عن العطلة الصيفية


جاءت العطلة في حياة الناس بعد تراكم الخبرات في أهمية التوقف عن العمل في مجال ما، بهدف تجديد النشاط والحيوية، وقد نقل عن الطبقات الراقية في المجتمعات القديمة أنهم كانوا يتوقفون لفترة من الزمن عن أعمالهم ويتوجهون نحو الترويح عن أنفسهم، لتحقيق التجديد والحيوية في النشاط.
ومع مرور الزمن أصبحت العطلة حقا للموظف تلتزمه جهة العمل، وتتوقع من خلال هذه الإجازة أن يقدم الموظف إنتاجية أفضل من حيث الكم والكيف في عمله.
‘,’غير أن البعض من الناس تتخذ عندهم العطلة حالة سلبية تزيدهم إرهاقا وتخلق عندهم عادات سيئة، تعوق نجاحهم في الحياة. وتقلل من إنتاجيتهم، وهذا راجع إلى فهم خاطئ للعطلة، إذ يعتبرها هذا البعض فترة زمنية زائدة في العمر، ومن ثم يبددونها في أعمال اقل ما يمكن القول عنها أنها لقتل وقت الفراغ.

من ذلك مثلا أن يتخذ البعض من الإجازة فرصة للإغراق في النوم لدرجة تسجيل أرقام قياسية في ساعات النوم، وهناك من يبدد وقته خلف شاشات التلفزيون يتنقل من فضائية إلى أخرى أو يتصلب أما شاشة جهاز الكمبيوتر حتى يبتلى بالإدمان، وهنالك من يضيع عطلته في الجلسات الفارغة التي لا تعود عليه بالنفع لدنياه أو أخرته.
بل إن من الناس من تكون الإجازة بالنسبة لهم بداية الانحراف في التورط في الممارسات الضارة للدين والدنيا، وقد أشارت بعض الدراسات عن ظواهر الانحراف أن بداية بعض المنحرفين كان في اجازاتهم السنوية.
من هنا يصبح الاهتمام بالإجازة الصيفية ضرورة مجتمعية، تفرض على المؤسسات الحكومية والأهلية والأسرية أن تفكر بشكل جدي في كيفية تحويلها إلى محطة توقف لزيادة الإنتاجية على كافة الأصعدة.
وفي تقديري أن هذا يتطلب نشر ثقافة التخطيط المسبق لهذه الإجازة، من قبل كافة المعنيين.
ولو حاول كل رب أسرة أن يجلس مع أسرته في جلسة حوار حول كيفية تفكيرهم في قضاء إجازتهم، لوجد أن البعض منهم لا خبرة لهم مطلقا للتخطيط لعطلتهم، وسيجد أن البعض منهم لهم بعض التطلعات يريدون تحقيقها في هذه الإجازة، كما أن بعضهم ربما يريد الترفيه عن نفسه بإعمال غاية في البساطة كزيارة ألأقارب، بعد هذه الجلسة يمكن اتخاذ بعض القرارات التي تتناسب ومستوى الأسرة.ويمكن لأولياء الأمور أن يستفيدوا من هذه الإجازة في التغلب على بعض النواقص عند أبنائهم،بدفعهم للتسجيل في برامج في معاهد أو جمعيات.

وحين يشعر الأبناء أن أولياء أمورهم يشاركونهم التخطيط لكيفية قضاء عطلتهم سيتفاعلون معهم بشكل كبير، بل إن هذه الطريقة ستدرب الأبناء على التخطيط لأوقات فراغهم، وهي المهارة التي إن توفروا عليها في هذه العطلة تعلموا من حياتهم الكثير.
هنالك من الأسر من يرغب في السفر في هذه العطلة، وهذه مسالة أيضا بحاجة إلى تخطيط ومشاركة الأبناء في ذلك، لأن البعض من الطلاب قد يشعرون بالملل حين يسافر معهم آباؤهم إلى مناطق هم قد لا يرغبون فيها فتتحول سفرتهم إلى ملل وضجر، بينما الجلوس معهم والاستماع إلى آرائهم قد يفيد في السفر إلى مناطق أخرى من الممكن أن تكون أقل كلفة، وأكثر ترفيها للأبناء.
وأود أن أشير هنا إلى أن أولياء الأمور لابد أن تكون لهم أجندتهم الخاصة فيما يريدونه من أبنائهم في هذه الإجازة.
مثلا يمكن لهم أن يطلبوا من أبنائهم أن يتدربوا على مهارة معينة، لفترة محدودة في الإجازة، أو أن يطلبوا من ابناهم الذين وصلوا إلى سن التكليف الشرعي أن يطلعوا على الأحكام الدينية الواجب تعلمها في هذه الفترة، أو حتى يطلبوا من أبنائهم أن يحفظوا بعض السور القرآنية، أو أن يطوروا لغة ما، أو يزيدوا معارفهم في موضوع ما.
وبالطبع كل ولي أمر يعرف ما يحتاجه أبناؤه، وما عندهم من نواقص، فإذا ما عمل على رفع هذه النواقص، أو تطوير بعض المهارات ضمن برنامج مخطط له وبرضاهم فإنهم سيتفاعلون بشكل كبير مع هذا البرنامج.
بقي لابد من التحذير أن عدم التفات بعض أولياء الأمور لأبناهم في هذه الإجازة، لا يشكل تضييعا للإجازة على أبنائه فقط بل قد تكون هذه الإجازة الفرصة الأخيرة لاستنقاذ أبنائهم من أيدي العابثين، فالدراسات التي تهتم بموضوع المخدرات تؤكد أن الكثير من الذين تورطوا بها، قادتهم إليها أوقات الفراغ، وهي بالنسبة للطلاب تتركز في الأجازات الصيفية.حيث يجد البعض وقتا طويلا للاستمتاع باكتشاف المواد المخدرة.
وما يقال عن الأسرة يمكن أن يقال عن المؤسسات الأخرى، والمهم في كل الأمر أن تتحول هذه العطلة إلى برامج منشطة للفاعلية والإنتاج على المستوى الوطني،لا وقتا يقتطع من عمرنا الحضاري.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *