ليلة بالعمر كله


العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، فيها ليلة تعدل العمر كله، انها ليلة القدر، التي عدها الله سبحانه وتعالى بخير من الف شهر، اي ما يقرب من اربعة وثمانين عاما، وهي الفترة الزمنية التي يمكن للانسان ان يعيشها بحيويته وفاعليته، لكنه بعد ذلك ينتكس في الخلق، وتضعف قواه عن التفاعل النشط مع متطلبات الحياة،’,’ ورغم المحاولات التي يبذلها العلم ورجال المال لتطويل فترة الحيوية لدى الانسان ليكون شابا في الستين، الا انهم ذكروا ان عشر سنوات يمكن لمن في هذا العمر ان يحتفظ بحيويته كخمسيني، لكنهم بعد لم يصلوا الى تشبيب ابناء السبعين ناهيك عن ابناء الثمانين.
لكن الله عز وجل يمنحنا ليلة في كل عام،لمضاعفة اعمارنا،والفوز لمن يريد ان يجدد حياته سنويا،فلو ان كل واحد منا استثمر كل ليلة قدر مر بها في حياته بأفضل ما يمكن للمسلم ان يستثمرها فان عمره في قياس الله عز وجل يتزايد بعدد سني حياته مكررة اربعة وثمانين مرة لكل عام من حياته،انها فترة عمرية مديدة.
ويكفي ان نعرف عظمة هذه الليلة من خلال القرآن الكريم،حيث اشار الى انها الليلة التي نزل فيها القرآن الكريم،ولاشك ان القرآن الكريم اعظم الكتب السماوية،ونزوله في ليلة معينة يعني ان هذه الليلة لها من الخصوصية ما يميزها عن سائر الازمنة،ولذلك عبر القرآن بعدم قدرة الناس على ادارك عظمة هذه الليلة،\”وما ادراك ما ليلة القدر\”ولا يقال ما ادراك الا لشيئ يعجز العقل عن تصور عظمته وابعاده.
ترى ما الذي يحدث في هذه الليلة؟؟
تغير كوني كبير يحدث،تنزل فيه المخلوقات العظيمة من السماء الى الارض،وتقوم بوظائف متعددة في هذا الكون،اذ ان هذه المخلوقات تدير الكون باذن الله عز وجل،وتحدث تغييرات كبرى في تلك الليلة مما يمكن له ان يحدث خلال عام كامل كما نفهم من لسان الاحاديث والروايات،التي تذكر ان للملائكة وظائف تتصل بالكون والانسان،وهي تقدر ما يمكن ان يحدث للانسان من رزق وعافية ومستقبل وغيره طيلة عام كامل.
والاعظم من نزول الملائكة هو نزول الروح الذي هو اعظم من الملائكة كما في الروايات الواردة عن ائمة اهل البيت عليهم السلام،حيث ان احد اصحاب الامام الصادق عليه السلام سأله عن الروح اهو من الملائكة فقال له:هو اعظم من الملائكة.
ولعلنا نستوحي من تسميته ان وظيفته لها علاقة بوهب الحياة للناس والكائنات،وهي نفخ الروح في الاشياء، والروح هو الذي يعطي الحيوية والفاعلية في كل شيئ.ولولا الروح لما نفع الهيكل الجسدي.لذلك اصبح هذا المخلوق العظيم اعظم من الملائكة،ونزوله في هذه الليلة يزود الناس والكائنات والكون بالحيوية المتجددة التي تدفع الحياة الى الامام.
بالطبع كل ذلك باذن الله عز وجل\”باذن ربهم من كل امر\”ولان هذه الليلة ليلة تغيير كوني وانساني كبير،فلابد ان يحدث هذا في جو من السلام،فالتغيير اذا لم يحدث في حالة سكينة وسلام،تكون نتائجه مضطربة،والبناء في حالات التوتر،يجعل الامور في حالة من الاعوجاج.
\”سلام هي حتى مطلع الفجر\”لابد من وجود السلام لان تأثيرات هذه الليلة تستمر الى عمر مديد للانسان،وهذا السلام هو ما يحتاجه الانسان طيلة حياته،ان اراد ان يستثمر هذه الحياة لنجاح في الدنيا وفوز في الاخرة،لذلك عليه ان يبحث عن عناصر السلام في علاقته مع نفسه وعلاقته مع الناس وعلاقته مع الكون حوله.
ونحن معاشر المسلمين نكرر في كل يوم الفاظ السلام على انفسنا،وعلى الأخرين الصالحين في هذه الحياة،نكررها في الصلاة\”السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين\”نكررها في علاقاتنا الاجتماعية بان نستقبل بعضنا البعض بالسلام،وما ذلك الا لقيمة السلام الاستراتيجية في حياتنا وحياة الناس،بل ان ديننا الحنيف سمي بالاسلام،وهي لفظة مشتقة من السلم،والسلم والسلام بمعنى واحد،وكأن الله عز وجل اراد لنا بصورة دائمة ان نكون في اجواء مفعمة بالسلام المستمر.
اذن في هذه الليلة التي ينبغي لنا استثمارها على احسن وجه،علينا ان نسحب السلام النازل علينا من السماء،الى طيلة ايام حياتنا،وان نحوله الى استراتيجية حياتية،في علاقتنا مع الجميع،لان السلام هو القاعدة التي تستوي عليها الحضارات،وتنهض فيها الامم،وتعمر فيها البلدان،اما الحروب فلا تأتي الا بمزيد من الدمار،والفقر والتخلف والجهل والامراض.
ان استثمارا افضل لهذه الليلة المباركة بالتركيز في التوجه الى الله عز وجل والطلب منه بقضاء كافة ما يهم الانسان في هذه الحياة،واتخاذ قرار ان يكون هذا العام خاصا للتركيز بتعميق العلاقة معه جل وعلى عبر تجذير التقوى بالنفس،والتغلب على كافة الشهوات والرغبات والضغوطات التي تخرج الانسان عن حدود الالتزام باوامره جل وعلى والانتهاء عن نواهيه.
ليلة القدر فرصة متجددة كل عام،اشاد القرآن بعظمتها،واضح ان فيها يحدث نزول الملائكة باوامر من الله عزوجل،وينزل ما هو اعظم من الملائكة وهوالروح،وهناك من الناس من يصدق الباري عزوجل ويتفاعل مع ما يخبر به،وهناك من يغفل عن ذلك،فيربح القسم الاول ويخسر القسم الأخر،فتعالوا نكون من الرابحين.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *