إضاءات قرآنية في طريق النجاح (10) – الحيلة لا تبني نجاحا


قبل عدة سنوات زارتني سيدة، قالت أنها مسكونة بثلاثة من الجن، صغير وكبير ومتوسط، وقد لجأت إلى احدهم واستطاع إخراج الجني الصغير، ولم يستطع إخراج الآخرين بسبب اضطراب الأفلاك حسب كما قال لها، وحين استفسرت منها كيف عرفت أنها مسكونة بالجن، قالت أن الرجل إياه هو الذي اخبرها، وقد دفعت له على عمله مبلغا كبيرا من المال، يعادل نصف مرتب طبيب، وقد قالت المرأة أنها بانتظار عودة الأفلاك لطبيعتها، وتجميع المبلغ المطلوب الذي يتناسب وحجم الجنيين الباقيين، لتدفعه لمخلص الإنسان من سلطة الجان، قلت لها وكيف استطاع هذا الرجل الحصول على هذه القدرة، فقالت قيل لي أنه ذهب إلى إحدى البلدان المختصة في التعليم الديني لمدة ستة اشهر ثم رجع بهذه القدرة الغريبة،التي يحصل مقابلها على أضعاف ما يحصل عليه الأطباء من دخل، قلت لها هل تعلمين كم يستغرق الطبيب من الوقت لكي يسمح له بمزاولة العلاج، قالت الكثير من السنوات، تزيد على عشر للمتخصصين، قلت لها: إذن كيف تقبلين وتثقين في علاج من قضى ستة اشهر ليصبح معالجا ولا تقبلين بمن قضى سنوات في تخصص دقيق. فعرفت السيدة أنها خدعت وتعرضت لابتزاز عريض.

حين يعجز البعض عن تحقيق النجاح وفق متطلباته الطبيعية، يلجؤن للحيلة بغية الوصول للثراء السريع، وعادة ما يستفيدون من بساطة بعض الناس لتمرير خداعهم، سيما أصحاب الحاجات الذين طالت عليهم فترة تحقيقها، لكن هل يمكن للنجاح القائم على الخداع والحيلة أن يستمر؟!

البصيرة القرآنية تقول أن النجاح لا يمكن أن يقوم على الخداع والحيلة، ولأن من أبرز صور الخداع والاحتيال اعتماد السحر لتضليل حواس الناس، عبر مسارات يتقن الساحر أداءها جيدا، نرى أن القرآن الكريم يركز بشكل كبير على فشل السحرة والذين هم على طريقتهم في الحيلة والخداع.

وردت بصيرة عدم نجاح السحرة كنموذج للمخادعين في آيتين كريمتين، ضمن سياق الحديث عن المجابهة بين نبي الله موسى عليه السلام وفرعون الذي استعان بالسحرة ليتغلب على موسى، لكن النتيجة كما قصها علينا القرآن الكريم، ليس تراجع السحرة فقط، بل اكتشافهم أن فرعون أراد توظيفهم لصد الناس عن الدعوة الربانية التي جاء بها موسى من الله سبحانه وتعالى، فقرروا الانقلاب عليه والدخول مع موسى في دينه رغم تهديدات فرعون المتتالية.

الآيتان هما، قوله تعالى:\”قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم اسحر هذا ولا يفلح الساحرون\” 77/يونس، وقوله تعالى:\”ولا يفلح الساحر حيث أتى\” 69/طه.

يقول صاحب تفسير الأمثل بصدد تعليقه على الآية الأولى: \”أن السحرة وبحكم عملهم وفنهم الذي له صفة الانحراف والإغفال، أفراد يفكرون في الربح، ومنحرفون يستغلون الناس ويخادعونهم، ويمكن معرفتهم من خلال أعمالهم، أما الأنبياء فهم رجال يطلبون الحق، حريصون على هداية الناس، مطهرون لهم هدف وغاية ر سالية\”. ويفرق بين السحر والمعجزة كعملين خارقين للعادة في تعليقه على الآية الثانية بقوله: \”إن عمل الساحر يعتمد على قوة الإنسان المحدودة، والمعجزة تستمد قوتها وتنبع من قدرة الله الأزلية، ولذلك فان أي ساحر يستطيع أن يقوم بأعمال محددة، وإذا أراد ما هو أعظم منها فسيعجز، فهو يستطيع أن يؤدي ما تمرن عليه كثيرا من قبل، وتمكن وسيطر عليه، وأصبح مطلعا وعارفا بكل دقائقه وزواياه وعقد ذلك العمل، إلا انه سيكون عاجزا فيما عداه، في حين أن الأنبياء يستمدون قدرتهم من الله سبحانه وتعالى .. إن الساحر لا يستطيع أن يقوم بالعمل الخارق وفق اقتراح الناس، إلا أن يكون ذلك الاقتراح مطابقا لما تمرن عليه.. إلا أن الأنبياء كانوا يقومون مرارا وتكرارا بمعاجز مهمة كان يطلبها أناس يبتغون الحق دعما ودليلا على صحتها\”.

لقد تكررت قصة المجابهة بين موسى وفرعون واستعانة الأخير بالسحرة أربع مرات في القرآن الكريم، وهو ما يدل على غاية قرآنية في توضيح فشل الذين يلجؤن للحلية والخداع كوسيلة للنجاح، وقد كان السحر فيما مضى من الزمن أبرز ألوان الاحتيال، في سوق الدعاية للتأثير على الناس لصناعة توجه معين، بل إن الأنبياء أنفسهم تعرضوا لتهمة مزاولة السحر، لكي تسقط دعواهم في أنهم أصحاب رسالات سماوية، وهو ما يكشف أيضا عن تعاظم دور السحر في حياة الناس. يقول تعالى:\”وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب\” 4/ص.

ويقول أيضا:\”ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون\” 30/الزخرف.

وهو أيضا ذات الموقف الذي اتخذه البعض من نبينا محمد (ص)، حيث يقول تعالى:\”وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين\” 6/الصف.

بقي لابد من القول أن السحر في العصور الماضية كان يمثل أشهر وسائل الخداع، أما اليوم فان باب الخداع متطور بتطور وسائل التقنية والتأثير في الناس.

,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *