الإساءات المتكررة من قبل صحف غربية لشخص النبي الكريم محمد(ص) هي ابعد من تعبير عن حرية التعبير، والرسوم اكبر من حجمها على الورق أو مكونات نفسية ومعرفية لعقلية الرسام الدنمركي، أو محرري الصحف الغربية المتضامنة معه، أو السياسات الغربية الرافضة للتفاعل مع أي دبلوماسية عربية وإسلامية من اجل احترام مقدسات المسلمين.
إنها تلخص الشعور بالعجز والغطرسة في ذات اللحظة، شعور بالعجز أمام شخصية غير غربية استطاعت أن تستقطب الملايين من الغربيين ليدينوا بدين أتى به هذا الرجل الشرقي، وهذه الملايين يمكن لها أن تغير الفلسفة التي قام عليها الغرب، وهو الخوف الذي عبر عنه الفيلسوف الأمريكي فوكوياما، حين أشار الى أن ما يخيف في الإسلام أن يتحول الحجاب إلى ظاهرة في شوارع لندن وباريس وبرلين وبقية العواصم الغربية.
‘,’
وعلى عكس ما كان بعض قاصري النظر في الغرب يتوقعون أن تؤدي بعض الأحداث كالحادي عشر من سبتمر الى نفور شديد عن الإسلام في الغرب، فعملت الإلة الإعلامية الضخمة عندهم على التحريض ضد هذا الدين العظيم واتهام أتباعه بالإرهاب بدليل وبغير دليل، جاءت النتائج الإحصائية مخيبة لآمالهم، فقد ازداد الإقبال على الإسلام، وارتفعت معدلات المتحولين إليه بشكل ملحوظ.
أكثر من ذلك أن جهات دينية وعلمية وسياسية في الغرب، أخذت تجهر بأهمية الاستفادة من قيم الإسلام إن على الصعيد التشريعي أو لحل المشاكل الاجتماعية، أو الاعتراف بجهوده في تشكيل التلوين الحضاري للغرب والعالم، وهذا ما يقلق الغربي المتغطرس، الذي يرى نفسه مركز الكون، وسيد الحضارات، والمدار الذي ينبغي للبشرية أن تدور حوله وتخدمه لمزيد من الإشباع والهيمنة.
لقد عملت فلسفات غربية وتوجهات لبعض العلوم الإنسانية، التي طورها ومنهجها بعض علماء الغرب، على زرع فكرة المركزية الغربية في لاشعورالانساني الغربي، حتى أصبح عنده من المسلمات أن يكون هو السيد وبقية الشعوب خداما خلقوا من اجله، وهذه الفكرة هي التي تسمح له بكل صلافة أن يستنفذ 85%من طاقة العالم، على حساب بقية أرجائه، وهي الفكرة التي تجعله يقرر للشعوب الأخرى حاضرها ومستقبلها، لا من باب المساهمة في ارتقاء هذه الشعوب وإنما من اجل أن يخدم هذا التطور المشروع الغربي، فالديمقراطية التي قام عليها نظامه السياسي، ممتازة في كل انحاء العالم إن جاءت نتائجها حسب ما يريد هو(الغرب)، ومضرة ويجب أن تحطم بأي طريقة وان توسل بالإرهاب، إن جاءت بنتائج لا تتفق مع مشروع الغرب.
الغربي السيد، الذي يصعب عليه أن يعترف بالمساواة الإنسانية، يرى منافسا قويا يهز الأرض من تحت قدميه، ويحطم الفلسفة التي قامت عليها حضارته، ووطدها بالقوة والغلبة، لم يمتلك هذه المرة إلا سلاح الاستهزاء، لأنه لا يستطيع استخدام لغة المنطق والعقل الذي فجر هو ثورتها بعد الأديان، ولا شك أن سلاح الاستهزاء هو سلاح العاجزين.
وكلما اتسعت لغة الرسوم المسيئة وازداد نشرها، كشف ذلك عن اتساع رقعة العجز، عجز الغرب أمام خاتم الرسالات السماوية، وليس أمام المسلمين بالطبع، لان المسلمين (في الأعم الأغلب) مستسلمون للغرب اكثر مما هم مسّلمون لرسالة نبيهم محمد (ص)، والمستسلم لعاجز اعجز منه.
لن يغير أي اعتذار من الغرب للمسلمين من معادلة العجز هذه، إلا انه قد يقلل من الخسائر الاقتصادية في التعاملات التجارية بينه والمسلمين، كما تفطن لذلك رئيس تحرير صحيفة يدعوت احرنوت الذي اعتذر عن نشر الرسم المسيء بعد تلقي هيئة التحرير نحو 100 رسالة احتجاج من قراء عرب لنشر الرسم الى جانب خبر عن الرسام الدنمركي، إذ هدد قسم من المحتجين العرب بالغاء اشتراكاتهم في الصحيفة.
لذلك فان العمل الأنجع اتجاه هذه الإساءات المتكررة والتي لا يتوقع لها أن تتلاشى بل ستأتي بأساليب أخرى في المرات القادمة، إن العمل الانجع يتمثل في مزيد من الترويج للإسلام في الغرب، وتقديم البرامج الإسلامية للمشكلات التي يعانيها إنسان الغرب اليوم.والانفتاح على التيارات المنصفة التي تبحث عن معالجات واقعية للازمات البشرية.