المستقبل يمتلك ناصيته الاستراتيجيون،الذين يفكرون ويخططون لقادم الايام،وهو محل تنافس شديد اليوم بين القوى البشرية،واصبح المسقبل جزء من العلوم الهامة التي توليها الجامعات ومراكز الدراسات اهتماما كبيرا،ويسجل بهذا الصدد السبق في الوقت الراهن للولايات المتحدة والغرب بشكل عام في اهتمامهم بالمستقبليات ان على الصعيد العلمي او العملي عبر وجود المئات من المراكز والجمعيات المختصة في المستقبليات.
‘,’اما نحن معاشر العرب والمسلمين،فاقل الناس اهتماما بهذا الموضوع،بل ان احدى الدول الاسلامية الكبرى،صدر قرار فيها عن مجلس الوزارء بانشاء مركز للمستقبليات،وانشأ لهذا المركز موقع على الشبكة العنكبوتية،تنشر فيه الدراسات والابحاث المستقبلية،وبعد ان عمل لفترة وجيزة تعطل،والدراسات المنشورة عليه اليوم،هي المنشورة قبل خمس سنين،ولا جديد فيه.واكثر من ذلك ان بعض الدول يمارس فيها قمع للافكار الشابة المتطلعة لمستقبل افضل،حتى في المجال التكنولوجي،فيجد المرء نفسه في الغرب آمنا على نفسه واسرته وتطلعاته من وجوده في بلدانه الاسلامية،فتساهم ابتكاراته في تطوير مستقبلهم بينما يظل مستقبلنا مجهولا واسيرا لمستقبل الامم الأخرى.
ولو كان المسلمون منفتحين كما ينبغي على كتاب ربهم،آخذين بتعاليمه،ملتزمين بسمات المتقين وصفاتهم،غير غارقين في التفسير الأخروي لكتاب الله،ساعين لتطوير حياتهم الدنيا،كطريق لاعمار آخرتهم،لكانوا اول المهتمين بالمستقبل،واكثر المساهمين في قراءته واستشرافه وصناعته.
القرآن الكريم يدعو المؤمنين صراحة للتفكير في المستقبل الدنيوي والأخروي،وهو ما وجدناه في فهمنا للآية المباركة:\” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ \”الحشر/18
اذا الغد المقصود في الآية المباركة هو اعم من المستقبل الأخروي الذي اقتصر عليه بعض المفسرين،بدلالة استخدام لفظة الغد في القرآن الكريم للاشارة للغد الدنيوي،في عدد من آياته المباركات،اضافة للبشارة الدنيوية التي وعدها الله للمتقين من عباده المؤمنين،في قوله تعالى:\” الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ،لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .\”يونس/63،64
ولعل تركيز بعض المفسرين للمستقبل الأخروي راجع للذم المتعاظم للدنيا الذي نجده في بعض الايات والاحاديث الشريفة والروايات،لكن هذا الذم انما هو للدنيا المعوقة عن الأخرة،التي تستولي على قلوب الناس ونفوسهم فتنسيهم ذكر الله العظيم،ومستقبلهم بين يديه يقوم الاشهاد.
اما الدنيا التي هي مزرعة الأخرة،وهي الممر اليها فاعمارها وتنظيمها وازالة المعوقات منها مطلوبة بكل تأكيد،وحين يفكر المتقون اليوم بهذه الطريقة،فانهم سيمتلكون ناصية المستقبلين،مستقبل الدنيا ومستقبل الأخرة،وهو ما تشير اليه الايات المباركات التي تؤكد ان المستقبل للمتقين.
وبين ايدينا اربع آيات مباركات توضح ذلك،وتقدم امثلة حسية تاريخية للمتقين السابقين الذين التزموا التقوى في حياتهم حتى وهم يصارعون اعداءهم فجاء المستقبل الدنيوي لصالحهم ومن غير شك فان الجنة مآلهم في الأخرة ايضا،وهي آيات يجدر بنا التأمل فيها لصياغة تخطيط لاهتمام جديد بالمستقبل،يساهم في الدفع بواقعنا نحو التطور الى الافضل.
قوله تعالى:(تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)القصص/83
قوله تعالى:(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)طه/132
قوله تعالى:(قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)الاعراف/128
قوله تعالى:(تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)هود/49
والعاقبة على ما قيل لغويا من(ع ق ب) وعاقبة كل شيء آخره،ومادة(عقب) في أصلها تدل على ( التلو )، وهو أن يتلو الثاني الأولَ ويتبعه، يقال: عقب الثاني الأول،ونفهمها في القرآن الكريم بمعنى المستقبل النهائي سواء في الدنيا او الآخرة.
ومع ان كل هذه الآيات تكشف عن خلاصات لاحداث وقت في الماضي لانبياء عظام في تاريخ البشرية الا ان نتائجها عامة ولا تقتصر على زمانهم،ويمكن للمتأمل في هذه الآيات المباركات ان يستخلص منها النتائج والعبر التي لا يستغنى عنها اليوم من اجل مستقبل افضل،للدين والدنيا،والناس والوطن.