إضاءات قرآنية في طريق النجاح (1) – النجاح دعوة ربانية


ازدادت في الآونة الأخيرة الاهتمامات بموضوع النجاح، فصدرت عدة كتب ودراسات حول الناجحين، وسيكولوجية النجاح ومهاراته، وأنشئت عدة معاهد ومراكز تهتم بالتدريب على مهارات النجاح والتفوق.بل برز علم وفن جديد يزاوج بين علم النفس واللغة لمصلحة تطوير مهارات النجاح والتفوق وهو \”البرمجة النفسية اللغوية\” أو \”البرمجة اللغوية العصبية\” المختصر في اللغة الإنجليزية ب:NLP. ومع أن هذه الدراسات والمعاهد وهذا العلم والفن الجديد قدمت إضافات يعتز بها في مجال النجاح والتفوق إلا أنها لم تستوعب مسألة النجاح من كل جوانبها وبقيت فيها من الثغرات ما يجعل الحديث عنها لدى البعض من مروجيها ما يشبه الاصطياد التجاري، أكثر منه تدريبا على مهارات النجاح وطرائق تفكيره.

وباعتبارنا مسلمين نرى أن الإسلام دين حياة قبل أن يكون لما بعد الموت فلا بد لنا من البحث عن تعاطي الإسلام مع هذا الموضوع الهام في حياة الإنسان الفرد والمجتمع.

ويمثل القرآن الكريم مصدر الإشعاع الأول لفهم هذا الموضوع في رؤية الإسلام للحياة. من هنا جاءت هذه المحاولة لفهم البصيرة القرآنية في موضوع النجاح.
ولابد من التأكيد كما سيتبين لنا في تضاعيف هذه البصيرة إن النجاح دعوة ربانية، ومناداة قرآنية تتكررعلينا كلما تصفحنا القرآن الكريم، بل إن الدعوة للنجاح تتكرر علينا كل يوم حين ننادى للصلاة\”حي على الفلاح..حي على الفلاح\”وما الفلاح إلا النجاح المتواصل من حياتنا الدنيوية إلى مصيرنا في الآخرة.

إن التأمل في دعوات كل الأنبياء والمرسلين والأئمة الهداة الميامين والعلماء الربانيين، يكشف لنا أنها جميعها تستهدف السعادة الدنيوية للإنسان قبل سعادته الأبدية في الآخرة، وتستهدف ربح الإنسان على الله سبحانه وتعالى في الدارين. يقول تعالى:\”يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم\”.

وقد ورد في مفهوم حديث قدسي، أن الله سبحانه وتعالى خلق الناس ليربحوا عليه لا ليربح عليهم.
ثم إن النجاح في الحياة سبب لدخول الجنة، وهي رغبة كل مسلم بل وكل مؤمن بالرسالات السماوية، فإذا لم نعمل للنجاح من أجل الدنيا، لما يلف هذا المصطلح من تهوين يصل لدرجة العزوف أحيانا، فإننا مطالبون بالنجاح في الدنيا من أجل أن لا نخسر الجنة في الآخرة، والجنة لن تكون إلا من نصيب الناجحين، وحين لا يجد المرأ له مكانا فيها فلن يكون البديل بالنسبة إليه إلا النار، إذ لا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار.

من هنا يؤكد القرآن الكريم أن النجاح والتفوق الحقيقي، يتمثل في دخول الجنة، يقول تعالى: \”فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز\”.
ويقول أيضا: \”لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون\”.
ويتعاظم دور العمل من أجل النجاح في الحياة حين نراجع الطبيعة الأولى للنفس، وهي طبيعة تدفع نحو الخسارة وليس النجاح، حيث أكدت سورة العصر على هذه الطبيعة الأولى، يقول تعالى:\”والعصر إن الإنسان لفي خسر\”.

وفي آية أخرى: \”إن النفس لأمارة بالسوء..\”.

وهذا يعني أن ترك النفس من دون الأخذ بعوامل النجاح ومهاراته، لن يدفع الإنسان إلى عدم التقلب في بركات النجاح فحسب، بل سيقذف به في دياجير التخلف والخسران.
إن التأمل في الطبيعة الأولى للنفس البشرية، يجعلنا جادين في طلب النجاح، كما هو في البصيرة القرآنية، إذ أن هذا النجاح هو برمجة قرآنية لنفس بشرية خلقها الله سبحانه وتعالى، وكشف لنا عن طبيعتها الأولى، وجعل سبل النجاح المعالجات الناجعة لهذه الطبيعة، لترتقي النفس في مدارج الكمال والتحضر.

لنتوقف للحظة لنراجع هذه الطبيعة الأولى لأنفسنا، كما يوصفها القرآن الكريم، يقول تعالى: \”وخلق الإنسان ضعيفا\” 24/النساء،
ويقول أيضا: \”..انه ليؤس كفور\” 11/هود،
ويقول تعالى: \”خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين\” 4/النحل،
ويقول أيضا: \”وكان الإنسان أكثر شيء جدلا\” 54/الكهف،
ويقول تعالى: \”وكان الإنسان عجولا\” 11/الإسراء،
ويقول جل شأنه: \”..وكان الإنسان قتورا\” 100/الإسراء.
وعن طبيعة الاستجابة النفسية، يقول جل شأنه: \”إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا\” 19، 20، 21/المعارج.
ويقول أيضا: \”إن الإنسان لظلوم كفار\” 34/إبراهيم.

وفي تصوير جميل يرسم لنا الإمام زين العابدين علي بن الحسين السجاد، الطبيعة الأولى للنفس، حين يشكوها إلى الله سبحانه وتعالى، فيقول: \”الهي إليك أشكو نفسا بالسؤ أمارة والى الخطيئة مبادرة وبمعاصيك مولعة والى سخطك متعرضة تسلك بي مسالك المهالك وتجعلني عندك أهون هالك، كثيرة العلل، طويلة الأمل، إن مسها الخير تمنع وان مسها الشر تجزع، ميالة إلى اللعب واللهو مملؤة بالغفلة والسهو، تسرع بي إلى الحوبة وتسوفني بالتوبة\”.

ولاشك أن عدم التفكير الجدي في النجاح، لن يدفع مثل هذه النفس إلا إلى مزيد من الإرتكاس، وعليه لا خيار لنا إلا أن نعمل بكل جد للوصول إلى أرقى صور النجاح، التي يرسمها لنا القرآن الكريم.
إذن سنراجع القرآن الكريم الذي نعتقد أنه يقدم لنا بصيرة نيرة في موضوع النجاح، وستكون هذه البصيرة، عامل تحريض لنا للخروج من شرنقة اللذات، والتغلب على الأزمة الحضارية التي نعيشها كمسلمين معاصرين في كل مكان.

يقول النبي(ص): \”إذا أقبلت عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فانه شافع مشفع وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار\”.

,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *