اتوقف اليوم عن الاسترسال في الـتأملات القرآنية،لتسليط الضوء على انموذج لايثار النجاح المجتمعي على حساب النجاح الشخصي،وهو ما نجده في شخصية السبط الاول لنبينا الكريم محمد (ص)،وقد بشر النبي بولادة سبطه الحسن المجتبى وذكر عنه حديثا في غاية الاهمية بالنسبة لنا اليوم معاشر المسلمين،نتعلم منه ان نقدم دائما نجاح المجتمع على نجاحنا الشخصي او الفئوي اوالقبلي او الطائفي،ذلك لان نجاح المجتمع كل المجتمع سيعود بالنفع العام على الجميع،بينما نجاح شخص او فئة او قبيلة او طائفة ليس بالضرورة سيصل الى بقية شرائح المجتمع.
‘,’
نتذكر في هذا اليوم بالذات شخصية الامام الحسن بن علي بن ابي طالب (ع) لانه يصادف ذكرى ولادته،حيث ذكرت مصادر المسلمين انه ولد سلام الله عليه في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك في العام الثالث الهجري،وقد اشارت المصادر ان النبي (ص) بشر المسلمين حينها،بان الله سبحانه وتعالى سوف يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين،وهذا ما حدث بالفعل حيث ان الامام الحسن المجتبى استطاع ايقاف انقسام امة المسلمين في تلك اللحظة التاريخية الى طائفتين وعاد بها الى سيرتها الاولى،امة واحدة،موحدة في نظامها السياسي والاجتماعي بعد ان سفكت الكثير من الدماء،وتحطمت الكثير من الوشائج.
لقد تمت هذه العودة علي يدي الامام سلام الله عليه،بدخوله في صلح مع معاوية ابن ابي سفيان،يتنازل فيه الامام صلحا عن الحكم،وهو الخليفة الذي بايعه المسلمون بعد شهادة ابيه علي امير المؤمنين عليه السلام،وقد اصبح محل لوم شديد من قبل قادة جيشه والمقربين منه،وصل الى حد التجريح الشديد،لكنه سلام الله عليه لم ينساق وراء الضغوط الداخلية المتعاظمة،ولخص مغزى الخطوة التي قام بها،في كلمة نقلها الرواة عنه \”ان ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة\”.
هذه الكلمة التي لو وضعها الكثير من السياسيين نصب اعينهم اليوم،لتحولوا من النظرة الضيقة الى السعة الاستراتيجية،حيث ان الجماعة وهي تعني الوحدة بلغتنا اليوم اهم بكثير من التجزئة مهما كان حجم اصحابها وخطرهم وامتلاكهم للحق حسب تقديرهم،وهي بالنسبة لاي امة مسألة استراتيجية،يحسب لها العدو قبل الصديق حسابا جديا في نظرته وعلاقته بها.
غير ان القاصرين لا يرون ابعد من مصالحهم الشخصية او الفئوية او القبلية او الطائفية،وهم بحاجة الى تعلم درس التحول من الجزئي الى الكلي ومن الآني الى الاستراتيجي من سبط الرسول الاول الامام الحسن بن علي المجتبى عليه السلام.
ومن المؤسف حقا ان نجد بعض المؤرخين يسقطون في النظرة الضيقة ايضا،حيث يقصون الامام الحسن المجتبى من تاريخ الخلفاء الراشدين،فيصنفون الخلفاء الراشدين اربعة،ولايعتبرون الامام الحسن من خلفاء الدولة الاموية حسب التقسيم المعروف،فيخرجونه من قائمة الخلفاء الذي قادوا هذه الامة،مع انه حكم ما يزيد على ستة اشهر،وارسل الولاة هنا وهناك،وكان منهم من اصبح من ولاة معاوية بن ابي سفيان بعد ذلك،ولكنهم يذكرون بعض الخلفاء الاخرين الذي لم يحكموا لاكثر من اسبوع،وفي تقديري ان هذا راجع الى عدم ادراك الخطوة العظيمة التي قام بها الامام الحسن المجتبى،وبشر بها النبي (ص) المسلمين يوم ولادة سبطه الاول.
لقد آثر الامام الحسن بن علي عليه السلام ترك السياسة لصالح مستقبل الامة،وتفرغ للجانب العلمي في تنمية الموارد البشرية العلمية القادرة عن مواجهة الاخطار الحقيقية التي تواجه الامة في مستقبلها،وهو الدور الاساس الذي ينبغي للعلماء والقادة الدينيين التفرغ اليه،طالما ان مور المسلمين الاخرى تجرى وفق الالتزام بالقانون العام الذي توافقوا عليه .
ان ذكرى ولادة الامام الحسن المجتبى عليه السلام تثير فينا اليوم حس الرجوع للوحدة الدينية والوطنية،وهي قضية في غاية الاهمية في اولويات التفكير الديني،حيث ان القرآن الكريم يعتبر الوحدة طريقا هاما للتقوى والتعبد لله سبحانه وتعالى.
\”ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون\”الانبياء/92
\”وان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون\”المؤمنون/52