الحرب على الكتاب


لي صديق صاحب دار نشر، وكنت متعودا أن التقيه مع كل معرض للكتاب في البحرين، وأسفت هذه المرة لأني قد لا التقيه، حيث كنت خارج المملكة أيام افتتاح معرض البحرين الدولي الثالث عشر للكتاب. وقد كان مفاجئا لي أن أراه أمامي في دمشق، فقال كلانا للأخر،كان من المفترض أن نلتقي في معرض الكتاب.
وحين استفسرت منه سر تخلفه عن معرض الكتاب في البحرين، قال بألم:لم نمنح تأشيرة الدخول.نحن وخمسة عشر دار أخرى.
‘,’ثم قال:هناك حرب حقيقة على الكتاب في دولنا العربية، سيما كتب بعض دور النشر المحسوبة على توجه مذهبي محدد.
قال:لك أن تتصور ما عملته بنا إحدى الدول العربية التي تنفتح على الشيطان وتنغلق على الكتاب، احتجزت كتب مجموعة من دور النشر بحجة الإطلاع على محتوياتها، وبعد افتتاح المعرض بعدة أيام، استدعينا لأخذ الكتب، وكم كان هول الصدمة إذ رأينا كتبنا على شكل تلة وقد اختلطت الكتب مع بعضها، قالوا لنا:لتفتش كل دار عن كتبها، فكان عملنا بدل أن نعرض كتبنا للبيع في المعرض، أن تبحث كل دار عن كتبها.

حقا، إن من المؤلم أن يتعامل مع الكتاب، بأشد مما يتعامل مع المخدرات، في بيئة أصبحت الأمية فيها ترتفع عام بعد عام، وأصبح الإرهاب شبحا مخيفا قد ينفجر في هذه الزاوية أو تلك، وبدل أن تتوجه الجهود للتفتيش عن المخدرات ومحاربة الإرهاب تتوجه للتفتيش الدقيق عن الافكارفي المدونات ولمحاربة الكتاب.
لكن السؤال لماذا يحاربون الكتاب؟
هل يعتقد أصحاب محاكم تفتيش الكتب، أن الفكرة يمكن لهم أن يقفوا أمامها كما صنعت محاكم تفتيش القرون الوسطى؟! ألا يعلمون في أي عصر نعيش اليوم، إلا توجد في بيوتهم أجهزة الاستقبال الفضائي والشبكة العنكبوتية، أم أنهم لم يسمعوا بالأقراص المدمجة (أو فلاش ميموري)التي يمكن لها أن تتسع لمكتبة كاملة، ويتنقل بها ألإنسان وهي في جيبه.

بصراحة متناهية أقول أن عقلية تفتيش الكتب والخوف من الفكر الأخر المختلف عنا حتى دينيا، ومنع كتبه لن يمنع أبدا من تسلل الأفكار التي نخاف منها ولن تنجح في بناء مجتمع متماسك، وحضارة بناءة.بل ستساهم في البحث عن الممنوع،وتبني الأفكار الهامشية،واللجوء لطقوس العزلة.ونمو الجماعات المتطرفة.

لنسمح للكتاب بان يحل في معارضنا ومكتباتنا، وليعلم الجميع بتوافره، وإمكانية اقتنائه، وسيجد الكتاب الشاذ فكريا ودينيا ووطنيا من ينتقده ويرد عليه، فتتولد بذلك أفكار ونظريات جديدة تحمي المجتمع، من دون أن تقيد حريته.والذين يبحثون عن الكتب التي نخاف منها لا ينتظرون أيام المعارض، بل ولا يزورون المكتبات، وهي تصل إليهم وهم جلوس في بيوتهم.

وإذا كانت هنالك استراتيجية تتوفر على موارد مالية وبشرية ومادية من اجل الحفاظ على هوية المجتمع وتحافظ على تماسكه، فلتصب في مجال خلق مزيد من الحوارات الداخلية حول الثقافات الواردة من الفضاء، والمولدة للجماعات الفرعية، من أمثال عبدة الشيطان وأشباههم.
وفي تقديري أن مجتمعنا حافل بالشخصيات والمؤسسات الأهلية والرسمية ما يمكن لها أن تتصدى لأي افكار يتلمس فيها الناس الخطر على هويتهم الدينية والوطنية.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *