أين المرأة البحرينية من فاطمة الزهراء(ع)
حديث الجمعة لسماحة الشيخ عبد المجيد العصفور بمسجد الإمام الهادي عليه السلام في مدينة عيسى. الجمعة:2/7/2004م الموافق:13/جمادى الأولى/1424هـ.
‘,’
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين. يصادف اليوم الذكرى السنوية لشهادة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، ومن المناسب جدا أن نتوقف عند هذا الأنموذج الرسالي الذي يقدمه الإسلام للمرأة المسلمة بشكل خاص والمرأة بشكل عام.
دور المثال
يشكل المثال في حياة الأفراد والأمم والحضارات دورا كبيرا في بلورة الهوية الشخصية والمجتمعية والحضارية لأي مجموعة بشرية، وإنما تصوغ الأمم شخصيتها وفق الأنموذج الذي وضعته نصب عينيها، بل إن وجود هذا الأنموذج يساهم بشكل كبير في تصحيح مسار الأفراد والجماعات في فترات المراجعة والتقويم.
وتعاني المجموعات البشرية من الضياع حين لا تحدد لها مثالا وأنموذجا تقتفي أثره وتحاول الوصول إلى الكمال وفق ذلك المثال، بل حتى على الصعيد الفردي، حين لا يضع الإنسان شخصية تمثل المثال الذي يطمح الوصول إلى بناء شخصيته وفقه فإن من المضنون فيه أن يستطيع بلورة شخصية ناضجة عنده. ولقد أثبتت التجارب البشرية للناجحين، أنهم وصلوا للنجاح حين تقمصوا شخصيات نماذج ناجحة سبقتهم.
وللدور الخطير للقدوة في الحياة نرى أن الإسلام يقطع علينا الطريق، لكي لا نقلد شخصيات من الشرق أو الغرب فنضيع، فتصبح شخصياتنا مشوهة، يقطع علينا الطريق ويقدم لنا قدوات واضحة وصلت إلى أعلى درجات الكمال الإنساني. ومن أعظم من النبي محمد (ص).
يقول تعالى: \”ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة..\”
والأسوة هي القدوة والمثال الجدير بالإقتداء، بل إننا نجد القرآن الكريم يؤكد لنا على أهمية القدوة في سبيل البناء الحضاري الخلاق، من الشهود في معركة الحياة.
يقول تعالى: \”وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا\”
مثال النساء
يقدم الإسلام فاطمة الزهراء عليها السلام كمثال للنساء ينبغي الإقتداء به، وهذا ما نجده في القرآن الكريم من خلال الاستعراض الذي قدمه النبي(ص) في المباهلة مع نصارى نجران حين برز إليهم ومعه الحسنان والزهراء والإمام علي عليه السلام كما يذهب إلى ذلك مفسرو القرآن الكريم في تفسير الآية المباركة.
قوله تعالى: \”فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعوا أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين\”
ويدعم القول أن الإسلام أراد للزهراء عليها السلام أن تكون المثال الجدير بالإقتداء للمرأة المسلمة، ما ورد من أحاديث للنبي (ص) بحق ابنته الزهراء، ومن دون شك أن النبي(ص) لم يقصد بتلك الأحاديث إطراء ابنته، بل أراد للمسلمين فتح عيونهم على الأنموذج الرسالي الذي يقدمه لهم الإسلام لكي لا تضيع نساء المسلمين في تقليد أمثلة النساء من الشرق أو الغرب. وهو ما تاهت فيه نساء مسلمات كثر في واقعنا المعاصر.
إن المتتبع للمصادر الحديثية عند المسلمين، كصحيح مسلم والبخاري وغيريهما من الكتب التسعة، يجد تكرر هذا الحديث عن النبي (ص) والذي نقلته أم المؤمنين عائشة، ولكن بألفاظ متعددة، حيث يقول (ص) لفاطمة الزهراء:
\”ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين\”
\”ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة\”
\”ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة\”
أما في المصادر الشيعية فهناك تأكيد بان النبي(ص) وصف الزهراء عليها السلام، بأنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
وسواء أخذنا بالحد الأدنى أم الأعلى في هذا المثال، فإن الزهراء عليها السلام تمثل النموذج الذي أراد النبي(ص) لأمته أن تقتفي أثره. وهذا ما يلزم المرأة المسلمة أن تطلع على حياة الزهراء عليها السلام، وتلم بنقاط تميزها وكمالها، فقد قال عنها النبي(ص):
\”كمل من الرجال كثير ومن النساء أربع آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد\”
وفي نص آخر، يقول (ص):
\”حسبك من النساء أربع آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد\”
المرأة في مشاريع الإصلاح
مع أننا لسنا مع مشاريع الإصلاح القادمة من خارج المنطقة والتي لا يمكن لنا أن ننظر إليها إلا بعين الريبة لما لمسنا من تطلعات استغلالية لدى أصحابها وأنها تستهدف النيل من عزتنا وكرامتنا كأمة مسلمة لها شخصيتها الحضارية المميزة. مع ذلك فإنا لا يمكن لنا أن نغض النظر عن تشخيصهم لعوامل الضعف والفساد التي تمنعنا من الانطلاق في رحاب التطور الحضاري الخلاق في هذه الفترة التاريخية، وقد شخصت مشاريع الإصلاح الغربية لمنطقتنا ثلاث قضايا رئيسية اعتبرتها عوامل للتعويق الحضاري وهي:
1/ الاستبداد السياسي.
2/التخلف المعرفي.
3/عدم تمكين المرأة.
وان التغلب على عناصر الضعف هذه يوجب مراجعة شاملة ودقيقة لكل عنصر والسعي نحو التحول فيه بما يصنع نقلة نوعية من الضعف إلى القوة.
وما يهمنا هنا واقع المرأة، الذي هو بالفعل واقع متخلف، إذ أن المرأة في بعض البلدان الإسلامية والعربية لم تنل تنصيبها من العلم إذ تزيد نسبة الأمية في وسطها على ستين بالمئة، إضافة إلى النظرة الدونية لها، والتي تحجر عليها حتى حقها ونصيبها الطبيعي في الحياة، وما يسود بعض المجتمعات من تزمت في سيادة الذكورة وهيمنتها.
غير أن إصلاح أوضاع المرأة وتمكينها بحاجة إلى تشخيص المرجعية التي تروم المرأة صوغ شخصيتها وفقها، ومنهج يحدد أولوياتها في ممارسة دورها في الشأن العام.
وفي تقديري وفهمي للغايات العامة للدين الحنيف أن الإسلام لا يحجر على المرأة ممارسة دور في الشأن العام، لكنه يلزمها بضوابط تحفظ لها كرامتها، وتجعل نظرة المجتمع الذكوري لها مبنية على أساس إنسانيتها لا انثويتها.
يقول تعالى: \”والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..\”
ويعطي الإسلام أولوية قصوى للدور الأسري للمرأة إذ يراها المربية والصانعة للأجيال، وأن نزولها إلى ساحة العمل التطوعي وخوض النشاط السياسي وسوق العمل الاقتصادي، أو غير ذلك لا ينبغي لها أن يكون على حساب هذه الأولوية.
لا شك أننا مع تمكين المرأة من دورها في أنشطة الحياة المختلفة، وإن من الهدر الكبير للطاقة البشرية إقصاء المرأة عن المواقع التي تستطيع تأدية دور فيها ولربما أفضل من الرجل، لكن الخشية من نمط الحياة والممارسة التي تريد المرأة النزول بها في الشأن العام. وإننا بأي صورة من الصور لا يمكن لنا أن نشعر بالأمان إذا ما تمثلت المرأة النمط الغربي، الذي يعاني الكثير من الأزمات سواء على صعيد علاقة المرأة بالرجل أم في مجال الأسرة التي تعاني من أزمات التفكك والضياع، إضافة إلى ما تعانيه المرأة من نظرة دونية ينعكس في عدم مساواتها مع الرجل في الدخل بالنسبة للوظيفة الواحدة، وتعرضها إلى عنف وابتزاز كبيرين من جانب الرجال، وما ذلك إلا لتخطي المرأة بعض الحدود التي توجبها الديانات السماوية.
المرأة البحرينية
يمكن القول أن المرأة البحرينية تعد في موقع تحسد عليه قياسا بأوضاع المرأة في بعض البلدان الإسلامية والعربية بل الخليجية أيضا، ففي الوقت الذي تزيد نسبة الأمية في بعض البلدان الإسلامية في أوساط النساء إلى ما يزيد على 60% فان نسبة الأمية في البحرين لا تزيد على 4% في أوساط النساء، وفي الوقت الذي يحظر على المرأة ممارسة أي دور في الشأن العام نجد أن المرأة في البحرين وصلت إلى مواقع قيادية، فنالت درجة وزير للأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة الذي أنشأ خصيصا لتطوير وضع المرأة، كذلك أصبحت المرأة وزيرة، وسفيرة، ووكيل مساعد، وقد ارتفعت نسبة المرأة في مجلس الشورى إلى 15% حاليا بعد أن كان 10%في الدورة السابقة. وهناك مناداة باتخاذ نظام الكوتا بالنسبة للانتخابات النيابية في المستقبل، وهي ليست بالفكرة الحسنة، لكنها تدل على رغبة شديدة لإعطاء المرأة نصيبا في الحياة النيابية. وقد رأينا المرأة تتقدم أيضا في الجمعيات السياسية والدينية والثقافية وتحصل على كراس في إداراتها، ما يعني تهيأت هذه الجمعيات لعضواتهن للنزول في الانتخابات القادمة.
بل أن المرأة سبقت الرجل في بعض المجالات، ففي دراسة نشرت مؤخرا في الصحف المحلية أن دخل المرأة من القطاع العام أعلى منه لدى شقيقها الرجل، على عكس بعض الدول الغربية، كذلك تفوقت المرأة على الرجل في المجال الأكاديمي، فحسب احصائيات2001م أن عدد النساء الحاصلات على البكالوريوس فاق عدد الرجال في البحرين، فقد سجل الإحصاء 8620 امرأة في قبال 8049رجل، وهناك زيادة واضحة في أعداد النساء في الجامعات المحلية قياسا للرجال، ما جعل البعض يتوقع انقلاب المعادلة في المستقبل لصالح النساء في المواقع القيادية والتعليمية والتربوية.
كل هذا يدل على تقدم كبير للمرأة البحرينية في تصديها للشأن العام ومنافستها للرجل ومعالجة قضاياه وتطلعاته، وهو ما يفرض علينا أن نذكر المرأة المسلمة في البحرين بالأنموذج الذي أراده الإسلام للها وهي فاطمة الزهراء عليها السلام، فأين هي الزهراء في مشروع المرأة البحرينية ؟!
المرأة البحرينية كأي امرأة أخرى، تأخذ بالمظاهر الاحتفالية، وتميل إلى الأخذ بالهوى والعاطفة لطبيعة تكوينها، وتعاني من ضعف أمام ضغوطات الحياة المختلفة، مما قد يشوش رؤيتها في اللحظات الحرجة، وقوتها وقدرتها إضافة إلى تسلحها بالعلم التخصصي، تكمن في تمسكها بدينها، وهي تحتاج إلى نموذج الزهراء عليها السلام، لمواجهة صعوبات الحياة وتقلبات الزمن، وهذا يحتاج منها أولا إلى نكران الذات وان تقرر العطاء الغير محدود لدينها ووطنها وأسرتها، لا أن ترى في هذه الفرصة الممنوحة لها مقعدا لإبراز ألأنا الشخصية أو الأنا النسوية، وإنّا لنتمنى عليها أن تعطي من وقتها لتحصيل ما يجب عليها معرفته من تعاليم دينها، وان تتخصص بعض النساء في مجال الدراسات الإسلامية.
لقد كانت الزهراء عليها السلام أما، وعالمة، وناشطة في مجال الخدمة الاجتماعية والدينية، ولم تتردد عن محاججة صحابة رسول الله(ص) في فهمهم لنصوص القرآن وأحاديث النبي(ص). وكانت كذلك ناكرة لذاتها معطاءة لأمتها بدون حدود، ولطالما حول النبي(ص) أصحاب الحاجة إلى دارها.
ينقل أن سائلا جاء إلى رسول الله في المسجد، وقال يا رسول الله إني جائع فأطعمني وعريان فاكسني وفقير فاريشني، فرد عليه (ص)أن ليس عنده حينها ما يعطيه، لكنه قال له\”الدال على الخير كفاعله\”وأمر بلالا أن يأخذه لبيت فاطمة، فما كان من فاطمة إلا أن أعطته قلادة قيل أنها ورثتها من أمها، فعرضها على الأصحاب، فاشتراها منه عمار ابن ياسر بسهمه من إحدى الغزوات، ثم أهدى عمار العقد واحدى عبيده إلى النبي(ص) فاهداهما النبي إلى الزهراء عليها السلام، فجاء العبد وأعطى فاطمة العقد، وقال لها أنا والعقد لكي من رسول الله، فقالت له اذهب فأنت حر لوجه الله، فضحك العبد، فسألته الزهراء عن سبب ضحكه، فقال:ما أعظم بركة هذا العقد، أغنى فقيرا واشبع جائعا وكسا عريانا وأطلق نسمة، وعاد إلى صاحبه.
الحق أن البركة في الزهراء عليها السلام، وإنا لنريد لنسائنا أن يصبحن مباركات علينا من خلال ما يصلنا أليه من مواقع قيادية هنا وهناك.
اللهم صل وسلم على حبيبك ونجيبك وخيرتك من خلقك محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصل ياربنا على علي أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين وصل على الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وصل على سبطي الرحمة وإمامي الهدى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة وصل على أئمة المسلمين وهداة المؤمنين علي ابن الحسين زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي ابن موسى الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والخلف الحجة القائم المهدي حججك على عبادك وأمنائك في بلادك صلاة كثيرة تامة زاكية.