استراتيجية السلم صعودا ونزولا


ليس جزافا أن تكون التحية المتبادلة بيننا معاشر المسلمين السلام عليكم، وان نختم صلواتنا اليومية بالسلام، وان ندعى للدخول في السلم كافة، وان نجنح للسلم مع عدونا إذا ما جنح هو لها، وان يبشر خاتم الأنبياء(ص) بان تحية أهل الجنة هي تحيتنا في الدنيا السلام عليكم.

‘,’
الإسلام يريد للسلم إن يكون استراتيجية حياتية للمسلمين وفي كافة الأصعدة، وعلى كل المستويات، صعودا من المحكومين ونزولا من الحاكمين، وهو ما نعتقد أن الأنبياء جميعا طبقوه في سيرهم، سيما نبينا محمد(ص)، وهو كذلك ما التزم به أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين نعتقد عصمتهم، وحرصهم الشديد على تطبيق مفاهيم الإسلام واستراتيجياته(حكاما أو محكومين) بغض النظر عن ممارسات الآخرين، الذين لم يعرفوا قدرهم ومكانتهم، من الإسلام وجدهم رسول الله(ص)، وما كانت لمعاناتهم أي قيمة لو لا أنهم كانوا ملتزمين بهذه الاستراتيجية، ليكونوا حجة على سائر الخلق، حيث أنهم صبروا واحتسبوا معاناتهم عند الله، وتحملوا سوء فهم حكام زمانهم للدين، ولم يلجؤا إلى أي وسيلة عنف أو تهديد أو إقصاء أو تصفية كما حاول غيرهم، رغم أن الموارد التي توفروا عليها من بشرية ومالية ومادية ومعلوماتية لم تكن بالهينة.

استراتيجية السلم هو ما نحتاجه اليوم، صعودا ونزولا، وفي تقديري أن هذه الاستراتيجية هي التي وفرت أجواء الانفتاح والحرية وشقت الطريق لمشروع التحديث الكبير على مستوى المملكة، وان ما يمكن أخذه بهذه الاستراتيجية من امتلاك قلوب الناس وتحقيق الأمن والسلامة بالقوة الناعمة، أعظم بكثير مما يمكن أن تحقيقه بلغة الضرب بيد من حديد التي تخلف من السخط أكثر مما تجلبه من الرضا، ومن المشكوك فيه أيضا أن تحقق تنمية أو تستقطب رؤوس أموال كما يحسب البعض.

لايمكن لعاقل أن لا يقدر مدى التوتر في ظل وصول الأمر إلى اعتداء أثيم على رجل امن كان يقوم بواجبه، ولايمكن لمن يحترم النفس البشرية إلا أن يدين هذا التعمد في القتل، وان يعتبر هذا الاعتداء اعتداء على الناس جميعا، كما نص على ذلك القرآن الكريم، لكن هذه الجريمة لا ينبغي لها أن تخرجنا عن استراتيجية السلم صعودا ونزولا، بل على العكس من ذلك يجب علينا جميعا أن نستثمرها لتثبيت هذه الاستراتيجية، لأن المستقبل معها سيكون أفضل بكثير، من المستقبل مع استراتيجية الضرب بيد من حديد.
ليس من الصحيح أبدا أن يمر على هذه الحادثة مرور الكرام، وتترك فئة من الناس يتوسعون في نشر ثقافة تحقيق الأهداف عبر التصفية والقتل، دون معالجة حكيمة وحاسمة، غير أن التعامل معها الذي يخترق استراتيجية السلم صعودا أو نزولا، قد يأتي بنتائج عكسية.

إن هذه الاستراتيجية تتطلب الدقة والهدوء في المعالجة، مبتعدة عن الانفعال بالموقف والأخذ بالتهمة والظنة، آخذة بعين الاعتبار كافة الاحتمالات والروايات التي أثيرت، متقصية لكل الحقائق ذات الاتصال بالحادثة.فاسحة المجال لأكبر قدر ممكن من الشفافية،بغية إطلاع الرأي العام على نتائج التحقيق،مستغرقة وقتا كافيا لتحليل كافة الملابسات،ثم بعد ذلك القبول بما سيتوصل إليه من نتائج،والعمل من قبل كافة الأطراف سيما المعنية بنتائج التحقيق بالدرجة الأولى بالعودة إلى تبني استراتيجية السلم.

إن تبني هذه الاستراتيجية صعودا تعني ترك العنف فعليا ولفظيا في المطالبة بالحقوق مهما كبرت أو صغرت، وعدم الاستسلام للانفعال أو التأثر لتحريض الآخرين مهما عظم شأنهم، وازدادت سطوتهم، لأن النتائج لن تكون مع العنف أبدا.
وتبنيها نزولا، تعني الابتعاد عن أي أسلوب عنيف في سبيل التحقيق في هذه القضية، وعدم الاستجابة لأصحاب دعوات العنف والضرب بأيد من حديد، أو توسيع دائرة المأخوذين باسم هذه القضية، وفسح المجال لفعاليات المجتمع ومشاركتها في معالجة تداعيات الحادثة، والابتعاد قدر الامكان عن المعالجات التي تتسم بالأمنية الصرفة.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *