إضاءات قرآنية في طريق النجاح (13) – نظم وقتك تنجح


لا يوجد ناجح في الحياة إلا وهو يعطي تنظيم وقته اهتماما خاصا، ومن لا يعرف قيمة تنظيم الوقت لا يعرف قيمة النجاح في الحياة، ويتقدم الناس على بعضهم البعض في ذات المهمات والأهداف من خلال الاستغلال الأفضل من قبل بعضهم للوقت على الآخرين، وبمقدار ما تزداد حساسية الإنسان في استثمار الوقت، ترتفع درجة اهتمامه بتحويل الزمن إلى قطع ووحدات مستقلة، يعطي لكل وحدة منها قيمتها واعتبارها الخاص، وهو يتطلع للنجاح.

والقرآن الكريم يثير في أتباعه ضرورة الاهتمام بالوقت والتنظيم، فهو يقسم في أكثر من آية منه بالوقت، \”والفجر وليال عشر..\” و \”والعصر إن الإنسان لفي خسر\” و \”والشمس وضحاها\” وآيات أخرى تبين ضرورة الالتفات إلى الوقت، وما ذلك إلا إشارة إلى أهمية الوقت في مسار نجاح الإنسان.

إن الربط بين التوقيت \”وهو تنظيم الوقت\” والنجاح هو ما يؤكده القرآن الكريم، في إحدى آياته الحاثة على النجاح، يقول تعالى: \”يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون\” 189/البقرة.

المسئول في الآية المباركة هو النبي(ص) والسائل على ما قيل مجموعة من اليهود، والتوقيت على ما ذكر في مجمع البيان هو تقدير الوقت وكلما قدرت غايته فهو موقت والميقات منتهى الوقت، والآخرة ميقات الخلق والإهلال ميقات الشهر والحج.. والمواقيت حسب تفسير الميزان الأزمان المضروبة للأفعال والأعمال، والبر النفع الحسن والتوسع في الخير، ثم بمناسبة ذكر الحج في الآية باعتباره من العبادات القائمة على مواقيت الأهلة،أشارت الآية أيضا إلى عادة جاهلية ترتبط بالحج وهي إتيان البيوت من ظهورها فقد ثبت بالنقل أن جماعة من العرب في الجاهلية كانوا إذا احرموا للحج لم يدخلوا بيوتهم عند الحاجة من الباب، بل اتخذوا نقبا من ظهورها ودخلوا منه،فنهى عن ذلك الإسلام، وأمرهم أن يدخلوا البيوت من أبوابها، وفيما نقله صاحب التبيان، روي عن جابر عن أبي عبد الله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين(ع) في قوله تعالى \”وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها..\” قال:يعني أن تأتي الأمر من وجهه، أي الأمور كان.

وجاءت كلمة الترجي في قوله تعالى\”..واتقوا الله لعلكم تفلحون\” ربما كما عند العلامة الطباطبائي، \”يمكن أن يكون المراد امتثال الأمر الخاص الموجود في الآية، وترك ما ذمه من إتيان البيوت من ظهورها\”.

والمتأمل في الآية المباركة يجدها تنير لنا ثلاث إضاءات في طريق النجاح:

1/إعطاء اهتمام خاص لتنظيم الوقت، وإنما ربطت الآية بين الأهلة والتوقيت لان الرجوع لحركة الهلال من المشاهد الحسية التي يمكن مراقبتها بسهولة من قبل كل الناس، وهي أسهل بالمناسبة من حركة الشمس، التي كشفت في وقت متأخر، وإذا ما تقدم الإنسان في نظام التوقيت بآلات يمكن لها أن تجزئ الوقت إلى ساعات ودقائق ولحظات اصغر مما يوقته الهلال، فهذا يعني أن إمكانية استثمار الوقت تزداد ومن ثم فرص النجاح تكبر. ولقد اهتمت البشرية كثيرا، بضبط الإنجاز بالوقت، وابتكرت الكثير من الأساليب والآلات، لكن يبقى أن الرجوع للطبيعة، أمر نحتاجه بصورة دائمة.

2/إن إشارة الآية المباركة، إلى إتيان البيوت من أبوابها، وربط ذلك بالنجاح، تأكيد أن للنجاح في أي موضوع مداخله الطبيعية، وان من الخطأ الكبير أن يتطلع امرأ إلى نجاح في مجال ما، لكنه يترك مداخله الطبيعية، وحسب تفسير \”من وحي القرآن\” (أن الله سبحانه وتعالى قد جعل لكل شيء في الحياة بابا يدخل منه، فلكل غاية وسيلة معينة تنسجم مع طبيعتها وواقعها، ولكل فكرة أجواؤها التي تتحرك فيها، ولكل حركة قيادتها التي تتحرك من خلالها، وبذلك تلتقي فكرة إتيان البيوت من أبوابها مع خط التقوى، كما أن إتيانها من ظهورها كناية عن الانطلاق من غير مواردها الشرعية بعيدا عن خط التقوى، ويكون البر وعدمه تابعا لذلك).

3/الحرص على الالتزام بالتقوى في أي أمر من أمورنا يقودنا بشكل طبيعي إلى النجاح، ذلك لان الالتزام بأوامر الله سبحانه وتعالى والانتهاء عن نواهيه في أي أمر من حياتنا، يقودنا إلى عدم الخروج عن الحدود التي وضعها الله سبحانه وتعالى للأمور، التي قد يجهلها الإنسان أو لا يعرف حكمتها أو قد يسعى الإنسان لتجاوزها، حين يستشعر بالاستغناء \”كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى\” والطغيان وتجاوز الحد زيادة أو نقصان يدفع المرأ إلى الفشل والهاوية كما عرفنا ذلك في مقالات سابقة.

,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *