عن الطائفية المسكوت عنها


الطائفية لفظية وعملية، واللفظية ما يصدر من خطابات سواء كانت منطوقة أو مكتوبة، تختصر الوطن في طائفة محددة وتستعدي الطوائف الاخرى وتبث ضدها ثقافة العزل والكراهية، وقد تصدر من إمام مسجد أو خطيب منبر، أو كاتب في جريدة وموقع الكتروني أو مذيع في إذاعة و تلفزيون.

‘,’وغالبا ما تواجه مثل هذه الطائفية بالرد والمناقشة والتحليل ودحض الحجة بالحجة، وربما بطائفية اشد، لذلك فان هذه الطائفية لا تشكل خطورة في مجتمع واع، وبيئة منفتحة، وقد عايشها المجتمع الإسلامي من أيامه الأولى ولن تنتهي إلى يوم الدين.
إنما الخطورة في الطائفية العملية، وهي الطائفية المسكوت عنها، وهي التي تستشري في الوزارات والمؤسسات الرسمية والأهلية، وهي التي تدان عادة من قبل المنظمات الحقوقية والإنسانية،وغالبا ما تكون موثقة بالأرقام، وهي طائفية لا يمكن معالجتها بحال من خلال النفي القاطع لوجودها، فهي ممارسة عملية لا تمحى آثارها بالألفاظ، بل تحتاج إلى عمل يلاحقها في الزوايا الظاهرة والمستورة، والى قانون يجرمها، وإجراءات عملية تمنع تولدها.
الطائفية العملية لا تختصر الوطن في طائفة فقط، بل إنها بعد ذلك تختصر الطائفة في تيار، ثم تختصر التيار في فئة محدودة لها مصالحها الخاصة.وهي مصالح مهما عظمت لا تستطيع أن تبني وطنا متعدد الطوائف والتيارات والفئات والأعراق.
حينما يشعر المواطن أن طائفية عملية تمارس ضده ينتابه إحباط شديد، ولا يرى أن هذه الممارسة من قبل مسئول إداري يصعب عليه التظلم عنده، بل هي سياسة عامة تستهدف إقصاء الطائفة التي ينتمي إليها، وليس بعيدا بعد ذلك أن تتولد لديه مشاعر عدوانية قد تظهر في الألفاظ، وغير بعيد في الأفعال.
لذلك فان المواطن العادي يهمه من الصحفيين المضادين للطائفية أن يميطوا اللثام عن الطائفية العملية، ولا يتطلب الأمر منهم أكثر من جرد لأسماء القياديين التنفيذيين في كل وزارة ومؤسسة وهيئة حكومية وأهلية تعمل على مستوى الوطن، لترى هل أن التركيبة القيادية فيها بريئة من الطائفية العملية، بل والفئوية، في البعض منها.
المصلحون الذين يهمهم مستقبل الوطن، حريصون على إقصاء الممارسات الطائفية العملية من مؤسساته، بل إن الطائفة الرشيدة هي التي ترفض أن يختصر الوطن فيها، وتمسك على يد أي فئة فيها تريد إقصاء الآخرين من نصيبه في الوطن، تحت أية ذريعة، والحق أن الساكتين على ذلك، والقابلين به، يضرون طائفتهم على المستوى الاستراتيجي، فمنطق الحق يأبى ذلك، وفي التاريخ عظات كثيرة، كشفت أن الذين سلكوا هذا المسلك من أي طائفة أصبحوا مذمومين من قبل طائفتهم قبل الآخرين.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *