اذا كان التدبر في القرآن الكريم يقود إلى النجاح فكيف نتدبر في القرآن؟؟
بالتأكيد هذا السؤال يأتي في ذهن كل انسان، حيث تقدم له نصيحة التدبر في القرآن، فليس احد الا ويبحث عن النجاح في الحياة، وهناك الكثير من الناس من سمع الآيات الكريمات التي تحث على التدبر في القرآن الكريم، الا انه لم يكن جاداً في الاخذ بها، وربما الآن وفي ضيافة هذا الشهر الكريم، وبفيض من بركاته ينفتح قلب الانسان المسلم، وتشتعل بداخله الرغبة ليكون ناجحاً في الحياة عبر بوابة القرآن الكريم.
‘,’والتدبر في القرآن الكريم ليس صعباً كما انه ليس خاصا بفئة معينة من الناس كما يحلو للبعض ان يروج لذلك مثلما راجت فكرة اقتصار دراسة الكتب المقدسة لدى اتباع الديانات الاخرى على فئة محدودة من رجال الدين، ولو كان كذلك لما دعا القرآن الكريم نفسه كافة الناس للتدبر فيه، وذلك هو ليس بالسهولة والبساطة التي قد يتخيلها البعض من القراء، بل هو ممارسة تأملية تحتاج الى تركيز في التفكير، ودقة في اقتناص البصائر المتولدة من عملية التدبر.
لكي تتدبر في القرآن الكريم تحتاج اولا لتحديد المجال او الموضوع الذي تريد استبصار الهداية القرآنية فيه، وستجد ان بعض الكلمات التي نعطيها للمواضيع التي نبحث عنها قد لا تجد الفاظاً او مشتقات الفاظها في القرآن الكريم، فكلمة النجاح مثلاً لن تجد لها لفظة ولا اشتقاق، لكن ستجد لفظة قرآنية تعطي نفس المعنى، وقد تعطي معنى اوسع وابعد واشمل واعمق، كما في لفظة الفلاح، للدلالة على موضوع النجاح في القرآن الكريم.
في المرحلة الثانية وبعد ان تقع على اللفظة المطلوبة، او اقرب الالفاظ اليها، تقوم بجمع كافة الآيات التي وردت فيها هذه اللفظة ومشتقاتها، وفي حالتنا وجدت ٠٤ آية اشتملت على لفظة مشتقات الفلاح.
في المرحلة الثالثة، عليك ان تقوم بعملية تصنيفية للآيات إلى مجموعات حسب البعد الذي تتحدث عنه كل مجموعة، وستكتشف ان هناك علاقة تراتيبية بين هذه المجموعات، وهي تكشف عن الابعاد التكاملية للموضوع قيد التدبر حسب معطيات القرآن الكريم. وهذه المرحلة تحتاج إلى تفكير مركز، وتصنيف دقيق، وقد تأتي واضحة جداً حسب مدلولات الآيات المباركات في كل مجموعة وقد تأتي غامضة بعض الشيء وتحتاج إلى تأمل اعمق، وستجد في حالة التدبر في آيات النجاح انها تتوزع إلى ٤ مجموعات، الاولى تتعرض للذين لا نصيب لهم في النجاح، والمجموعة الثانية تتعرض للراجين والمؤملين الذين يتوقع لهم النجاح بشروط، اما الثالثة فتوصف حالة المتنامي في النجاح، والمجموعة الرابعة تقدم عرضا جازما عن الذين وصلوا القمة في النجاح.
في المرحلة الرابعة، ستجد نفسك منطلقاً وبشغف شديد للتعمق الاكثر في تفاصيل بصائر المجال الذي تبحث عنه، وعندها ستأخذ آية آية للتأمل فيها وتسجل اولاً بأول كل ملاحظة وبصيرة تستنبطها من خلال عملية التدبر. وحينها ستكتمل لك صورة التدبر في المجال الذي تبحث عنه.
وبالتأكيد ان التدبر كأي مجال تفكير آخر، يحتاج إلى ادوات وآليات ومواصفات نفسية للقائم به، وهي بحاجة الى مراجعة للكتب المختصة للراغبين في التوسع، لكن بشكل عام ينبغي للمرء مهما اوتي من المعرفة والعلم ان لا يغوص آفاق التدبر إلا بعد الاطلاع على ما يكشفه المفسرون من معانٍ غامضة للالفاظ القرآنية، كما ينبغي له مراجعة اسباب النزول، ان وجدت، وان يكون متواضعا ويرى نفسه تلميذا بين يدي القرآن الكريم، ولا يرى في ما وصل اليه حقائق نهائية، بل هي بصائر قابلة للانارة الاشد حين تزود بطاقة اكبر.
انت الآن عزيزي القارئ امام فرصة لا تعوض لكي تبدأ الخطوة الاولى، وستجد نفسك في غاية السرور حين تنجح في تدريب نفسك على التدبر في كتاب الله العزيز، وعندها سترى القرآن ربيع قلبك في هذا الشهر الكريم، بل في كل حياتك.