إضاءات قرآنية في طريق النجاح (17) – حرر عقلك وإرادتك..تنجح


النجاح بحاجة إلى عقل متوقد نشط، وإرادة قوية فعالة، وكل ما يؤدي إلى تضليل هذا العقل، أو تزوير هذه الإرادة، يحرف الإنسان عن دروب النجاح، ومن ثم الارتماء إلى حيث مستنقع الفاشلين.

البعض من الناس يعتقد أن النجاح ضربة حظ، فيرمي بكل آماله وتطلعاته إلى تلك اللحظة التي قد لا تأتي مطلقا، فيعطل عقله عن التفكير في سبل النجاح، ويوقف إرادته عن التطوير في مجالاته المختلفة، فينقضي عليه العمر وهو في موقعه الذي ولدته فيه أمه.

قيل أن رجلا سمع أن البلد الفلاني ولكثرة الثروة فيه فان المال ملقى في الطرقات، فصفى كل ما يملك وذهب إلى ذلك البلد، لكنه لم ير مالا على الأرض، فأخذ يندب حظه، ويصفق كفيه قائلا: لقد ضاع حظي في هذا البلد، فسمعه احد التجار، وقال له:نعم إن المال في هذا البلد في الطرقات ولكنه يحتاج إلى من يلتقطه، وأنت لا تعرف كيفية التقاط المال، ثم طلب منه أن ينفذ أوامره، فأطاعه، وأول ما أمره به أن يلتقط ما يوجد على الأرض من قماش وحديد وزجاج وما شابه ذلك، ثم أمره أن يبيع كل شيء مما التقطه إلى الجهة التي تستفيد منه، بعد أيام تكون عند الرجل رأس مال، فأشار عليه التجار أن يفتح له مشروعا، ومن هذا المشروع توسع في تجارته، وهكذا من التقاط المال في الطرقات تحول إلى رجل أعمال كبير.

لكي تكون ناجحا في الحياة عليك أن تحرر عقلك وإرادتك من كل ما يمكن له التأثير عليهما، سواء كان ذلك وسواس شيطاني أو تضليل من أحلام اليقظة، اوحتى تسلية مضرة بالصحة النفسية والعقلية، وأعلم انك مخزن لطاقة حيوية محدودة، إذا لم تسمح لعقلك باستثمار هذه الطاقة، عبر إرادة مشحوذة، فان هذه الطاقة ستهدر هنا وهناك على ما لا يعود عليك بالنفع في الدنيا وألأخرة، ولا تنسى دائما أن هنالك عدوا يتربص بك الدوائر ويريد لك أن تكون من الفاشلين، انه الشيطان الرجيم، الذي يقول عنه سبحانه وتعالى:\”إن الشيطان لكم عدو فاتخذه عدوا\” 6/فاطر.

وهذا الشيطان لا يتورع عن استخدام كافة الوسائل لدفعك في مستنقع الفاشلين، ولن تتحرر منه إلا بالتمسك بحبل الله القويم، وتحرير عقلك وإرادتك من كل تأثيراته.

ومن ابرز ما يستخدمه الشيطان من وسائل، الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وهي وسائل فعالة في حرف الإنسان عن دروب النجاح، ولذلك جاء التحذير القرآني للراغبين في النجاح بضرورة الابتعاد عن كل ذلك.

يقول تعالى:\”يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون\” 90/المائدة.

الخمر كما في التفسير ما يخمر العقل \”أي يغطيه\” من كل مائع مسكر عمل بالتخمير، والميسر هو القمار مطلقا، والأنصاب هي الأصنام أو الحجارة التي كانت تنصب لذبح القرابين عليها وكانت تحترم ويتبرك بها، والأزلام هي الأقداح التي كانت يستقسم بها، وربما تطلق على السهام التي يتفأل بها عند ابتداء الأمور والعزيمة عليها كالخروج إلى سفر و نحوه.

كما ـ يروى ـ أنهم في الجاهلية كانوا يتخذون أخشابا ثلاثة رقيقة كالسهام، احدها مكتوب عليه \”افعل\” والثاني \”لا تفعل\” والثالث غفل لا كتابة عليه، فيجعلها الضارب في خريطة معه فإذا أراد الخروج في أمر يهمه كالسفر وغير ذلك أخرج واحدا منها فان كان الذي عليه مكتوب افعل عزم عليه، وان خرج الذي مكتوب عليه \”لا تفعل\” تركه، وان كان الثالث أعاد الضرب، وسمي استقساما لأن فيه طلب ما قسم له من رزق أو خير..

إن الجامع المشترك بين الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، أنها رجس من عمل الشيطان، والرجس اسم لكل ما استقذر، وتأثيرها على الإنسان كبير في تضليل عقله وتمييع إرادته، وإعطائه أملا كاذبا في النجاح، وبدل أن يعتمد على قدراته الذاتية بعد الاتكال على الله سبحانه وتعالى، و التعاون مع نظرائه المؤمنين، تراه يهرب من الواقع بحثا عن اللذة في الغيبوبة، ولا شك أن الهروب من الواقع لا ينطلق في خط النجاح أبدا، وهل النجاح إلا مكابدة يومية، أو يصرف رأسماله ووقته في صفقة قمارية غالبا ما تأتي نتائجها بطريقة الصدفة البعيدة، فيبدد ما كان يمكن له أن يبدأ به من راس مال، فينعكس ذلك على حالته النفسية بأكبر خسارة مما خسره من مال، أو يتقرب إلى أصنام لعلها تسعفه وتبارك عليه، وما هذا إلا تعبير عن عجز ذاتي، أو يلغي عقله ليعتمد على ضربة حظ بناء على تخمين لا يمتلك من الواقعية رصيدا.

وهكذا يحتاج النجاح إلى عودة للنفس وتحرير للعقل والإرادة من تأثيرات الآخرين.

,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *