظوا من الدنيا بما‮ ‬يحظى به المترفون وأخذوا منها ما أخذه الجبابرة والمتكبرون،‮ ‬ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلّغ‮ ‬والمتجر الرابح‮).‬
والمراجعة المتأملة للآيات التي‮ ‬تتحدث عن التقوى،‮ ‬تكشف عن ربط بين التقوى وكل عوامل التقدم والتحضر في‮ ‬الحياة،‮ ‬فاينما‮ ‬يممت وجهك شطر آية من آيات التقوى وجدت فيها دعوة صريحة لحياة طيبة راقية،‮ ‬وجنة عرضها السماوات والارض في‮ ‬الاخرة،‮ ‬ومن خلال تتبع لهذه الايات المباركات نجد ان التقوى تتخذ عدة ابعاد فتعطينا عدة معان بعدد هذه الابعاد والمعنى الجامع لكلمة التقوى هو ما‮ ‬يجمعها كلها،‮ ‬فقد تعني‮ ‬التقوى:حساسية الخوف من النار والشوق للجنة،‮ ‬والايمان بالله عز وجل وكتبه ورسله وملائكته والحساب والجنة والنار‮. ‬والالتزام باوامر الله سبحانه وتعالى والانتهاء عن نواهيه‮. ‬وطبع شخصية الانسان بالفضيلة التي‮ ‬تجعله متحضرا في‮ ‬سلوكه وعلاقاته‮. ‬وفي‮ ‬المحصلة النهائية تؤدي‮ ‬الى النجاح في‮ ‬الدنيا،‮ ‬وتجعل الحياة سهلة وبعيدة عن التعقيد،‮ ‬كما تقود الى تجاوب كل الكون مع الفرد والمجتمع المتمسك بها،‮ ‬لأن‮ »‬الله مع المتقين‮«‬،‮ ‬وهي‮ ‬تستمطر الرحمة الالهية في‮ ‬الحياة الدنيا،‮ ‬وتوسع رزق الانسان،‮ ‬وتمنحه حياة شخصية طيبة،‮ ‬وتجعله‮ ‬يعيش في‮ ‬كنف السعادة‮.‬
وما عليك الا ان تتأمل في‮ ‬كل آية تدعو للتقوى في‮ ‬هذا الشهر الكريم،‮ ‬لتتأكد بنفسك،‮ ‬ان الفهم السائد للتقوى،‮ ‬مختلف عما‮ ‬يدعو اليه كتاب الله العزيز‮.‬

, , ,