إضاءات قرآنية في طريق النجاح (16) – التخطيط للنجاح


في الآيات التي تتحدث عن المرشحين للنجاح، تتكرر الدعوة القرآنية لإلتزام التقوى، فمن ضمن اثني عشر آية تكررت الدعوة للتقوى في خمس آيات منها، وما ذلك إلا لأن النجاح ما لم يكن في إطار التقوى التي تعني مراعاة حدود الله سبحانه وتعالى في كل الأمور، فانه ليس فقط سينتهي بالخسارة في الآخرة، بل انه سيكون نجاحا منقوصا في الدنيا، ولا بد أن يكون فيه شيء من التجاوز لمصالح الناس، أو حتى الإضرار بالبيئة المحيطة.

ذلك أن حقيقة التقوى هي ذلك الوازع الداخلي الذي يفرض على الإنسان انضباطا شديدا بالقيم والمبادئ والقوانين الأخلاقية الراقية، وحين يقدر للإنسان أن يتابع الآيات التي تتحدث عن التقوى، سيجد أنها آيات تدعو إلى بناء شخصية سوية راشدة، وأمة قوية متحضرة.

وهي الدعوة التي قدمها الأنبياء إلى أممهم، ولا يزال القرآن يصدع في البشرية، يدعوهم إلى العودة إلى الله والتزام التقوى، بل إن القرآن الكريم صريح في توصيته للراغبين في النجاح، أن لا نجاح إلا مع التقوى، وأي نجاح بعيد عن التقوى مآله إلى الفشل والخسارة.وهذه آية كريمة تؤكد ذلك، يقول تعالى:\”يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون\” 35/ المائدة.

إن التقوى حافز يومي على الانضباط في الحياة العامة والخاصة، وهو ما يحتاجه المرأ في عملية النجاح، فلا نجاح إلا وهو يتطلب الانضباط، فهل رأيت شركة في العالم تقبل من موظفيها التسيب والإهمال، وهل رأيت جامعة تترك طلابها من دون قوانين تضبط طبيعة علاقتهم بها، وعدد السنين التي ينبغي للطالب أن يقضيها فيها، وعدد المقررات التي يلزمه تقديم الامتحان فيها؟! لا يمكن ذلك.

من هنا فان القرآن الكريم، ومع بداية تكليف الإنسان، يؤطر حياته بالتقوى، وهو بذلك يهيئه للنجاح في الدنيا والفوز في الآخرة.

غير أن الإطار لوحده لا يكفي للنجاح بل لا بد من وجود خطة دقيقة تقود للنجاح، وهذا ما تشير إلية الآية المباركة، في ابتغاء الوسيلة إلى الله سبحانه وتعالى، فالوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود، كما في تفسير ابن كثير، والوسيلة أيضا علم على أعلى منزلة في الجنة وهي منزلة رسول الله (ص)حسب التفسير ذاته. ثم أورد بعض الأحاديث عن النبي(ص) التي تشير إلى ذلك، منها ما نقله عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص):\”سلوا لي الوسيلة لأنه لم يسألها لي عبد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة\”.

ولدى الراغب الأصفهاني في المفردات:الوسيلة التوصل إلى الشيء برغبة..وحقيقة الوسيلة إلى الله مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة. وفي تفسير الأمثل أن الوسيلة لها معان كثيرة واسعة، فهي تشمل كل عمل اوشيئ يؤدي إلى التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وحسب السيد فضل الله هي كناية عن الطرق التي يريد الله للإنسان أن يتحرك فيها على أساس هداه والغايات التي يدعو الناس إلى أن يبلغوها، فيما يتعاملون به من وسائل ويخططون له من أهداف.

ومن كل ذلك نفهم أن الوسيلة هو ما يضعه المرأ من خطة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى وما يتطلع إليه من أهداف في الدنيا والآخرة.

إن التخطيط للعمل و كما تقول الدراسات المهتمة بالنجاح، يزيد ويعزز من فرص النجاح، فأي مشروع يقوم على تصور مسبق يصبح سهل الإنجاز.. ألا ترى أن شركات المقاولات تقوم بوضع التفاصيل للمشروعات قبل أن تبدأ بعملية البناء، بل إن بعضها لا يكتفي بذلك، وإنما يصنع مجسما صغيرا له قبل بدأ العمل فيه، ولقد ثبت أن التخطيط الجيد، يشكل خمسين في المئة من تحقيق العمل، كما أن إهمال التخطيط يؤدي ليس فقط إلى الفوضى وضياع الجهود، بل إلى الإهمال والتسويف.

وتكتمل إمكانيات النجاح وحظوظه، حين يدعم التخطيط ببذل أقصى الجهد في التنفيذ، وهوا شبه بالقتال حيث يرمي الإنسان أقصى ما لديه من قوة وجهد ليتفوق على عدوه ويصرعه، وهذا ما تؤكد عليه الآية المباركة، فبعد التزام التقوى من قبل المؤمنين، واعتماد الوسيلة المقربة إلى الله سبحانه وتعالى، يبذلون أقصى الجهد لتحقيق ما خططوا له، وكما يقول صاحب الميزان أن المراد بقوله تعالى:\”وجاهدوا في سبيله\” مطلق الجهاد الذي يعم جهاد النفس وجهاد الكفار جميعا، إذ لا دليل على تخصيصه بجهاد الكفار. وبهذا التصميم يمكن لهم أن يحققوا النجاح في الدنيا بانتصارهم على أعداء الله وأعدائهم، والفوز بالجنة في الآخرة.

,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *