الحوار المفقود


كان حسنا ما قامت به بعض الجمعيات السياسية خلال الفترة القليلة الماضية من محاولة تفكير باتجاه توسيع نطاق الحوار ليستوعب كافة الجمعيات السياسية أو أغلبها، لتصحيح مناخ الأفق السياسي في المملكة، لكني أتصور أن هنالك حوارا لا يقل أهمية عن هذا الحوار، بل يتقدم عليه في الأهمية الدينية والوطنية، وهو يعني شريحة أوسع من الناس وقد تكون نتائج عدم الالتفات إليه وخيمة على الجميع.
‘,’والحوار الذي اقصده هو حوار الجمعيات والمؤسسات والشخصيات الدينية، فكلها تروم هدفا واحدا هو الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وخدمة المجتمع، لكنها تعمل على طريقة البحيرات المتناثرة التي تحول اليابسة دون اختلاط مياهها، مع أن الكل يرى المياه بأجمعها تنظوي تحت أهدافه وتشكل جزء من تطلعاته.
من الناحية الدينية تعتبر وحدة المجتمع غاية في حد ذاتها للقيام بين يدي الله سبحانه وتعالى، فالقرآن الكريم يصرح بما لا يدع مجالا للشك أن التقوى إنما تنضج في المجتمع بوحدته وكذلك العبادة التي خلق الإنسان لأجلها إنما تتم من خلال وحدته أيضا.\”ان هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فأعبد ون\”و\”ان هذه أمتكم امة واحة وأنا ربكم فاتقون\”.
وعليه فان أي شخصية أو جمعية أو مؤسسة دينية تعمل على هداية الناس ودفعهم باتجاه العبودية لله سبحانه وتعالى، لابد أن تضع الوحدة المجتمعية هدفا استراتيجيا في خطتها، وتحوله إلى برامج تفصيلية يومية تعمل على إنجازها، وهذا ما يعني اعتبار الحوار مع كافة شرائح المجتمع، عملا حاضرا في الأجندة الأسبوعية لهذه الجهات.
غير ان الذي نراه في واقع ساحة العمل الديني في مملكة البحرين لاينم عن ذلك أبدا، بل يعكس قطيعة كبرى بين هذه الجهات، فرغم الحراك المشهود على الصعيد السياسي والاجتماعي والعمل الخيري بعض الشيء، وحتى ازدياد وتيرة نشاط كل جهة دينية في بحيرتها الخاصة، إلا أننا يندر أن نشهد فعاليات تستهدف اللقاء بين هذه الجهات على خلفية العمل للوحدة الدينية المجتمعية.
وهذه خطورة قد لا ندركها إلا في لحظات استبداد الفتن الطائفية، والداخلية في كل طائفة على حد سواء.الأمر الذي يتطلب من كل جهة أن تحمل مبادرة الحوار مع بقية الجهات العاملة في النشاط الديني قبل ان ترى نفسها مضطرة لذلك تحت تأثير خطر الفتن التي تطل برأسها على الجميع من منافذ المحيط القريب والبعيد.
ومن دون شك أن دور الحوار في الوحدة المجتمعية يختلف إذا جاء انطلاقا من الشعور الديني بضرورة الوحدة لبناء مجتمع التقوى والعبودية لله، وعنه إذا جاء خوفا من التهام الفتنة للأخضر واليابس.
واللبيب لا يحتاج إلى تفكير عميق ليكتشف أن الخلفية التربوية التي غذتها الثقافة الدينية التي تتبناها جهات كثيرة ناشطة في مجال العمل الديني لا تدفع باتجاه الوحدة المجتمعية بل تكرس النظرة التبجيلية للذات \”المغلقة على فئة محدودة\” وتحول في ذات الوقت عن الانفتاح على الأخر حتى لو كان في ظل المرجعية الفقهية الواحدة.وهذه الثقافة قاعدة يمكن للفتنة أن تستوي عليها، فتتحول كلمة طائشة في خطاب متزمت إلى عاصفة هوجاء لا تبقي ولا تذر.
من هنا يصبح الحوار بين الجهات الناشطة في مجال العمل الديني ضرورة ملحة، تجنب المجتمع الوقوع في أجواء الفتن، كما تقلل من بعثرة الجهود بتكرار الإنتاج ذاته، إضافة إلى صناعة خطاب متوافق مع ضرورات العصر، ودافع نحو وحدة دينية، تؤيد تماسكا وطنيا لابد منه للنهوض الحضاري المنشود.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *