الصوم‮.. ‬نجاح


ونحن في ضيافة الله عز وجل في شهر رمضان المبارك، لابد من الاشارة إلى ان الصيام كممارسة عبادية غائبة هي نجاح في حد ذاتها، ويمكن لنا من دون ادنى شك ان نقول ان الهدف من تشريع الصيام هو بناء شخصية ناجحة في الحياة.
فهذه العبادة التي تغير الحياة اليومية للانسان رأسا على عقب، وتحوّله من تابع إلى مستقل، ومن مقود إلى رغباته وبطنه وفرجه إلى قائد لشهواته واحتياجاته، لاشك انها تبرمج شخصيته على امتلاك ناصية امره ومن ثم توفر بين يديه ملاكا من اهم ملاكات النجاح.
‘,’ولكي لا نذهب بعيدا، نعود للقرآن الكريم، لنأخذ منه البصيرة في الغاية من الصيام، يقول تعالى:
»يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون« (البقرة: ٣٨١).
والتقوى في مفهومها النهائي تعني ممارسة يومية، بل لحظية تؤدي إلى النجاح، وهو ما ساتعرض له في مقالات قادمة باذن الله تعالى، لكن يكفي القول هنا، اننا لو تساءلنا بين يدي القرآن الكريم، ولماذا ينبغي علينا ان نكون متقين، هل ذلك يؤثر على بنائنا الشخصي والاجتماعي والحضاري؟؟
وتأتينا الاجابة في العديد من الآيات القرآنية، ان الهدف من التدرب على التقوى، وتحوّل هذه الممارسة إلى حالة لا شعورية، ان نكون ناجحين في الحياة الدنيا فائزين في الاخرة بالجنة، ولاشك ان هذه الغاية هي اقصى ما يتمناه كل انسان، يقول تعالى:
»واتقوا الله لعلكم تفلحون«
والفلاح نجاح في الدنيا وفوز في الاخرة، وهي اللفظة التي يستخدمها القرآن الكريم بدلا عن لفظة النجاح، لما تحمل في مضمونها من معان اعمق من لفظة النجاح، وهو ما تشير اليه اقوال المفسرين للقرآن الكريم حين يفسرون لفظة الفلاح او مشتقاتها في العديد من آيات كتاب الله العزيز.
النجاح تغيير نحو الافضل، والصيام ممارسة عبادية تقود إلى التغيير نحو الافضل، وان استشارة اولية نطلبها من اي طبيب سيذكر لنا ان للصيام المردود الايجابي على صحتنا، بل ينصح بها في الطب البديل كعلاج لامراض كثيرة، نتيجة لتراكم المخلفات الضارة بداخل اجسامنا، لفترة طويلة من الاستهلاك اليومي للاطعمة بشكل غير مقنن، او حتى نتيجة تلوثات لا ندركها في بعض الاطعمة، حتى لو كنا على حرص شديد في تناولها.
لكن الأهم في قضية الصيام وهو ما يقود بشكل سريع نحو النجاح، هو الدفع باتجاه تألق الروح، بعد ان كاد ان يخفيه الجسد بضغوطاته ومتطلباته، والروح هو ما يجعل ارادة وعقل وفكر الانسان متقدة، تقتنص الفرص من حولها، وهذا الذي يقود للنجاح، اذ النجاح من نصيب اصحاب الارادات الذين يركزون في استخراج طاقاتهم الذهنية والحيوية، فيصلون إلى اهدافهم، ويسطرون الانجاز بعد الانجاز، بينما الذين استغرقوا في الانشغال بمتطلبات الجسد، يرون قطار النجاح يمر صوبهم، لكنهم لم يقطعوا تذكرة الركوب بعد.
فهنيئا للصائمين.

, ,