من دون مناقشة رفض رئيس الوزراء الدنماركي فوك راسموسن لقاء ممثلين عن الدبلوماسية العربية في كوبنهاجن للتحدث معه عن الإساءة التي قامت بها صحيفة يولند بوستن بنشر صور كاريكاتيرية لسيد الانام محمد (ص)، بحجة أن النشر حرية تعبير، وان الصحافة سلطة مستقلة لا يد للحكومة الدنمركية عليها، كان ذلك في سبتمبر 2005م.
ومع تصاعد الاحتجاجات في شتى أرجاء العالم، استجاب للقاء خجول، لكنه لم يتزحزح عن حجته السابقة.
‘,’
وبنفس الحجة قامت سبعة عشر جريدة دنمركية بإعادة نشر الرسوم المسيئة، حدث هذا بعد عامين ونصف تقريبا، لكن الرسوم اتخذت هذه المرة رقعة أوسع، وهو ما عكس تقليصا للفجوة بين الموقف الرسمي والموقف الشعبي داخل الدنمارك بالنسبة لهذه القضية التي أثرت على سمعتها واقتصادها وعلاقاتها، وربما سيستمر التأثير لفترة ليست بالقصيرة.
بالمقابل حدث تعاظم للفجوة بين الموقف الرسمي والموقف الشعبي في الدول الإسلامية والعربية، حيث أن الموقف الرسمي بدا هذه المرة غير متحمس لاتخاذ اجراآت تتناغم مع الألم الشعبي لتكرار الإهانة بحق أقدس مقدساتهم، ألأمر الذي قد يقود إلى يأس من المواقف الرسمية بالنسبة للقضايا العامة التي تواجه الأمة.وهو أمر له انعكاسات مستقبلية خطيرة.
هذا التعاظم في الفجوة لم يكن في هذه المسألة فقط، بل انسحب أيضا على الموقف من المحرقة الإسرائيلية لغزة، التي أسفرت عن أكثر من مئة وعشرة شهداء(33منهم أطفال)، وعن مئات الجرحى(غالبيتهم من النساء والأطفال والمدنيين)فضلا عن هدم أو تخريب عشرات البنايات وإلقاء سكانها في الشوارع، ناهيك عن السرقات التي كشفت عن جشع فضيع لدى جنود الاحتلال وضباطه.
ومن استمع لأقوال الغزاويين من الرجال والنساء والأطفال أثناء تلك المحرقة يدرك حجم الفارق بين المواقف الشعبية والرسمية، وتعمق هذه الأقوال بداخله الإحباط من إمكانية تضاؤل هذا الفارق في المستقبل القريب.
ترى ألا يدرك الساسة في امتنا العربية والإسلامية أهمية التناغم مع الأمة في مثل هذه المواقف، وهل أن الضغوطات الخارجية، أنستهم مخاطر اتساع الفجوة بين ما يراه الناس كل الناس في الأمة(والأمة لا تجتمع على ظلال)، وبين ما يراه السياسيون، إلا يشعرهم هذا الفارق أن مشاعر الغضب قد تنفجر ضدهم في لحظة ما، ومن ثم يصبح مستقبلهم مهددا بأشد مما هو مهدد من الخارج.
حقا إن هنالك حاجة ماسة للعمل على تقليص هذه الفجوة، وحين لا يبادر الساسة لهذا العمل فان الأمة معنية بالتفكير الجدي في تقليصها، لأنها تشكل اكبر نقاط ضعف هذه الأمة، بينما يمكن للقادة الناضجين أن يستثمروا هذا الفارق لصالح الدفع باتجاه تقليص الضغوطات الخارجية، تماما كما نرى سياسين يحتجون بحرية شعوبهم في التعبير.لمنع الاستجابة لضغوطات خارجية والمثال الدنمركي واضح جدا.
هنا لابد من القول بين يدى مؤتمر القمة الاسلامية الذي سيعقد في داكار، أن متغيرا جديدا دخل في واقع الأمة، وهذا المتغير قد يقود إلى انسحاب مطلق من الموقف الرسمي مع مرور الزمن في حالة استمرار اتساع الفجوة، واقصد بهذا المتغير، نجاح المقاومة بصمودها، هنا وهناك، في بناء معادلة جديدة تمنع غطرسة المستكبرين ضد امة محمد(ص).وحين تجد الأمة أن هذه المقاومة تنجح في أكثر من مرة في التعبير عن كرامتها والدفاع عن مقدساتها، حينها لن تتردد أن تكون كلها مقاومة،وسيكون من الصعب الثقة في الاطر الجماعية التي تجمع الرسميين العرب والمسلمين.