خطبة الجمعة ليوم 09/08/2002


الخطبة الأولى:التقوى في العلاقة بالأبوين

الحمد لله الذي لم يشهد أحدا حين فطر السماوات والأرض،ولا اتخذ معينا حين برأ النسمات، لم يشارك في الإلهية ولم يظاهر في الوحدانية،كلت الألسن عن غاية صفته،والعقول عن كنه معرفته،وتواضعت الجبابرة لهيبته وعنت الوجوه لخشيته،وانقاد كل عظيم لعظمته.
واشهد ان لا اله إلا الله وحده وحده لا شريك له،إلها واحدا أحدا فردا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا.
اللهم صل وسلم وبارك على حبيبك ونجيبك وخيرتك من خلقك محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه وتعالى،و أتحدث في هذا اليوم المبارك إلحاقا بالخطب الماضية حول التقوى في العلاقات الأسرية،حتى تكتمل صورة علاقات التقوى داخل الأسرة،ونستوعب من ذلك نظرات الاسلام البعيدة حين يوجب علينا التقوى في علاقاتنا مع بعضنا البعض.
فكما فرض الاسلام واجبات وحقوقا على الرجل اتجاه زوجته وولده،وفرض على المرأة حقوقا وواجبات اتجاه زوجها وولدها،كذلك فرض على الولد حقوقا وواجبات اتجاه أبويهم،وهي اعظم واشد من واجبات الوالدين اتجاههم.ولا أدل على ذلك من ان هذه الواجبات لا تزول حتى لو أخل الأبوان بالتزاماتهما اتجاه الولد.هكذا نفهم من لهجة النصوص المقدسة من قرآن وسنة وروايات أئمة أهل البيت عليهم السلام.

مع الآيات القرآنية
يؤكد القرآن الكريم في اكثر من سورة قرآنية على ضرورة الإحسان للوالدين،والإحسان كما نعلم فوق العدل،وتقرن هذه الآيات المباركات بين عبادة الله سبحانه وتعالى،وعدم الشرك به من ناحية والبر والإحسان للوالدين من ناحية أخرى،وان في ذلك لدلالة كبرى على قيمة الإحسان في التعامل مع الوالدين.
يقول تعالى:
\”قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا\” الأنعام/151.
ويقول عز وجل:
\”ووصينا الإنسان بوالديه حسنا\” العنكبوت/8.
وفي آية ثالثة عظيمة الدلالة بحق الوالدين،يقول تعالى:
\”وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا،إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا\” الإسراء/23ـ 24.
يقول المفسرون بشان هاتين الآيتين المباركتين:
القضاء يفيد معنى الفصل والحكم القاطع المولوي،وهو كما يتعلق بالأمر يتعلق بالنهي وكما يبرم الأحكام المثبتة يبرم الأحكام المنفية،ولو كان بلفظ الأمر فقيل:وأمر ربك ألا تعبدوا إلا إياه،لم يصح إلا بنوع من التأويل والتجويز.
وعليه فلا مجال للتخلف تحت أي مبرر وعنوان عن الالتزام بالإحسان للوالدين.تماما كما لا يصح ولا مجال لعبادة غير الله سبحانه وتعالى.إذ لا معبود سواه.
ثم يلفت المفسرون النظر الى التركيز القرآني على مرحلة الكبر عند الوالدين:لان الإنسان اذا كبر يسئ خلقه ويكثر طلبه من ناحية،ومن طرف آخر ان الولد ـ كما هو عادة كل إنسان ـ اذا كبر ورشد، رأى نفسه في غنى عنهما.
مثل هذا الرأي عند المفسرين يلتقي مع ما يقوله العلم حول الإنسان حين يبلغ الكبر من الناحية النفسية والعصبية،حيث ان جهازه العصبي تتراجع كفاءته،وترتفع حساسيته،فيصبح شديد الإثارة من ناحية ،وسريع التبرم من ناحية أخرى.مما يجعل المحيطين به يميلون للابتعاد عن الاحتكاك به قدر الإمكان.وهذا الفعل في حد ذاته يخلق جو من العزلة عند الكبار في السن فيجعلهم فريسة الحساسية المفرطة.وهكذا نرى ان هذه الفترة العمرية حرجة جدا في حياة الإنسان،مما يفرض على المحيطين بالكبار في السن ان يكونوا على درجة كبيرة من التحمل وسعة الصدر،ولو لا ان الله سبحانه وتعالى قرن عبادته بالإحسان للوالدين،لما استطاع البعد العاطفي لوحده ان يلزم الأبناء تحمل الوالدين.
\”ومن نعمره ننكسه في الخلق\”
يجب على الولد ان لا يظهروا أدنى صور التبرم أمام الوالدين مهما صدر منهما،هكذا يقرر القرآن الكريم،و أدنى صور التبرم،ان ينطق المرء بكلمة قصيرة هي أف.التي تعني في الأصل وسخ الأذن ثم أطلقت على التعبير عن الضجر والتبرم من فعل ما،كما ان التف تطلق على وسخ الأظافر.
وقد قال الإمام الصادق عليه السلام:\”لو علم الله لفظة أوجز في ترك عقوق الوالدين من أف لأتى به\”.
وما ذلك إلا،وكما يؤكد المفسرون،اذا كان الله سبحانه وتعالى هو السبب الأعمق في وجود الإنسان،فان الوالدين يمثلان السبب المباشر لوجوده،و اذا كان الله هو الذي انعم عليه بكل النعم التي جعلت لحياته قوة واستمرارا فان الوالدين قد عملا بكل ما لديهما من جهد ومعاناة وتضحية في سبيل تحريك عناصر الامتداد في عمق وجوده.
ومما يلفت النظر في رؤية القرآن الكريم للعلاقة بالوالدين،انه لم يسمح للإنسان حتى في حالة ضغط والديه عليه بمعصية الله سبحانه وتعالى، في ابغض الأمور إليه وهو الشرك به،حتى في هذه الحالة لم يسمح له بان يسيئ العلاقة بأبويه.
يقول تعالى:
\”وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا\” لقمان/10.
في ضوء هذه الآية المباركة يمكن لنا ان نفهم ما يروى:\”ان الله تعالى قال لموسى عليه السلام:(يا موسى انه من بر والديه وعقني كتبته بارا،ومن برني وعق والديه كتبته عاقا).
فسواء كان الوالدان مؤمنين أو فاجرين،فلا يجوز للأولاد ان لا يبراهما،ولو كفر أحد الأبوين أو كلاهما فان عقابهما على الله سبحانه وتعالى،لكن واجب ولدهما البر والإحسان لهما.

في رحاب الأحاديث النبوية الشريفة
وكما وجدنا في القرآن الكريم من تأكيد شديد على البر والإحسان بالوالدين،كذلك الأمر ذاته في الأحاديث الشريفة،فالجهاد الذي أعطاه الاسلام مكانة رفيعة ولم يتساهل مع المتخلفين عنه،نرى الأحاديث تنظر للعلاقات مع الوالدين مقدمة عليه ،وهذا له دلالة كبيرة على قيمة الإحسان للوالدين.
جاء رجل الى رسول الله (ص) ليستشيره في الغزو فقال(ص):ألك والدة؟
قال:نعم.
فقال (ص):\”الزمها فان الجنة تحت قدمها\”.
وجاء رجل وأمه الى النبي(ص) وهو يريد الجهاد وأمه تمنعه،فقال النبي(ص):عند أمك قر وان لك من الأجر عندها مثل مالك في الجهاد.
وعن عباس ابن مر داس انه قال:يا رسول الله اني أريد الجهاد.قال(ص):ألك أم:قال نعم.
قال الزم أمك فان الجنة عند رجل أمك.
وقال(ص):\”ولا ينبغي للرجل ان يخرج الى الجهاد وله أب أو أم إلا بإذنهما\”.
و اذا كان الأمر بهذا الحال مع الجهاد فانه مع الأعمال الأخرى كذلك،يقدم البر بالوالدين عليها.
فقد جاء رجل الى رسول الله (ص) يطلب البيعة على الهجرة وقال:ما جئتك حتى أبكيت والدي.فقال (ص):ارجع أليهما فأضحكهما كما أبكيتهما\”
ان البر بالوالدين يعد في لسان الحديث الشريف مطهرا للإنسان من ذنوبه،فقد ورد ان رجلا جاء الى رسول الله(ص) فقال:يا رسول الله ما من عمل قبيح ألا قد عملته فهل لي من توبة؟فقال له رسول الله(ص):فهل من والديك أحد حي؟قال:أبى،قال:فاذهب فبره.فلما ولى قال رسول الله(ص):لو كانت أمه.
وبذلك لا نشك ان البر بالوالدين أحد الطرق الرئيسية لدخول الجنة.
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
\”أربع من كن فيه،نشر الله عليه كنفه وأدخله الجنة في رحمته:حسن خلق يعيش به في الناس،ورفق بالمكروب،وشفقة على الوالدين،وإحسانا الى المملوك\”
كما ان عقوق الوالدين سيكون سببا للحرمان العظيم يوم القيامة،فقد جاء عن النبي(ص)انه قال:\”كل المسلمين يروني يوم القيامة،إلا عاق الوالدين وشارب الخمر ومن سمع اسمي ولم يصل علي\”

مع الروايات الشريفة
من هنا جاءت الروايات الشريفة،متضافرة متعاضدة مع القرآن الكريم و الأحاديث النبوية بحق الإحسان للوالدين،وهي ترش النور لعلاقة راقية في الأسرة.
فعن الإمام الباقر عليه السلام قال:
\”ثلاثة لم يجعل الله تعالى لأحد فيهن رخصة:أداء الأمانة الى البر والفاجر،والوفاء بالعهد للبر والفاجر،وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين\”
يقول أبو ولاد الحناط:
سألت أبا عبد الله(ع) عن قوله تعالى:\”وبالوالدين إحسانا\”ما هذا الإحسان؟
فقال:الإحسان أن تحسن صحبتهما وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه،وان كانا مستغنين،أليس يقول الله تعالى:\”لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون\”.
ثم قال أبو عبد الله عليه السلام:\”و إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما\”أي ان أضجراك فلا تقل لهما أف،ولا تنهرهما ان ضرباك،قال:\”وقل لهما قولا كريما\” أي ان ضرباك فقل لهما:غفر الله لكما،فذلك منك قول كريم،قال:\”وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة\” أي لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة،ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما،ولا يدك فوق أيديهما،ولا تقدم قدامهما\”.
وسئل الإمام الكاظم عليه السلام:عن الرجل يقول لبعض ولده:بأبي أنت وأمي،او بأبوي أنت،أترى بذلك بأسا؟
فقال:\”ان كان أبواه حيين فأرى ذلك عقوقا،وان كانا قد ماتا فلا بأس\”
ومعلوم ان العقوق للوالدين من موجبات دخول النار.
وعن الإمام الرضا عليه السلام:بر الوالدين واجب وان كانا مشركين،ولا طاعة لهما في معصية الخالق\”.

عاقبة البر بالوالدين
عاقبة البر بالوالدين في الآخرة جنة تجري من تحتها الأنهار،وفي الدنيا حياة أسرية مليئة بالرحمة والبركة.
بقول زكريا بن إبراهيم:
\”كنت على النصرانية فأسلمت وحججت فدخلت على أبي عبد الله(ع) فقلت:اني كنت على النصرانية واني أسلمت.فقال(ع):وأي شيء رأيت في الاسلام؟ قلت:قوله تعالى:\”ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا\”
فقال(ع):لقد هداك الله.ثم قال:\”اللهم اهده ـ ثلاثا ـ سل عما شئت يا بني.
فقلت:ان أبي وأمي وأهل بيتي على النصرانية،وأمي مكفوفة البصر فاكون معهم وأكل في آنيتهم؟
فقال(ع):يأكلون لحم الخنزير؟.
فقلت:لا ولا يمسونه.
فقال:لا بأس فأنظر أمك فبرها،فإذا ماتت فلا تكلها الى غيرك،كن أنت الذي تقوم بشأنها،ولا تخبرن أحدا انك أتيتني حتى تأتني بمنى ان شاء الله.
قال:فأتيته بمنى والناس حوله كأنه معلم صبيان هذا يسأله،وهذا يسأله فلما قدمت الكوفة لطفت لأمي، وكنت أطعمها وأغسل ثوبها ورأسها وأخدمها،فقالت لي:
\”يا بني ما كنت تصنع بي هذا و أنت على ديني،فما الذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت في الحنفية؟
فقلت:رجل من ولد نبينا أمرني بهذا.فقالت:هذا الرجل هو نبي؟.فقلت:لا ولكنه ابن نبي.فقالت لا يا بني،هذا نبي..ان هذه وصايا الأنبياء.
فقلت:يا أماه انه ليس يكون بعد نبينا نبي ولكنه ابن نبي.
فقالت:يا بني دينك خير دين،أعرضه علي،فعرضته عليها فدخلت في الاسلام،وعلمتها فصلت الظهر والعشاء الأخيرة ثم عرض بها عارض في الليل.
فقالت:يا بني أعد علي ما علمتني،فأعدت عليها فأقرت به وماتت،فلما أصبحت كان المسلمون الذين غسلوها وكنت أنا الذي صليت عليها ونزلت في قبرها\”.

البر بالولدين بعد الموت
رغم ان المرء تنقطع بعد الموت علائقه بالدنيا،إلا ان الذي خلف ولدا يبقى أثره،ويتجدد عمله في ولده وتكثر حسناته،أو تتعاظم سيئاته بفعل ما يقوم به ولده من أعمال.
من هنا يمكن للذين فاتهم الإحسان للوالدين في حياتهما،ان يبراهما بعد وفاتهما.وفي ذلك حث شديد من الاسلام.
ورد عن النبي(ص):\”سيد الأبرار يوم القيامة رجل بر والديه بعد موتهما\”.
ويقول أيضا:\”ووالديك فأطعمهما وبرهما حيين كانا أو ميتين\”.
لكن يبقى السؤال كيف يمكن للإنسان ان يبر والديه بعد وفاتهما؟
يكون ذلك عبر ما يلي:

1/قضاء الدين عنهما.
2/الاستغفار لهما.
3/العبادة المستحبة نيابة عنهما.
4/التصدق عنهما.
5/السيرة الحسنة بين الناس مما يدفع الناس للترحم على والديه.

فعن الإمام الباقر عليه السلام:\”ان العبد ليكون بارا بوالديه في حياتهما ثم يموتان فلا يقضي عنهما دينهما،ولا يستغفر لهما،فيكتبه الله عز وجل عاقا،وانه ليكون عاقا لهما في حياتهما غير بار بهما،فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما فيكتبه الله عز وجل بارا\”
وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام:\”ما يمنع الرجل منكم ان يبر والديه حيين أو ميتين يصلي عنهما ويحج عنهما ويصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك فيزيده الله عز وجل ببره وصلاته خيرا كثيرا\”

صور من عقوق الوالدين
هنا لك عدة صورة نراها اليوم في عقوق الوالدين،كما نجده من ثقافة لدى بعض أبنائنا الذي جاءوا الى الغرب حيث سادت فيهم فكرة الاستقلال في الحياة عن الوالدين بعد ان يصل الواحد منهم ثمانية عشر عاما،فيستقل الواحد منهم في السكن بعيدا عن والديه ولا يقوم بأي نوع من الاتصال بهما،وحين يراجع في ذلك يقول إنني لم اطلب من والدي إنجابي الى هذه الدنيا و أنا حر بعد ان أصبحت مستقلا من الناحية القانونية،في علاقاتي و اختياراتي،وليس من حق والدي ان يفرضا علي أي شيء.لا في الدراسة ولا العمل ولا شريك المستقبل.
وهنا لابد من القول ان الإحسان للوالدين مطلوب حتى في القضايا التي يستقل الإنسان في تقريرها عن نفسه،كاختيار الدراسة أو العمل أو ما شابه ذلك.
وأرى ان هنالك حاجة لمعالجة الوعي بحق الأبوين عند الجيل الناشئ في الغرب،بشكل جماعي من قبل الحريصين من المؤمنين في هذه البلدان،ووضع ذلك في إطار الثقافة الأسرية للمسلمين في الغرب.
ومن صور العقوق بالوالدين،سيما في مرحلة الكبر،وضع الأبوين في المؤسسات الخاصة بكبار السن وإهمالهما بشكل مطلق.وهنا أود القول ان هذه المؤسسات لا تسد مسد الولد في العناية بالوالدين مهما بذلت من جهد،فقد تستطيع ان تلبي الاحتياجات المادية لهما،لكنها لا توفر الاحتضان العاطفي لهما،وهما في هذه الفترة كالأطفال الصغار تزداد حاجاتهما للاحتضان العاطفي بشكل كبير،وان من القسوة عليهما تركهما لهذه المؤسسات،وحتى اذا ما اضطر أحد لوضع أحد أبويه عند هذه المؤسسات،فليكسب رضاهما في ذلك أولا،وليتابع وضعهما أولا بأول،وليبذل قصارى جهده لاحتضانهما عاطفيا.
ورد في الدعاء عن الإمام زين العابدين عليه السلام بحق والديه:
\”..يا الهي أين طول شغلهما بتربيتي؟وأين شدة تعبهما في حراستي؟وأين إقتارهما على أنفسهما للتوسعة علي؟هيهات ما يستوفيان مني حقهما،ولا أدرك ما يجب علي لهما،ولا أنا بقاض وظيفة خدمتهما..\”
أسال الله سبحانه وتعالى،ان يجعلنا من البارين بأبويهما في حياتهما وبعد وفاتهما،وان يجنبنا عقوقهما.
بسم الله الرحمن الرحيم
\”انا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر ان شانئك هو الأبتر\”
صدق الله العلي العظيم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

الخطبة الثانية: الأمة بين فلسطين والعراق

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوء أحد.اللهم صلي على حبيبك ونجيبك وخيرتك من خلقك محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.وصلي على علي أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين وصلي على الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين،وصلي على سبطي الرحمة وإمامي الهدى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة،وصلي على أئمة المسلمين وهداة المؤمنين علي ابن الحسين زين العابدين،ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي ابن موسى الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والخلف الحجة القائم المهدي،حججك على عبادك وأمنائك في بلادك صلاة كثيرة تامة زاكية.
عباد الله ..
بين فلسطين والعراق،يمتد أمل الأمة والمها،يمتد أملها فيما نراه من واقع مقاوم لما يراد لهذه الأمة من استعباد واستحقار،وألم لما نراه من مواقف رسمية لا تنسجم أبدا مع روح هذه الأمة وكرامتها،وثقافتها الإسلامية الأصيلة التي تستعصي على الاحتواء من قبل ثقافات الحضارات المغرقة في المادية،والربح الدنيوي البحت.
في فلسطين طرح وزير الحرب الإسرائيلي بن اليعازر مشروع غزة أولا،ليجنب جنوده الموت،وليجعل من السلطة الفلسطينية السور الواقي لإسرائيل بعد فشل السور الواقي حسب خطة شارون.وقد أدركت المقاومة الفلسطينية ذلك،فرفضت المشروع جملة وتفصيلا،لكن السلطة الفلسطينية سارعت للموافقة عليها،وبذلك أرادت لنفسها ان تكون المحامية عن عدو الفلسطينيين وعدوها.ولربما لم تستوعب بعد ان كل ما قامت به من أعمال ضد نشطاء المقاومة الفلسطينية،من اعتقال وتقييد كان ضد المصلحة الفلسطينية.التي تعمل السلطة تحت شعار توفيرها.هكذا ترتسم أمامنا الهوة السحيقة بين ما تريده الأمة وما تريده السلطة.ومن الغريب ان الحكومة الإسرائيلية ترفض هذه الخطة بعد ان وافقت السلطة الفلسطينية عليها.
وفي العراق،في اللحظة التي كانت جماهير الأمة تنتظر موقفا شجاعا من الحكومة العراقية،سيما مع تنامي الرفض الدولي لتعريض العراق لضربة عسكرية،سيما في الدول الغربية كألمانيا وبريطانيا.
فقد كشفت صحيفة\”الديلي تلجراف\”البريطانية أمس ان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير قد بدأ ينأى بنفسه بعيدا عن رغبة الولايات المتحدة في الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين،وقالت ان بلير أبلغ وزراءه ان الحرب على العراق لا تزال بعيدة.
وكان المستشار الألماني شرويدر في وقت سابق خلال هذا الأسبوع قد شدد على استبعاد إرسال أي قوات ألمانية أو تقديم أي تمويل مالي للهجمات المحتملة التي ستقودها الولايات المتحدة ضد العراق.
في هذا الوقت يأت خطاب الرئيس العراقي مخيبا للآمال،وذي لهجة تحد في غير موقعها،بينما صدرت اقتراحات من جهات مشفقة على العراق،ان يستقيل الرئيس العراقي وحكومته وترك العراقيين أحرارا لاختيار الحكومة التي يرتضونها،أو على اقل التقادير ان يحدو صدام حسين حدو عبد الناصر حين اعترف أمام شعبه عن مسئوليته عن الهزيمة أمام إسرائيل،وقدم استقالته ليترك للشعب المصري حرية الاختيار.
وكان يمكن لمثل هذا الموقف من الحكومة العراقية ان يجنب الشعب العراقي خطرا بات مؤكدا،قد يذهب ضحيته خمسة ملايين إنسان،على ما ذهبت لذلك بعض التوقعات.لكن المسافة بين هموم الأمة وهموم الرسميين في هذه الأمة لا زالت طويلة جدا.
وإننا لنأمل ان نجد في الشعب العراقي المسلم،الموقف المسئول خلال هذه اللحظة التاريخية،الموقف الذي ينسجم مع روح هذه الأمة وتطلعاتها.ونأمل ان يأخذ هذا الموقف بعين الاعتبار ان العراق ليس الهدف النهائي للتحرك الأمريكي،بل قد يتجاوزه الى إيران الدولة الإسلامية المناصرة لقضايا الأمة العربية والإسلامية،وحتى دول المنطقة التي تعد حليفة للولايات المتحدة الأميركية.فقد ذكرت مصادر ان تقريرا موجزا لمجلس استشاري بوزارة الدفاع الأمريكية\”البنتاجون\”صدر الشهر الماضي ووصف المملكة العربية السعودية بأنها دولة في طريقها لتصير عدوا للولايات المتحدة.وقد دعا التقرير المسئولين الأمريكيين الى استهداف حقول النفط السعودية وأرصدتها المالية في الخارج اذا رفض السعوديون الإذعان للمطالب الأمريكية.
ولربما جاءت هذه التلميحات بعد صراحة الموقف السعودي و الإيراني في رفض توجيه ضربة عسكرية للعراق.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجنب امتنا شرور الفتن والبلوى،وان يبعد عن العراق كل سوء ومكره،متوسلين في ذلك بالنبي محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ..
بسم الله الرحمن الرحيم
\”والعصر ان الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر\”
صدق الله العلي العظيم،والحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *