وحدة المجتمع ضرورة دينية تؤكد عليها النصوص المقدسة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وروايات عن أئمة الهدى، كما تؤكدها أقوال لعلماء الأمة بمختلف مبانيهم.
كما أنها ضرورة حياتية وحضارية، فمن دون هذه الوحدة ستكون حياة هذا المجتمع غير آمنة مطمئنة، ومن ثم لن تكون لهذا المجتمع وجهة حضارية مميزة، تقف بها بصف العطاءات الحضارية لدى المجتمعات البشرية الأخرى.
وفي حراك المجتمع وتدافعه تطفو على سطحه بين فينة وأخرى، تيارات تريد اخذ المجتمع باتجاه الغلبة لطائفة أو مجموعة على حساب الأخرين، وهذه هي الطائفية المقيتة والعصبية المذمومة التي يحذر منها الدين، وتكون على حساب الوطن، وتقود إلى نتائج كارثية في المستقبل.
‘,’
ومجتمعنا في البحرين ليس بدعا من المجتمعات الإنسانية، بل نحن أنموذج للمجتمع البشري بخيره وشره، يمكن للخير فينا أن ينمو ويرتقي بنا إلى مصاف أعظم الحضارات الإنسانية، ويمكن للشر فينا أن يلحقنا باسوء المجتمعات المتخلفة، وهذان المصيران بأيدينا لا بأيدي الآخرين، وبإرادتنا وليسا وفق ما يخطط له الآخرون سرا أم جهرا.
وإذا كان المتوقع من التشكيلات السياسية أن تدفع بالمجتمع باتجاه الطائفية السياسية أو الفئوية العنصرية، حينما تضيق رؤيتها وتضغط عليها أيديولوجيتها الفارزة لها عن بقية فئات المجتمع تحت أي مسمى وعنوان وان كان دينيا، فان الغير متوقع والمرفوض دينيا وعلميا وحياتيا أن يسقط العلماء (بالمعنى الأعم)في فخ الادلجة الطائفية أو العنصرية، فينظرون(من التنظير) لهذه الطائفة أوتلك، أو هذه الجماعة اوتلك لإضفاء طابع ديني أو علمي أو ضرورة حياتية على تحيز وتميز، تلغي به هذه الطائفة أو المجموعة الأخرين، أو تضعف دورهم في المجتمع.
ولقد وجدنا في الغرب علماء حاولوا أن يؤسسوا لنظرية تمايز الغربيين عن غيرهم باسم الجنس الأبيض، لكن العلماء الحقيقيين فيهم وجدوا في هذه النظرية انتصارا لعنصرية مقيتة، واعابوا على أصحابها ما ذهبوا إليه.
ودينيا لازلنا نعاني نحن معاشر العرب والمسلمين من عنصرية يهودية تتسلح بنظرية دينية تجعل لهم الدنيا والآخرة وتقذف بالآخرين في الجحيم في الدارين.
ووجدنا في وسطنا العربي تمجيدا لبعض القادة الذين روج لهم على أساس أنهم ضرورة حياتية وتاريخية ومصيرية لشعوبهم ومجتمعاتهم بل وامتهم، ثم تبين للعيان أنهم لم يكونوا أكثر من لعنة تاريخية حلت على هذه الأمة، وأبعدتها عن الاستمطار من رحمة الله عز وجل، فكان يوم نهايتها يوم أمل جديد.
العلماء معنيون بإظهار علمهم حين تتضخم الطائفية على حساب الوطن، والجماعة على حساب المجتمع، معنيون بإظهار علمهم الديني والدنيوي، فلا شرع يؤيد استقواء طائفة أو مجموعة على بقية شرائح المجتمع، ولم نجد مستقبلا دنيويا زاهرا لمجتمع تحكمت فيه طائفة وهمشت الأخرين، بل وجدنا في الدين والدنيا أن المجتمع إنما يحلق بكله، ويبدع بحسن إدارة كافة موارده وأهمها الموارد البشرية، وأفضل الإدارات هي التي تشعر كل فرد في المجتمع بأهمية دوره وضرورته المجتمعية، فكيف إذا همشت طائفة طائفة أخرى؟!
ولا يكفي أن يظهر العلماء علمهم في مسألة الطائفية فقط، بل الموقف يتطلب أكثر من ذلك، فكل عالم تأخذ عنه طائفة أو شريحة من طائفة، معني بالنزول لهذه الطائفة أو الشريحة والتعبير لهم بجد ووضوح أن الدين والعلم ليسا مع إلغاء الأخرين أو سلب منهم ما الناس فيه سواء.سيما إذا وجد هؤلاء العلماء أن تيارا في طائفتهم يتبنى المغالاة الطائفية.
وفوق ذلك مطلوب من العلماء، وعلماء الدين بوجه خاص أن تكون لهم لقاءات(تجمع علماء الوطن) لتبني معالجات على مستوى الوطن لإنقاذه من التضخم الطائفي.
وهذا ما نفتقده في هذه الظروف. فهل من مبادر؟!