التدبر في القرآن الكريم يقود الى النجاح، هذه حقيقة نحتاج الى تذكرها في شهر رمضان الكريم، ونحن في بدايات ايامه، وربما امكن القول ان افضل الايام للتدبر والتأمل في هذا الكتاب الخالد هي ايام هذا الشهر المبارك، وذلك لتزامن نزوله، كوحي على رسول الله (ص) في هذا الشهر.
\”شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان\” البقرة ٥٨١.
‘,’ان الهداية تعبر عن الرؤية التي يحتاجها الانسان في الحياة ليصل لتحقيق اهدافه وتطلعاته، واي نجاح يحتاج في اول ما يحتاجه الى رؤية واضحة تدفع الانسان لتسخير كافة امكانياته وموارده لتحقيق ما يصبو اليه.
وحين لايمتلك الانسان رؤية واضحة في الحياة، يضيع في دهاليزها، حتى تنقضي به، وهو لم يحقق شيئا. والقرآن الكريم يقدم للإنسان في كافة المجالات وعلى مختلف الاصعدة لما يحتويه من شمولية في نظرته للحياة الحاضرة، وحياة ما بعد الموت، وبذلك لايستغني الباحث عن النجاح عن الرجوع اليه لاستخلاص افضل الرؤى وانقاها، وادقها تبصرة في استراتيجيات حياته.
هذا لا يعني ان يكون الانسان مفسرا للقرآن الكريم، فهو يحتاج الى مختص، لكن التدبر يحتاج منه الى تفريغ نفسه بعض الوقت للتأمل في كتاب الله عز وجل، في موضوع هو يبحث عن رؤية فيه، مستفيدا من التفاسير المختلفة للكشف عن امر يصعب عليه فهمه قاصدا التتلمذ بين يدي القرآن الكريم آخذا ببصائره للحياة، سيما في هذا الشهر المبارك.
وتماما كما ان لدينا نوعين من التفسير، تفسير متدرج من آية الى آخرى، دون اخذ الاعتبار للترابط بين الآيات حتى في السورة الواحدة، لفهم الآية كوحدة قائمة بنفسها، وتفسير موضوعي يعالج الآيات القرآنية التي تتناول موضوعا واحدا من مختلف الابعاد، كذلك يمكن القول ان التدبر نوعان، جزئي يقتصر على الآيات واحدة واحدة، وموضوعي يحاول استيضاح الرؤية بالنسبة لموضوع محدد، كموضوع النجاح في القرآن الكريم مثلا، وهو ما سنتابعه في هذه المقاولات بإذن الله تعالى.
والتدبر الموضوعي يمنحنا رؤية استراتيجية قرآنية للمجال الذي نتطلع اليه، ونكشف من خلاله العلاقات التراتيبية بين الآيات التي وردت في المجال المطلوب، والبناء المتكامل للشخصية او المجتمع من خلال هذا المجال، وربما كشف ايضا عن معادلات لم تكن تأخذ بعين الاعتبار من قبل. وتساهم هذه الطريقة من التأمل والتدبر، في تسليط الضوء على النقص الذي يواجه الواقع المعاش، والنظريات السائدة بالنسبة لمجال محدد، وبعد ان نرجع متأملين متدبرين في القرآن الكريم موضوعيا، نعود مجددا للواقع معالجين ومطورين وفق بصيرة قرآنية واضحة.
لقد شابت علاقتنا بالقرآن الكريم وبعض العادات والتصورات الخاطئة، كقراءة القرآن دون تأمل، او قراءته على الاموات فحسب، او موسميا فقط، وما شابه ذلك، وهي بالتأكيد عادات سلبية لن تقودنا لاستثمار الطاقات الهائلة المخزونة بين دفتي كتاب الله عز وجل في سبيل نجاحنا وتقدمنا، لذلك حان الوقت في هذا الشهر الكريم لنقرر النجاح عبر التدرب على التأمل والتدبر في القرآن الكريم، وستجد نفسك تتغير الى الافضل في بناء شخصية ناجحة، تتجاوب مع العوامل والظروف لتحقيق المزيد من الانجاز، فيما تتطلع اليه من اهداف.