قراءة في صلح الإمام الحسن


تردد في بعض صحاح المسلمين أن النبي (ص)قال وهو يشير إلى الإمام الحسن بن أبي طالب عليه السلام:\”ولدي هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من أمتي\”.
وبغض النظر عن صحة هذا الحديث سندا ومتنا، فان الإمام الحسن عليه السلام دخل في صلح مع معاوية ابن أبي سفيان انتهى بتنازله لصالح الأخير، الأمر الذي فتح على الإمام انتقادات من بعض أصحابه ومعاصريه وبعض المؤرخين فيما بعد، ولربما لا يزال في السياسيين من يخطئ الإمام في خطوته التصالحية هذه.
ونظرا للمكانة الخاصة للإمام الحسن عليه السلام عند المسلمين عامة والشيعة خاصة لابد من قراءة لهذا التنازل عن الحكم بعيدا عن النظرة السياسية الضيقة والمؤقتة، لنضيف إلى بصيرتنا الدينية رؤية فوق التطلع السياسي وأبعد من تحقيق الغايات المؤقتة بالنسبة للفرد والأمة.
‘,’
نزاهة الإمام الحسن(ع)
قبل التعمق في قراءة الخطوة الحسنية لابد من التأكيد عن نزاهة ساحة الإمام الحسن(ع) أو تصور ميوله لتحقيق رغبة شخصية على حساب مصلحة الدين الإسلامي والأمة المسلمة سواء في لحظته التاريخية أو في مستقبل أيامه، وهذا التنزيه صادر من أعلى المرجعيات المقدسة عند عامة المسلمين، فقد أكد القرآن الكريم في أكثر من موضع نزاهة الإمام(ع)، فهو من المشمولين في الآيات المباركات:
\”إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا\”
\”فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعو أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم..\”
\”ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله\”
\”قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى\”
وهذه الآيات كافية في كشف نزاهة الإمام الحسن عليه السلام وإبراء ساحته من أي ميل مع الهوى، هذا ناهيك عما يعتقده الموالون لأهل البيت والقائلين بإمامته بعصمته.
يضاف إلى ما جاء في القرآن الكريم الأحاديث الكثيرة الواردة عن النبي(ص)بحق سبطه المجتبى ولا شك أن حديث النبي لم يكن للإطراء بل لتأكيد طهارة الحسن ونزاهته بل وعصمته مما جعله وأخاه الحسين سيدي شباب الجنة بلهجة قطعية في حديث النبي(ص).
وحين نراجع السيرة الذاتية له صلوات الله وسلامه عليه نجدها من الرقي بحيث لا يتسرب للمطلع عليها أدنى شك في عظمة شخصيته وابتعاده عن الميل مع هوى النفس فقد خرج من ماله لله مرتين وقاسم أمواله مع الله سبحانه وتعالى ثلاث مرات، أضف إلى ما تميز به من كرم وشجاعة وعطف ورحمة.

خطر التجزئة
لا يدرك الكثير من الناس دور الوحدة وقيمتها الدينية والحضارية بالنسبة لأي مجموعة بشرية، وسيما بالنسبة لأتباع الديانات السماوية والمسلمين بوجه خاص،وقد يضحي السياسيون بوحدة الأمة في سبيل بقائهم على كرسي الحكم وتحقيق مكاسب سياسية لهم وإتباعهم،وهذا ما كان يتطلع إليه معاوية ابن أبي سفيان،فقد بنى دولة شبه مستقلة في كيان الأمة الإسلامية،وتوانى في الدفاع عن عثمان واستنقاذه من الثائرين مخافة أن يتضرر وضع الدولة التي بناها،ودخل في حرب مع الإمام علي عليه السلام الخليفة الذي بايعه المسلمون متعللا بعدة أسباب واهية،ولم يكن يعبأ بتفتيت وحدة الأمة الإسلامية بعد شهادة الإمام علي عليه السلام،وقد حاول الإمام الحسن عليه السلام أن يتدارك الأمر،لكنه وجد أن معاوية مصمم على الوصول إلى تحقيق رغبته السياسية في بناء دولة أموية حتى وان أدى الأمر إلى تفتت الآمة الإسلامية وان تصبح الأمة أمتين،غير أن الإمام الحسن عليه السلام كان ينطلق من أصالة الوحدة الإسلامية كضرورة دينية وحضارية للمسلمين،لذلك قال لأصحابه:\”إن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة\”ولقد كشفت الايام أن خطر التجزئة نذير شؤم على المسلمين،ولا يزال المسلمون إلى يومهم الراهن يعانون من هذا الخطر المحدق.إننا نقرأ في بصيرة الإمام الحسن المجتبى(ع)السلام ومن قبل أبيه علي(ع)وعيا كبيرا بقيمة الوحدة، على العكس من ذلك عند معاوية وأبيه أبي سفيان الذي جاء محرضا للإمام علي للقيام بوجه الخلافة الإسلامية في بداية نشوئها لكنه رفض أن يستجيب له، وآثر التنازل على وضعه الشخصي في الموقع القيادي في الأمة الإسلامية بعد وفاة النبي(ص) حفاظا على وحدة المسلمين.
وهذا الوعي لدى الإمام الحسن يكشف لنا عن الضرورة الدينية للوحدة بين المسلمين وهو ما يؤكد عليه القرآن الكريم:
\”إن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون\”
\”وان هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاتقون\”
فلا عبادة لله يمكن لها أن تقوم في ضل التجزئة ولا تقوى إلا بالوحدة في التوجه إلى الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن انقسام الأمة إلى أمتين يصيب الأمة بخلل في عبادتها وتقواها، وهنا يصبح الخلل السياسي في وجود شخصية غير كفؤ على سدة الحكم اقل خطر من تجزئ الأمة الإسلامية.
وحضاريا يصبح من الصعب على الأمة النهوض الحضاري وهو مشتتة في نظرتها المرجعية، التي تستنبط منها نمط حياتها وقوانين نظمها، بل ستكون النظرة للدين مشوهة وتتعدد إمكانيات التشويه مما يؤدي إلى بروز أكثر من لون في التفاعل مع الوحي السماوي، وهذا خطر ليس بالهين، بينما الانحراف السياسي، سيما إذا كان واضحا وجليا عند أبناء الأمة وتأسيسه على الغلبة والقوة وهو ما جلاه الإمام الحسن عليه السلام بوضوح، اقل خطورة على صناعة الحضارة في تفاعل المسلمين مع الوحي السماوي.ودور الوحدة في بناء الحضارة تظهر قيمته في التنافس الحضاري مع الآخرين،فهي في حالة الوحدة تكون قوية متماسكة قادرة على مجابهة التحديات الحضارية القادمة عليها،وعلى العكس من ذلك في حالة التجزئة والتشرذم.

العلاقة بين فئات الأمة
في أي مجتمع تعددي يمكن لنا أن نتصور العلاقة بين فئاته وشرائحه على ثلاثة أنواع:
1/العلاقة التجاهلية.
2/العلاقة الصراعية.
3/العلاقة التكاملية.
وان أفضل العلاقات التي تبني المجمتع هي العلاقة التكاملية،اما الصراعية فهي تدمر المجتمع، والتجاهلية تنقص فاعليته، وقد اراد الامام الحسن عليه السلام التأسيس لحالة تكاملية مستقبلية.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *