إضاءات قرآنية في طريق النجاح (15) – ضرورات النجاح الأربع


يبسط البعض النجاح لدرجة تصورهم، أنهم يمكن لهم بين ليلة وضحاها، أن يحققوا ما حققه الآخرون في سنين، وتساهم بعض الكتابات التجارية الدعائية عن النجاح في خلق هذه الفكرة التبسيطية، فيتصور البعض، انه بمجرد أن يدخل دورة في البرمجة العصبية اللغوية، لمدة أسبوع، سيتحول إلى انجح الناجحين في أي مجال يشاء، فإذا كان كاتبا مبتدئا يتصور نفسه بعد هذه الدورة القصيرة، سيتهافت الناس على كتاباته، وحين لا يحدث ذلك، يتهم الناس بالتخلف والحمق، وإذا كان رجل أعمال صغير، يتصور نفسه وقد الهم أساليب التأثير في الناس واستخراج آخر ما في جيوبهم، لكنه يصطدم باستجابة فاترة من الناس، فيعتبرهم همج لا يفهمون، وان كان خطيبا يتصور انه بكلمات منمقه سيسحب الجمهور من أيدي كبار الخطباء، لكنه يفاجأ أيضا أن الناس صعبة الانقياد.

للنجاح ضرورات وهو لا يأتي على طبق من ذهب، بل في حالة من الكبد والمعاناة، وأنا وأنت إذا ما رمنا النجاح في أي أمر، فعلينا أن لا نبسط أمر النجاح لدرجة السذاجة، بل نأخذ بضروراته، هكذا يرش القرآن الكريم النور في طريقنا إلى النجاح، فيقول لنا أن النجاح، بحاجة إلى أربع ضرورات:

1/الصبر على ما نتعرض له من ضغوطات طبيعية في أي عمل. والصبر على ضغوطات الحياة اليومية بشكل عام.

2/التنافس مع الآخرين في تحمل صعوبات العمل بحيث يتصور الواحد أن هنالك عدوا ينتهز الفرصة للقفز على النجاح قبله.

3/المرابطة على العمل، حتى يتحقق النجاح، وفيها من استجماع كل عناصر النجاح، والترابط والتفاف مع من يقفون في ذات الصف، وإشعار النفس أن العمل قد ينهار في أية لحظة في حالة التراخي والتقاعس عن المرابطة لإنجاح العمل.

4/التزام التقوى في كل ذلك، لكي لا يخرج النجاح المطلوب عن الحدود الشرعية المقررة، وما يخرج المرأ عن الحدود الشرعية، هي الصعوبات الطبيعية التي تكتنف العمل، وكذلك منافسة ومصارعة الآخرين التي تدفع البعض للتوسل بالأساليب الملتوية للتغلب على المنافسين والمصارعين.

هذه الاضاءات نجدها في الآية الكريمة، قوله تعالى:

\”يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابرو ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون\” 200/آل عمران.

عن مجمع البيان أن المفسرين اختلفوا في تفسير (اصبروا وصابرو ورابطوا) على أقوال، احدها أن المعنى اصبروا على دينكم، أي اثبتوا عليه وصابرو الكفار ورابطوهم في سبيل الله، ثانيهاان المراد اصبروا على دينكم وصابرو وعدي إياكم ورابطوا عدوي وعدوكم، ثالثها اصبروا على الجهاد ورابطوا الصلوات.

ونقل عن الإمام الباقر(ع) انه قال معناه اصبروا على المصائب وصابرو عدوكم ورابطوا عدوكم.

وقال صاحب الميزان في تفسير الآية: الأوامر مطلقة فالصبر يراد به الصبر على الشدائد، والصبر في طاعة الله سبحانه وتعالى، والصبر عن معصيته، وعلى أي حال هو الصبر من الفرد بقرينة ما يقابله، والمصابرة هي التصبر وتحمل الأذى جماعة باعتماد صبر البعض على صبر آخرين فيتقوى الحال ويشتد الوصف ويتضاعف تأثيره، ورابطوا أعم من المصابرة وهي إيجاد الجماعة، والارتباط بين قواهم وأفعالهم في جميع شئون حياتهم الدينية، اعم من حال الشدة وحال الرخاء، ثم يفصل في تفسيره بشكل واسع حول أهمية المجتمع كما يرى الإسلام، وما يهمنا هنا التأكيد على البعد الجماعي في النجاح، وهو ما سبق أن افردنا له مقالة خاصة.وقد نقل في البحث الروائي هذه الرواية عن الإمام جعفر الصادق(ع) قال:\”اصبروا على المصائب، وصابرو على الفتنة، ورابطوا على من تقتدون به\”.

ولفهم أوضح لقيمة المرابطة بالنسبة للنجاح في الحياة، لابد من التأكيد أن المرابطة كما في تفسير القرطبي، فيما رواه عن مالك، قال ابن عطية:والقول الصحيح هو أن الرباط هو الملازمة في سبيل الله، أصلها من ربط الخيل، ثم سمي كل ملازم لثغر من ثغور الإسلام مرابطا، فارسا كان أو راجلا، واللفظ مأخوذ من الربط.

وعليه إذا ما أردت النجاح في أي عمل، فعليك أن تواجه تحدياته الطبيعية، وان تنافس الآخرين في اقتناص النجاح قبل أن يختطفوه منك، وان لا تنام عيناك عن هدفك، تماما مثل ما المرابط لا تنام عيناه عن ثغره، وان تلتزم في كل ذلك بحدود الله، فقيمة الفوز فيما انتهى بجنة عرضها السماوات والأرض في الآخرة.

,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *