إضاءات قرآنية في طريق النجاح (20) – الثبات وذكر الله = النجاح والتفوق


كثيرون من الناس يحددون لهم في مطلع حياتهم أهدافا يريدون الوصول إليها، لكنهم بمرور الزمن يبتعدون عن أهدافهم حتى يخالونها مجرد أحلام راودتهم في فترة تطلع طفولي، وما ذلك إلا لأنهم اكتشفوا أن التحديات التي واجهتهم فوق قدرتهم على تحملها، وقد خفي عليهم أن الحياة مجموعة من التحديات لا يكاد المرء يجتاز تحديا حتى يجابه تحديا اكبر منه.

من هنا فان الذين يقدر لهم النجاح في الحياة، هم الذين قرروا مجابهة التحدي بعد الآخر، دون كلل أو ملل، ولعل من اكبر التحديات التي يواجها الإنسان، تحدي الأعداء والمنافسين، وما لم يكن ثابتا على موقفه، مصمما على خطته، قابضا على أهدافه، فإنهم لن يألوا جهدا في زلزلته عن قراره، وإلغاء خطته وتحطيم تطلعاته.

لا يكفي إذن أن يكون للمرء هدف يسعى لتحقيقه، بل عليه أن يكون ثابتا في سعيه لتحقيق هذا الهدف، ولكي لا تأخذ منه الظروف أو منافسة الآخرين ومصارعة المعادين، فعليه أن يتخيل تحقق أهدافه وذلك بممارسة الإيحاء الذاتي بصورة دائمة عبر الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى الذي يلهم الإنسان القوة والعزيمة في الاستمرار، لتحقيق ما يصب إليه رغم مكابدة التحديات.

وهذه الإضاءة هي ما يرشدنا إليه القرآن الكريم في الآية المباركة، قوله تعالى:\”يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون\” 45/الأنفال.

ومع أن الآية تتحدث عن المواجهة مع الأعداء كما حدث في معركة بدر، إلا أن المفسرين يقولون، أن فيها أمرا الاهيا بالثبات أمام كل مشكلة، فان الله بجانب المؤمنين به والمتوكلين عليه، والثبات يوجب النصر في أي أمر من الأمور، وبالعكس فان الانهزام والفرار يوجبان الفشل والخسران، وقد قال الراغب في مفرداته:الثبات ـ بفتح الثاء ـ ضد الزوال، وهو في المورد ـ حسب الميزان ـ ضد الفرار من العدو، وهو بحسب ما له من معنى أعم من الصبر، وذكر الله سبحانه أن يذكر المؤمن ما علمه الله تعالى من المعارف المرتبطة بهذا الشأن (الذي سعى الإنسان لتحقيقه) وفي الآية أن الله ألهه وربه وبيده الموت والحياة وهو على نصره قدير، وانه هو مولاه نعم المولى ونعم النصير، وعلق مفسر (من وحي القرآن):\”أن الإيمان يفرض على المؤمنين أن لا يدخلوا في معركة مع أي فريق من الناس إلا بعد أن تتضح لهم شرعيتها، من خلال طبيعة الموقف والتحديات الضاغطة على الإسلام والمسلمين.. وعلى هذا الأساس فلا بد لهم أن يثبتوا ويستمروا في المعركة حتى النهاية، انطلاقا من وضوح سلامة الهدف من موقع سلامة الرؤية، لأنهم سيقفون بين خيارين، النصر أو الشهادة.

وان للمؤمنين أسوة برسول الله (ص) في ثباته على الأمر وعدم تغيير موقفه رغم ما واجهه من تحديات قريش وإغراءاتها، وقد رد على كل ذلك بقوله لعمه أبي طالب:\”يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن اترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أموت دونه\”.

فذات مرة جاء وفد يضم رؤساء قريش إلى أبي طالب، الذي كان يكفل النبي (ص) ويحميه فقالوا له:\”يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سفه أحلامنا وسب آلهتنا وأفسد شبابنا وفرق جماعتنا، فان كان الذي يحمله على ذلك الفقر جمعنا له مالا حتى يكون أغنى رجل في قريش، وان كان الملك ملكناه علينا، وان كان يريد زوجة زوجناه أجمل بناتنا\”

وعندما حمل أبو طالب هذه الرسالة إلى النبي(ص) رفض تلك المغريات التي عرضت عليه، بالرغم من أنها كانت ولا تزال هي ذاتها التي يسيل لها لعاب كل الرجال من العالم: كالملك والنساء والأموال.

إن الثبات على الموقف يجعل المرء يقترب كل يوم من تحقيق أهدافه، وعلى العكس من ذلك كلما تراخى وتراجع كلما بدأت الأهداف تضيع منه، ولا فرق في أسباب هذا التراخي، مواجهة مع عدو أم تساهل في شروط تحقيق النجاح، وطالما أن الإنسان كان واثقا من مشرعية أهدافه وتطلعاته فما عليه إلا أن يبحر باتجاه إنجازها، ويأتي ذكر الله سبحانه وتعالى ليزوده بالوقود المستديم، فذكر الله نوعان لفظي وهو ما يظهر على اللسان من ذكر الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى و قدراته الغير محدودة، وقلبي وهو الاعتقاد الراسخ بان الله سبحانه وتعالى هو من يمتلك أسباب النجاح والتوفيق في أي أمر من الأمور\”لله الأمر من قبل ومن بعد..\”4/الروم، \”وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب\” 88/هود. وبذلك ينطلق المؤمن مقتحما كل ألوان التحدي لصناعة نجاح قد لا يكون احد سبقه إليه.

,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *