خطبة الجمعة ليوم 02/08/2002


الخطبة الأولى:التقوى في العلاقات الأسرية

الحمد لله كما يحب ان يحمد، وكما هو أهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، ولا اله إلا الله كلما هلل الله شيء، وكما يحب ان يهلل وكما هو أهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله.
اللهم صل وسلم وزد وبارك وتحنن وترحم على حبيبك ونجيبك وخيرتك من خلقك محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين صلاة تامة زاكية كلما حمدك حامد، وذكرك ذاكر، وهللك مهلل.في أراضيك وسماواتك يارب العالمين.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، والمبادرة لانزال التقوى من النفس الى الأسرة،ففي الاسلام لا يكفي ان يكون الرجل متقيا، بل يتوجب عليه ان يجعل أسرته متلبسة بالتقوى وبذلك يبرئ المرء ذمته أمام الله سبحانه وتعالى، في وقاية نفسه و أهله من النار.
وغير ذلك فان اكتفاء المؤمن بكونه مؤمنا دون بذل جهد لتغذية أسرته بالتقوى،لا يخلي ساحته من المسؤولية،ولا يعفيه من المحاسبة.
يقول تعالى في محكم كتابه العزيز:
\”يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و اهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون\” التحريم/6.
المسؤول الأول عن الأسرة
يؤكد المفسرون ان الآية المباركة، بجوها الأخروي المحرك لخوف الأباء وشفقتهم على أسرهم، صريحة في بيان مسؤولية الرجال عن أسرهم، وأنهم يتحملون مسؤولية تعليمهم وتربيتهم وتهذيبهم. ولا يمكن للأباء ان يقوا أهليهم النار إلا بتقوى الله سبحانه وتعالى، ولا تتم التقوى إلا بطاعة الله سبحانه وتعالى واجتناب معاصيه.
لقد أثار جو الآية المباركة الخوف الشديد عند المسلمين الأوائل على مصير أسرهم. فقد ورد في الكافي بإسناده عن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبى عبد الله عليه السلام،قال:لما نزلت الآية\”يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و اهليكم نارا ..\” جلس رجل من المؤمنين يبكي وقال:أنا عجزت عن نفسي وكلفت أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:\”حسبك أن تأمرهم بما تأمر نفسك، وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك\”.
وتدعم الكثير من الأحاديث والروايات الشريفة، أقوال المفسرين في فهمهم لهذه الآية المباركة،وكونها موجبة على الرجل أمر أهله،وهم الزوجات والولد،وإلزامهم تقوى الله سبحانه وتعالى، وانه مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى عن ذلك.
ففي الحديث الشريف:
\”رحم الله رجلا قال يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم ويتيمكم جيرانكم،لعل الله يجمعهم معه في الجنة\”
وكما نقل صاحب الميزان عن الدر المنثور عن الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام،في قوله تعالى:\”قوا أنفسكم وأهاليكم نارا…\”قال:علموا أنفسكم واهليكم الخير وأدبوهم\”.
وفيه عن زيد بن أسلم قال:تلا رسول الله(ص) هذه الآية\”قوا أنفسكم واهليكم نارا..\”فقالوا يا رسول الله كيف نقي أهلنا نارا؟\”
قال:تأمرونهم بما يحبه الله وتنهونهم عما يكره الله\”.
وجاء في الحديث ان أحد الصحابة سأل النبي\”ص\” بعد نزول هذه الآية،كيف أقي نفسي و أهلي نار جهنم؟فأجابه صلى الله عليه وآله وسلم:\”تأمرهم بما أمرهم الله وتنهاهم عما نهاهم الله،ان أطاعوك كنت قد وقيتهم،وان عصوك كنت قد قضيت ما عليك.\”
وهناك حديث جامع يؤكد مسؤولية الأب عن الأسرة وضرورة دعم زوجته له في هذه المسؤولية الكبرى،يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
\”ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته،فالأمير على الناس راع وهو مسئول عن رعيته،والرجل راع عن أهل بيته وهو مسئول عنهم،والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم،ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته\”.

أباء مستقيلون
رغم هذه الجمهرة من الأحاديث التي لا تدع مجالا للشك والجدية في مسئولية الرجل عن أسرته وعياله، ورغم جو الآية المباركة الذي يثير الخوف والشفقة من الإنسان على نفسه ومتعلقيه،إلا أننا نجد البعض من الآباء لا يكترثون بتربية أسرهم، ويتركون للشارع و الآخرين رسم نمط حياتهم كيف ما أرادوا وكأن القرآن الكريم لم ينزل فيهم وان النبي(ص) قال أحاديثه لمخلوقات تعيش في كوكب غير الأرض التي يعيشون عليها.
لقد برز في الآونة الأخيرة مصطلح الأباء المستقيلون في الدراسات الاجتماعية، نظرا لتفشي ظاهرة الأباء الذين يتخلون عن التزاماتهم الأسرية،ويصبح كل همهم توفير الاحتياجات المادية لأسرهم، منشغلين عنها إما بالاستغراق في العمل لكسب مزيد من المال وتكديس الثروة، أو قضاء الوقت في اللعب واللهو مع رفقاء السوء،أو حتى غفلة عن أهمية إعطاء الرجل من جهده ووقته وماله لأسرته.
البعض من الناس يعتقد ان قضاء وقت مع الأسرة مضيعة للوقت،وهو ما لا ينبغي للمرء عمله. لكن ذلك خطأ كبير إذ ان قضاء الوقت مع الأسرة، الزوجة و الأطفال، ناهيك عن الثواب الأخروي الكبير الذي أعده الله سبحانه وتعالى،للمؤمنين الذين يقومون به،له متعة خاصة،للأب من ناحية و للأسرة من ناحية أخرى.ولو حاول أي واحد منا ان يتذكر اللحظات التي قضاها مع والده في فترات حياته المختلفة، لشعر ان تلك اللحظات غرست بداخله شعورا عاطفيا جميلا. إضافة الى ان الزوجة تكون بأشد لحظات سعادتها حين ترى زوجها بصفها، وقد ورد في الأحاديث كراهية السهر إلا بذكر الله سبحانه وتعالى أو تحصيل العلم، أو السهر مع الزوجة.

المسئولية المعاصرة
تزداد أهمية العناية من قبل الأب بالأسرة في الوقت الراهن، نظرا للتطور التكنولوجي الذي حدث في وسائط الإعلام والاتصال، فقد كان الإنسان فيما مضى من الزمن قادرا على صناعة الجو الثقافي والتوجيهي الخاصة بأسرته في داخل بيته، و لا يمكن لأية ثقافة أو توجيه آخر ان يقتحم عليه داره،أما في الوقت الراهن فان التطور أدى الى اقتحامات كثيرة للحرم الأسري، من هنا يتوجب على الأباء ملاحقة هذه الاقتحامات وعدم السماح لها بإدخال أهلهم النار.وهذا يتطلب منهم معرفة الفضائيات التي تشاهدها أسرهم، وصفحات الإنترنت التي يدخلون عليها، وان من الغفلة بمكان التساهل مع الثقافة التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة، أو النظر إليها باعتبارها وسائل ترفيه، تتسلى بها أسرهم في فترات غيابهم عنها. ان كل وسيلة إعلام وضعت نصب عينيها هدفا تروم الوصول إليه، والكثير من هذه الوسائل، لا ترى اكثر من الغايات الدنيوية هدفا لها بما في ذلك الكثير من الوسائط الإعلامية الرسمية في الدول الإسلامية.و اذا كانت بعض الدول لا تحمي أجواءها من التضليل الإعلامي المغذي لخطط الشيطان فان الآباء و الأمهات مسئولون عن مستقبل أبنائهم، و لا يمكن لأب أو أم ان ينظران الى أولادهما يحترقون بنار جهنم.
بل ينبغي المبادرة لصناعة الأجواء الإعلامية التي تقي أولادنا من النار كاختيار المحطات التي تنشط الدافع الديني بداخل أبنائنا،وصفحات الإنترنت التي تعمق من التزامهم الديني.وان من الأعمال الجدية اليوم التي تحمي أسرنا من الوقوع في نار جهنم،فتح القنوات الفضائية التي تنشر فكر أهل البيت عليهم السلام،والصفحات التي تروج لرواياتهم وسيرهم مع جدهم المصطفى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وبصف ذلك ينبغي للآباء الانفتاح على الأساليب الحديثة في التربية التي تيسر تفاعل الأسرة مع القيم الدينية،عبر الوسائل المختلفة.لقد فرض علينا التطور العلمي في حياة البشرية اليوم،ان نحيط علما بكثير من الأمور التي لم تكن في الماضي من الضرورات التربوية.وهذا يتطلب وعيا تربويا من قبل كل رب أسرة،وكل أم تريد تنشأة ولدها على الإيمان و حمايتهم من نار جهنم.

التزمت في التربية
بينما نجد بعض الأباء الذين يهربون من مسئولياتهم في التصدي لشؤون أسرهم التربوية والتهذيبية،نجد آخرين متزمتين في تربية أسرهم،ولشدة فرطهم في خوفهم عليها نراهم يتوسلون بأساليب غالية في التنفير منهم ومن التقوى.فتراهم بدل ان يجذبوا أبناءهم الى الدين يكونون سببا في التمرد والعصيان،وبذلك يقعون ويوقعون أبناءهم فيما كانوا منه يحذرون.
من ذلك اتخاذ أسلوب الرفض الكامل لأي مطلب للأسرة،ورفض الانفتاح على الوسائل الجديدة التي أصبحت في تناول كل بيت،والتوسل بالعقاب بصورة دائمة لتصحيح المسار الخاطئ لأي واحد من أفراد الأسرة.و الأكثر من ذلك اعتماد الضرب بصورة دائمة لمعالجة المشاكل الأسرية،بل بسبب وبغير سبب،ولا اكشف سرا اذا ما ذكرت لكم ان هنالك كثيرا من النساء والأولاد والبنات يشكون من آبائهم الذين يعتمدون الضرب كأسلوب تربوي وحيد.
ان التوسل بالضرب لحل المشاكل مع الزوجة يذهب قاعدة الاحترام لزوجها ومن ثم لا تنطلق في مساعدته في الشؤون التربوية لأسرته.
يقول النبي(ص):\”أيضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها\”
ان لنا التأسي بأمير المؤمنين عليه السلام في منع رجل عن ضرب زوجته،فقد ذكر الكوفيون ان سعيد بن قيس الهمداني رأى أمير عليا عليه السلام يوما في شدة الحر في فناء حائط فقال:يا أمير المؤمنين بهذه الساعة؟.
فقال عليه السلام:ما خرجت إلا لأعين مظلوما أو أغيث ملهوفا،فبينما هو كذلك إذ أتته امرأة قد خلع قلبها لا تدري أين تأخذ من الدنيا حتى وقفت عليه فقالت:يا أمير المؤمنين ظلمني زوجي وتعدى علي وحلف ليضربني،فاذهب معي إليه.
فطأطأ رأسه ثم رفعه وهو يقول:لا والله حتى يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع.ثم التفت إليها قائلا:و أين منزلك؟
فقالت في موضع كذا وكذا،فانطلق معها حتى انتهت الى منزلها فقالت:هذا منزلي.
فسلم أمير المؤمنين،فخرج شاب عليه أزار ملون.
فقال له أمير المؤمنين:اتق الله فقد اخفت زوجتك.
فقال الشاب:وما أنت وذاك،والله لأحرقنها بالنار لكلامك.
فلم يعلم الشاب إلا وقد أصلت أمير المؤمنين السيف على رأسه قائلا له:
آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر وترد المعروف؟تب و إلا قتلتك.
واقبل الناس من السكك يسألون عن أمير المؤمنين عليه السلام حتى وقفوا عليه.فعرف الشاب انه يواجه أمير المؤمنين،فأسقط في يده فقال معتذرا:
يا أمير المؤمنين أعف عني عفا الله عنك،والله لأكو نن أرضا تطأني بالدخول الى منزلها.
فانكفاء علي عليه السلام وهو يقول:\”لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس\”الحمد لله الذي اصلح بين امرأة وزوجها.
إننا مأمورون أيها المؤمنون بالتعامل باللطف واللين مع أسرنا،وتجنب أساليب الشدة والقسوة،فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
\”خير الرجال من أمتي الذين لا يتطاولون على أهلهم ويجنون عليهم ولا يظلمونهم ثم قرأ(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض)
ويقول تعالى في كتابه العزيز:
\”الاقربون أولى بالمعروف\”
ولا شك ان أهم معروف مع الأسرة هو التعامل معهم بلطف.
ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
\”خيركم خيركم لاهله و أنا خيركم لأهلي\”
على العكس من ذلك نجد الأحاديث والروايات تمقت الذين يتعاملون بعنف وشدة مع أسرهم.
يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
\”لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما\”
وقال(ص):\”ان من شر رجالكم البهات البخيل الآكل وحده،المانع رفده،الضارب أهله وعبده،الملجئ عياله غيره،العاق والديه\”.
ان من الضروري للآباء سيما في الغرب ان يتعاملوا مع أسرهم وفق الرؤية القرآنية و الهدي النبوي الشريف،وتعاليم أهل البيت،وان التوسل بالأساليب المنفرة لأفراد الأسرة،ستكون سببا في نفور الجيل الناشئ ليس من الأسرة فقط بل من الدين،والانتماء الحضاري.
في بلداننا هنالك نقص في وجود المؤسسات التي تستوعب النساء والأطفال الذين يتعسف معهم آباؤهم و أمهاتهم في التعامل التربوي،ويؤذونهم بالضرب والحرمان.ثم اذا ما تمكن هؤلاء في المستقبل يخرجون ناقمين على المجتمع بأكمله،لذلك هنالك حاجة للتفكير في هذه المؤسسات القائمة على أهداف بناء التقوى عند الأسر، من آباء و أبناء.
هذه المؤسسات موجودة في الغرب،لكن مشكلتنا مع هذه المؤسسات أنها تنطلق من أهداف،وتعتمد أساليب تربوية، لا تلتقي مع ديننا الحنيف،وهي بذلك لن تحل مشكلة التعسف التربوي.
من هنا أيها الأحبة: من الضروري ان نسعى الى اعتماد التقوى في علاقتنا بأسرنا،وان نسعى لبناء المؤسسات التي تستوعب النساء و الأطفال الذين يتعسف معهم أولياء أمورهم.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا لبناء علاقة التقوى مع أسرنا،وان يجعلنا من الناجحين في تجنيب أنفسهم وأهليهم نار جهنم،بجاه الحبيب المصطفى محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
بسم الله الرحمن الرحيم:\”والعصر ان الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر\”.
والحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.

الخطبة الثانية:الشيعة ومستقبل العراق

الحمد لله الذي يؤمن الخائفين وينجي الصادقين ويرفع المستضعفين ويضع المستكبرين ويهلك ملوكا ويستخلف آخرين،والحمد لله قاصم الجبارين مبير الظالمين مدرك الهاربين نكال الظالمين،صريخ المستصرخين موضع حاجات الطالبين،معتمد المؤمنين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك ونجيبك وخيرتك من خلقك محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين،وصل يا ربنا على علي أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين،وصل على الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وصل على سبطي الرحمة وإمامي الهدى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة،وصل على أئمة المسلمين وهداة المؤمنين علي ابن الحسين زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي ابن موسى الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والخلف الحجة القائم المهدي،حججك على عبادك و أمنائك في بلادك صلاة كثيرة تامة زاكية.
عباد الله…ننظر نحن الموالون لأهل البيت عليهم السلام نظرة خاصة للعراق،ونعتقد ان مستقبل هذا البلد يهم الشيعة كافة في شتى أرجاء العالم،ونرى ان المرجعية الشيعية مسئولة بصفة خاصة عن هذا البلد،نظرا لكونه بلدا ذا أغلبية شيعية،وانه يتضمن الكثير من تراث وآثار أهل البيت عليهم السلام،من هنا فان موقف الشيعة في العراق في الأحداث المتوقع ان تحدق بهذا البلد،سيكون له التأثير الكبير على الشيعة في كافة أرجاء العالم.

تطورات الأحداث
اصبح في حكم الأكيد ان الولايات المتحدة الأميركية جادة في القيام بعمل عسكري ضد العراق،وقد حددت إسقاط الحكومة الحالية برآسة صدام حسين،وهي تروج ان ذلك سيكون في مصلحة الشعب العراقي ودول المنطقة.
فقد خرج الحديث من الإعلام والصحافة الى أروقة المؤسسات الرسمية الأميركية الكبرى،فقد عقدت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي جلسة استماع الأربعاء الماضي لبحث قضية العراق واحتمالات تنفيذ عملية عسكرية ضده،لرفضه تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي الخاص بضرورة استقباله فرق تفتيش دولية على أسلحته،وقد أعلن المتحدثون من أعضاء اللجنة تأييدهم لأي قرار يتخذه الرئيس جورج بوش بشأن ضرب العراق.وجاءت الجلسة بعد يوم واحد من إعلان وزير الدفاع الأمريكي دونا لد رامسفيلد ان الكونغرس والرئيس و إدارته متفقون على ضرورة تغيير النظام الحاكم في العراق.
من جانب آخر قال رئيس وزراء تركيا أجاويد ان بلاده تحاول إقناع الولايات المتحدة بالعدول عن توجيه ضربة عسكرية للعراق،وقال ان حكومته بدأت استعدادات عسكرية وسياسية تحسبا لتوجيه هذه الضربة.
في حين أنهت طواقم هندسية أميركية تجهيز ثلاث قواعد عراقية مهجورة في شمال العراق تشمل مطارات لاستقبال طائرات الهيروكلير ووضعت فيها المعدات اللازمة لاستقبال القوات التي من المنتظر ان تشارك في الهجوم على العراق.صرحت بذلك مصادر كردية في شمال العراق وقالت ان هذه الطواقم توشك على إنهاء بناء تجهيزات تستخدم في عمليات القيادة والتحكم الجوي.
ومن جانبه أكد وزير الدفاع الأمريكي رامستفيلد في تلميح لتجاوز أي معارضة دولية للقيام بالعملية العسكرية،ان هنالك صلة أكيدة بين العراق وشبكة القاعدة التي يتزعمها بن لادن كما شكك في قدرة طاقم تفتيش دولي جديد على كشف النقاب عن أسلحة الدمار الشامل بحوزة العراق.
كما وجهت السلطات الأميركية دعوات رسمية لجهات عراقية معارضة،لزيارة الولايات المتحدة الأميركية،لتدارس مستقبل العراق ما بعد صدام حسين.

الشيعة في العراق
مع ان الشيعة يشكلون أغلبية في العراق، وأن أماكن تركزهم السكاني تشكل مناطق اقتصاديات استراتيجية بالنسبة للعراق،ومراكز دينية سيما بالنسبة للشيعة في العالم،تستقطب ملايين الزوار،إلا انهم وحسب ما يقوله أكاديميون وعلماء عراقيون وغيرهم،لم ينالوا النصف في التوزيع العادل لدورهم الاقتصادي والسياسي في البلاد بما يتوافق مع حجمهم.وكل ذلك راجع للتحيز ضدهم لدى الحكومات المتعاقبة،باعتبارهم شيعة ليس إلا.ويرغب شيعة العراق اليوم ان يكون لهم دور يتناسب مع حجمهم في لعب دور بالنسبة لمستقبل العراق.
ومن الواضح بالنسبة للموقف الحالي، ان هنالك ثلاثة مواقف عريضة لشيعة العراق حسب ما ترشح من مواقف لبعض الفصائل في الحركة الإسلامية، والشخصيات الدينية:

1/اجتناب المشاركة في أي دور لتوجيه ضربة عسكرية للعراق تقوم به الولايات المتحدة الأميركية.وكذلك عدم الوقوف مع النظام الحاكم في بغداد إذ هو حسب وجهة النظر هذه لا يقل خطورة على العراق عن الأمريكان.

2/إبداء الاستعداد للتعاون في دور عسكري لإسقاط النظام الحاكم،على ان يقوم به العراقيون أنفسهم،أما أية قوة أجنبية فيقتصر دورها على مساعدة العراقيين للتخلص من النظام القائم.

3/دعوات لاستثمار الوضع الراهن من اجل رفع الظلم والاضطهاد عن الشيعة في العراق.

ولا يبدو حتى اللحظة ان هنالك موقفا موحدا لكافة فصائل الحركة الإسلامية في العراق،وانه من الحاجة بمكان ان تبلور الحركة الإسلامية وبشكل سريع هذا الموقف.و أي كان هذا الموقف فينبغي ان تأخذ مجموعة نقاط بعين الاعتبار:

أولا:التحرك على المرجعية الدينية الشيعية،لبلورة الموقف الشرعي حيال الوضع الراهن،وان من الأهمية بمكان ان تصدر المرجعية الشيعية،كل مرجع مرجع،ان تصدر تصورها عن الوضع في العراق،وتكرس كبير جهدها وطاقتها في المرحلة الحالية لتدارك تداعيات الوضع هناك.

ثانيا:ان تنشط الحركة الإسلامية،مدعومة من المرجعية الدينية،في توضيح موقف الشيعة للعالم أجمع وللمسلمين بشكل خاص،ذلك ان أي موقف اتخذه شيعة العراق من الأحداث،قد يفسر بشكل سلبي،وقد يوصم شيعة العراق بخيانة الأمة والتحالف مع الاستكبار العالمي،بينما نجد وضع الشيعة اليوم يعد من افضل المواقف مع قضايا الأمة.سيما بعد الانتصار في جنوب لبنان،ويجب هنا ان لا ننسى ان هنالك حوادث في التاريخ سجلت ضد الشيعة بسبب الفهم الخاطئ وعدم وجود العمل الإعلامي بجلاء الصورة عن خلفية مواقف الشيعة.

ثالثا:ينبغي قراءة الوضع الأميركي بشكل أدق،بعيدا عن الانفعال مع قضية العراق.ومن خلال المنظور الحضاري للحراك الداخلي في الولايات المتحدة الأميركية، فمن ناحية،ليس من المرجح ان يكون العراق هدفا نهائيا للتحرك الأميركي صوب مناطق العالم الإسلامي،فهناك تلميحات ان إيران قد تكون الهدف الجديد الذي يجهز بعد العراق، فقد كتبت صحيفة واشنطن بوست يوم الاثنين الماضي ان مفاعل بوشهر الإيراني اصبح موضوع نقاش بين الولايات المتحدة وإسرائيل وما اذا كان يجب ان يترك ليبدأ العمل خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة،وذكرت ايضا:اصبح الأمر بمثابة اختبار للمبدأ الجديد الذي تتبعه إدارة بوش بشأن القضاء على أي تهديد للأمن الأميركي.وقد ذكر فيليب ريكر المتحدث باسم الخارجية الأميركية،ان الولايات المتحدة تركز الآن على المناقشات الدبلوماسية مع روسيا \”بشأن القوة النووية الإيرانية\”.

ومن ناحية أخرى فان الولايات المتحدة مرشحة للانهيار كما حدث للاتحاد السوفييتي.ذلك أنها والحضارة الغربية بشكل عام قامت على المادة وستنهار حينما تنهار هذه المادة،وهذا ما تكشف عنه التقارير الاقتصادية يوما بعد يوم.
\”فلم يكد الاقتصاد الأميركي يتعافى من أزمة الركود التي أصابته منذ مارس 2001م وزادت بعد أحداث 11سبتمبر،حتى عصفت به سلسلة متلاحقة من فضائح الفساد والاحتيال والتلاعب بالحسابات المالية تورط فيها عدد من كبريات الشركات الأمريكية ذات النفوذ العالمي،وفي مقدمتها شركة وورلد كوم.وزير وكس،وانرون وغيرها،الأمر الذي أثار مجموعة من المخاوف والتهديدات حول حقيقة الاقتصاد الأميركي، وتداعياته على اقتصاد العالم.وأدت هذه الفضائح المالية الى هبوط أسعار الأسهم الأميركية الى أدنى معدلاتها منذ العام 1997م،ولاشك حسب التقارير ان المزيد من التدهور في الأسهم إنما يعني تزايدا في ركود الاقتصاد الأمريكي.
ومن المتوقع ان يشهد عجز الموازنة الأمريكية ارتفاعا كبيرا الى 165مليار دولار في العام المالي الحالي2002 م،حسب التقرير الصادر عن البيت الأبيض في 13/7/2002م.

وخلاصة القول عباد الله :ان الشيعة في العراق اليوم، بحاجة الى مساندة كبيرة للخروج من المحنة التي يمرون بها ليساهموا مع كافة العراقيين في بناء عراق المستقبل بعيدا عن التحيز ضدهم.وان الشيعة في كافة أرجاء العالم مدعوون اليوم للتضامن معهم،و مساندتهم بكافة الوسائل الممكنة.
نسأل الله سبحانه وتعالى،ان يجنب المؤمنين شرور الكوارث والحروب،ويرفع عن الشعب العراقي كل حيف واضطهاد،بحق الحبيب المصطفى محمد وآله الأطهار.
بسم الله الرحمن الرحيم
\”اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا\”
صدق الله العلي العظيم،وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *