الطائفية محمودة ومذمومة


أن يعمل المرء من اجل بناء طائفته والتغلب على نقاط ضعفها وتقوية عناصر قوتها وتمكينها، ليس من الطائفية المذمومة، فالاقربون أولى بالمعروف. وان يدافع المرء عن طائفته ويجأر بظلامتها ويطالب بحقوقها، بل ويتخوف على مستقبلها ويكتشف ما يكاد لها في الخفاء فهذا أيضا من الطائفية المحمودة، فالإنسان جبل على حس دفاعي عن جماعته. وإذا لم يدافع عن طائفته فلن يتوقع من طائفته أن تقف معه وتنصره حين يحتاج إليها.
‘,’وعلى أساس من ذلك لا حاجة لاتهام من يمارس هذه الطائفية المحمودة بالطائفية المذمومة، لأننا بذلك نخرجه من حالة إنسانية طبيعية ونريد منه أن ينسى الأسرة والجماعة والطائفة بل والوطن الذي ينتمي إليه، وقد قيل\”اللي ما فيه خير لأهله مافيه خير للناس\”.
ونقل في بعض الأحاديث النبوية والروايات عن الأئمة المعصومين، ما يؤكد على أن العصبية ليست في انتصار الإنسان لقومه، إنما في أن يرى شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين.
نعم الطائفية مذمومة حين تكون سببا لظلم ألآخرين، ووسيلة للاستحواذ على ما الناس فيه سواء لصالح فئة محدودة من الناس أكانت هذه الفئة جماعة أم طائفة أم قومية أم أي نوع من التقسيم، وهي العنصرية البغيضة التي حذرت منها الأديان السماوية والمبادئ الإنسانية.
في ضوء ذلك لابد لنا من وضع الطائفية على معيار التقويم، ونمدحها إذا كانت محمودة ونذمها إذا كانت مذمومة، فليس صحيحا أن نقف موقفا سلبيا من رجل أعمال يتبنى مشاريع بناء المساجد أو المأتم أو المؤسسات الخدمية لأهل منطقته وطائفته، وان كنا نحبذ له أن يساهم بما يتسع للوطن كله، لكن ما يقوم به من عمل هو مساهمة في المحصلة النهائية لتقوية مؤسسات المجتمع.وان كانت في منطقة أو طائفة بذاتها.
غير أن هذا المثال يختلف عن قيام وزير أو وكيل أو مدير في مؤسسة حكومية بتوظيف أهل منطقته وجماعته وطائفته، في مناصب قريبة منه استفادة من صلاحياته، لأن الوزارة ليست مؤسسة خاصة بل هي ما يشمله ما الناس فيه سواء، ومن حق المواطنين أن يتنافسوا في شغل الوظائف فيها حسب كفاءاتهم وليس مناطقهم أو طوائفهم.
لذلك يصبح من حق أي مواطن وأي مجموعة أو طائفة أن تدعي أن ممارسة طائفية تمارس ضدها، وفي ذات اللحظة من حق الأخرين مطالبتها بتوثيق هذه الظلامة، ولا بد من وجود جهة قضائية تفصل في هذا الادعاء، وتأخذ التوثيق بعين الاعتبار.
علينا أن نتقبل التوظيف الطائفي في المنافسات السياسية بين الجمعيات السياسية الدينية على الساحة المحلية، وعلى جهة القضاء أن تفصل بين المحمود والمذموم من هذا التوظيف، ومن حق الرأي العام أن يطلع على حقيقة هذا التوظيف، دون حاجة لدس الرؤوس في التراب.
نعم إن التوظيف المذموم للطائفية السياسية سيؤدي إلى توترات بين أتباع الطوائف، وسيؤل بتأويلات دينية قد يغالي فيها أصحابها، وهذا ما يتطلب معالجات دينية لهذه التوترات، يتحملها العلماء من كل طائفة، والعلماء مجتمعين، ومن المؤسف أن ينأ العلماء بأنفسهم عن هذه المعالجات.
ولعل المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وهو الجهة الوحيدة في المملكة التي تجمع بين علماء من الطائفتين، هو المعني بالدرجة الأولى في معالجة هذه الآثار.ومع أن المجلس كانت له مؤتمرات كبيرة حاول فيها الإطلال على المعالجات الفكرية لمنشأ حالات الطائفية السلبية وعوامل تهديد الأمن الاجتماعي، إلا أن هذه المؤتمرات لم تتحول إلى آليات عملية تعالج واقع التوتر الناتج عن التوظيف السياسي للطائفية، والغلو في استخدام الدين للتفريق بين الأمة الواحدة.
وبالتأكيد هذا القول لا يعفي الأخرين من شخصيات ومؤسسات دينية من المساهمة في العلاج،مع التحفظ على دور الجمعيات الدينية السياسية في ذلك،لأنها جزء من المشكلة، وغالبا ما تعتبر مساهماتها غير نزيهة.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *