ولاء الشيعة العرب


هل صحيح أن ولاء الشيعة العرب لإيران، كما ذهب إلى ذلك الرئيس المصري محمد حسني مبارك، والذي ذكر أيضا أن الشيعة متواجدون في كل البلدان؟!
أجزم كعربي شيعي أن تعميم سيادة الرئيس لم يكن دقيقا، فالشيعة في كل البلدان ولاؤهم أولا وأخيرا للبلدان التي ولدوا فيها، وسيموتون فيها، وسيبذلون إلى آخر نقطة دم فيهم دفاعا عنها، ولا أدل على ذلك، من دفاع الشيعة في لبنان عن بلادهم في قبال أعتى قوة متجبرة في وقتنا المعاصر، وكذلك بسالة الشيعة في الكويت مع بقية إخوانهم دفاعا عن الكويت إبان الاحتلال من قبل جيش صدام حسين، وكذلك صمود الشيعة في أفغانستان، أبان الاحتلال الشيوعي، إضافة إلى مواقف الشيعة العامة بالنسبة لقضايا بلدانهم هنا وهناك.

‘,’
والظاهر أن الأجهزة الرسمية في بلداننا مقصرة في إيصال المعلومة الصحيحة للزعماء، مما يجعلهم يرددون كلمات وعبارات ومواقف غير صحيحة وغير دقيقة وقد يفاجؤن، بواقع مغاير، كما تفاجأ المصريون بتدمير آلياتهم العسكرية على يد الإسرائيليين في حرب 67م. في الوقت الذي كانت فيه معلوماتهم تشير إلى شيء آخر.
لقد ذكرني سيادة الرئيس بكلام سمعته من سابقه الرئيس السادات حين كنت أعيس وقتها في القاهرة،كطالب جامعي،لقد كان السادات يكرر،أن الإمام الخميني فرض نفسه إله في إيران،وهو يدعو الناس أن يصعدوا في كل ليلة إلى أسطح الدور وتكرار عبارات:الله أكبر،خميني أكبر..في الوقت الذي كنا وكان كل العالم يسمع الهتاف الذي كان يردده الإيرانيون آنذاك،في قبال التهديدات الأميركية بغزو إيران:الله أكبر،خميني رهبر،أي الخميني قائدنا.ولا أدري هل كان يوجد لدى الرئاسة المصرية آنذاك مترجم للغة الفارسية أم لا؟!
لا ينبغي أن نشكك في الدور الريادي لمصر والمصريين بالنسبة للامة العربية والإسلامية،ومن عدم الإنصاف نكران التأثير الكبير الذي صنعه سيادة الرئيس مبارك،في استعادة مصر لدورها الذي غيب في فترات سابقة،غير أن من المهم الآن بالنسبة لمصر والدول العربية والإسلامية أن تحدث معلوماتها عن الشيعة،لا لأن الشيعة اصبحوا اليوم حكاما في بلدان مهمة في العالم العربي والإسلامي فحسب،بل لأن الشيعة يشكلون مكونا أساسيا في هذه المجتمعات،ولأنهم ينطلقون في مشاريعهم الإصلاحية من خلفية دينية،تشكل الأصالة التي تبحث عنها الأمة المضيعة بين مشاريع التغيير والتحديث،ولقد ساهمت المرجعيات الدينية عند الشيعة بأدوار حضارية حقنت فيها الكثير من الدماء في لحظات حالكة من تاريخنا المعاصر.
أجزم أن الولاء عند العرب الشيعة لبلدانهم بالدرجة الأولى،والذي نحسبه ولاء لإيران إنما هو تمثل لانموذج سياسي ديني حضاري،نجحت إيران في تطبيقه على الأرض رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها،بينما لم تستطع البلدان العربية والإسلامية أن تقنع جماهيرها ناهيك عن الآخرين،بمشاريعهم التغييرية.
ولعل هذا ما يجعل ليس الشيعة فحسب يرون في إيران مثالا وقف أمام الصلف الحضاري من الغرب،والسحق اليومي لكرامة العربي والمسلم،من قبل الكيان المدلل للغرب في المنطقة،بل حتى غير الشيعة،من العرب وغير العرب.
إن الفلسطينيين الذين يعاقبون اليوم من قبل الحكومات العريقة في الديمقراطية في العالم الغربي المتحضر،لأنهم اختاروا حكومتهم بإرادتهم وحسب التقاليد الديمقراطية،لن يروا في إيران إلا مثالا راقيا،لأنها تقف مع الحق الفلسطيني،وان كلفها ذلك التهديد بالتهميش والتلويح بالغزو العسكري،دفاعا عن إسرائيل،تحت مزاعم المفاعل النووي أو غيره،كما حدث للعراق،ولا احسب أن إيران سيعاتبها أحد لو أنها أقامت علاقات ودية مع الغرب بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل،كما تفعل الكثير من البلدان العربية والإسلامية،لكنها حينها لن تكون محل تطلع وانموذج لا من الشيعة ولا غيرهم.
لقد كانت مصر في يوم،محل اتهام بان ولاء المتطلعين للتغيير في العالم العربي إليها،ذلك لأنها حملت رسالة بمستوى الأمة العربية،ورأى الطامحون أن المثال المصري يمكن أن يساهم في تغيير الأوضاع عندهم،وليس أن تستحوذ مصر على ولائهم،لكن مصر حين قررت أن تغير مسار رسالتها من القومي إلى المحلي،تبع ذلك تحول تطلع الطامحين إلى مثال آخر.
التطلع نحو المثال وليس الولاء،سيكون من نصيب أي بلد يقنع جماهير الأمة العربيةوالاسلامية،بأن مشروعه الإصلاحي والتغييري يلبي طموحاتها،وان كان هذا البلد صغيرا في رقعته الجغرافية،كمملكة البحرين.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *