خطبة الجمعة ليوم 04/06/2004


تقوى الله

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ عبد المجيد العصفور حفظه الله، في يوم الجمعة 4/6/2004م، الموافق 16/ربيع2/1425 هـ.
‘,’

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الأول قبل الإنشاء والأحياء والأخر بعد فناء الأشياء العليم الذي لا ينسى من ذكره ولا ينقص من شكره ولا يخيب من دعاه ولا يقطع رجاء من رجاه، اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيدا واشهد جميع ملائكتك وسكان سماواتك وحملة عرشك وأنبيائك ورسلك ومن أنشأت من أصناف خلقك، أني اشهد انك أنت الله لا اله إلا أنت وحدك لا شريك لك ولا عديل ولا خلف لقولك ولا تبديل وان محمدا صلى الله عليه وآله أدى ما حملته إلى العباد و جاهد في الله عز وجل حق الجهاد وانه بشر بما هو حق من الثواب وانذر بما هو صدق من العقاب،اللهم ثبتني على دينك ما أحييتني ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة انك أنت الوهاب.

عباد الله.. أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وتعالوا في هذا اليوم المبارك نتعرف على نتيجة استجابتنا لهذه الدعوة التي تتكرر علينا في كل يوم جمعة بل في كل يوم \”تقوى الله\”.
يقول سبحانه وتعالى:
\”وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين\” 133/آل عمران.
إننا اليوم نجد أن التجار وأهل السياسة يقدمون عروضا مختلفة للناس، وفي سبيل الاستجابة لهذه الدعوات يصرف البعض منا كل طاقته وجهده وماله في لعله يحصل على شيء مؤقت زائل، وقد لا يحصل على شيء وقد يكتشف في نهاية المطاف أنها مجرد حيلة ليصل الآخرون على أكتافه إلى غاياتهم، كبعض النواب الذين يعدون الناس بالشمس في اليمين والقمر في الشمال، ثم إذا وصلوا إذا مواقعهم في البرلمانات، وجدتهم يتنكرون لكل نقطة في ما ادعوه من برنامج سياسي. وكذلك بعض التجار حين يريدون منك شراء سلعة معينة، يضعون فيها كل مواصفات الإعجاز حتى تخال أنك ستشتري قطعة إعجازية خالدة، ثم إذا ما اقتنيتها برئ منك التاجر ولم يلتزم حتى بالضمانات المعترف بها.

نحن هكذا حالنا في هذه الحياة، نصرف أعمارنا للزواج من امرأة قد يخيل إلينا أنها من الحور العين، أو من بعل نتصوره فارس الأحلام، ونرمي بكل ثقلنا من أجل الوصول إلى هذا الاقتران، ثم بعد فترة نرى أننا صرفنا الكثير من أعمارنا على ما لا يستحق. وكم مررت بقضايا شباب كادوا أن يقتلوا أنفسهم أو شابات كدن أن ينتحرن في سبيل الزواج من شخص معين لكنهم بعد فترة وجيزة عضوا إصبع الندامة.وجاءوا يبحثون عن سبيل للتخلص من الذي رغبوا الاقتران معه.وبعضهم قد فصم كل عرى العلاقة مع أسرته لكي يتزوج من من أحب.وبعد ذلك يستغيث بهذه الأسرة لتقف معه.

وكم صرف الواحد منا عمره وجهده وماله في سبيل أن يحصل على سيارة مثلا، لكنه بعد أن يمتلكها، لا يجد فيها رغبته، وكم يصرف الواحد منا حياته في سبيل الحصول على قطعة أرض ليبني عليها بيتا، وبعد أن يكتمل البيت يجد المرء نفسه وقد شارف على مفارقة الحياة، ولم يعد للمنزل من طعم تخيله فيما مضى.

إذن.. كل هذه الدعوات يشوبها التنغيص، فأي دعوة يتوجب علينا أن نصرف أعمارنا من أجلها؟!
انها الدعوة الربانية، التي تعدنا بجنة عرضها السماوات والأرض. فهذا هو القرآن الكريم يدعونا في كل يوم، لأن نسارع إلى مغفرة الله سبحانه وتعالى وحصول موقع في تلك الجنة التي وصف عرضها بالسماوات والأرض، فكيف هو طولها يا ترى؟!
ولعل في هذه الدعوة إلى الإسراع بعض الإيحاء بأن عمر الإنسان قصير وقد لا يمتد طويلا.

يقول المفسرون، إنما ذكر العرض للتأكيد على سعة الجنة، فإذا كان العرض هكذا فإن الطول بدون شك أعظم، وقد يستغرب البعض من وصف عرض الجنة، بأنه يستوعب عرض السماوات والأرض، وقد يتبادر إلى الذهن، إذا كان هذا عرض السماوات والأرض، فلا يمكن أن يكون هنالك مكان للنار.
هكذا سئل النبي (ص):\”إذا كان الجنة عرضها السماوات والأرض فأين تكون النار؟!\”
قال (ص):\”سبحان الله إذا جاء النهار فأين الليل\”.
قال صاحب مجمع البيان معلقا على جواب النبي (ص)، هذه معارضة فيها إسقاط المسألة لأن القادر على أن يذهب بالليل حيث يشاء قادر على أن يخلق النار حيث يشاء.
وقال صاحب تفسير الصافي، السر في ذلك أن أحد الدارين لكل إنسان إنما يكون مكان الأخرى بدلا عنها كما في الليل والنهار.

إن القرآن الكريم أيها الأحبة يطلب منا أن نبادر إلى هذه الدعوة، فكلمة \”سارعوا\” في الآية الكريمة بمعنى المبادرة والاشتداد في السرعة، و\”المغفرة\” بمعنى العمل بما يجلب مغفرة الله، كالتوبة والأعمال الصالحة والالتزام بالفرائض وترك النواهي والمعاصي، والمغفرة تطهر الإنسان من الأدران، إذ لا يدخل الجنة إلا طاهر زكي.
إن هذه الجنة التي يتحدث عنها القرآن الكريم، والتي تقول عنها الروايات الشريفة \”ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر\” هذه الجنة، هيئت وأعدت للمتقين. ولن يدخلها إلا من أهل نفسه لأن يكون واحدا منهم، انه جواز للعبور إلى الجنة.

فتعالوا عباد الله نتعرف على هؤلاء الناس الذين أعدت الجنة لهم، يقول تعالى:
\”الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون\” 134-135/آل عمران.

توضح الآيتان المباركتان خمس صفات للمتقين المؤهلين لدخول الجنة، أربع منها تتصل بطبيعة حركة العلاقات الاجتماعية التي تربط المتقين بالناس، وواحدة بالتصحيح الذاتي للأخطاء والذنوب:

1-الإنفاق على الناس في حالتي الشدة والرخاء. وهو يعني أن هذه الصفة حالة متأصلة في نفوسهم.
2-كظم الغيظ، الذي يعبر عن الإرادة القوية التي يواجه بها الإنسان حالات الانفعال.
3-العفو عن الناس، الذي يمثل الروح المتسامحة الطيبة التي لا تنحشر في عقدة نفسية ضيقة.
4-الإحسان إلى الناس، وهو ما يحول أي حالة سلبية في المجتمع إلى حالة إيجابية.
5-التطهير الذاتي، وتصحيح الأخطاء في العلاقة بالنفس، والعلاقة بالمجتمع، والعلاقة بالله سبحانه وتعالى، وعدم السماح للحظة ضعف يقع فيها الإنسان أن تخرجه من مسار المتقين المؤهلين لدخول الجنة.

اللهم وفقنا لنكون منهم، واجعل الجنة منقلبنا ومثوانا يا كريم.
اللهم صل وسلم على حبيبك ونجيبك وخيرتك من خلقك محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصل ياربنا على علي أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين وصل على الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وصل على سبطي الرحمة وإمامي الهدى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة وصل على أئمة المسلمين وهداة المؤمنين علي بن الحسين زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والخلف الحجة القائم المهدي، حججك على عبادك وأمنائك في بلادك صلاة كثيرة تامة زاكية.
والحمد لله رب العالمين.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *