إضاءات قرآنية في طريق النجاح (21) – الإيمان وعمل الخير..ركنان للنجاح


يحسب بعض المتدينين أن مجرد إيمانهم كفيل بتحقيق النجاح لهم في الدنيا والفوز في الآخرة، وهي فكرة تدفع البعض إلى اعتزال الناس والعيش بعيدا عن الاحتكاك اليومي معهم، بحجة أن ذلك قد يؤثر على إيمانهم.

غير أن القرآن الكريم يربط بصورة دائمة بين الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وما يقوم به المرء من أعمال لصالح الناس، في حالة تأكيد لعلاقة ذلك بالنجاح والفشل، وهذا يعني أن الإيمان لوحده لا يكفي لتحقيق النجاح في الدنيا والآخرة، بل لابد من ارفاده بالعمل الصالح الذي يصب غالبا في خدمة الناس وقضاء حوائجهم، وتنمية المجتمع بشكل عام.

ففي إشارة واضحة إلى الفشل لمن ابتعد عن الإيمان والعمل الصالح، يقول القرآن الكريم في سورة العصر:\”والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر\” 1ـ3/العصر.

وهنا نلتقي، ونحن لازلنا بصدد متابعة الآيات القرآنية التي تتحدث عن المرشحين للنجاح، نلتقي بآية كريمة تؤكد أن النجاح بحاجة إلى تضافر عمل الخير مع الإيمان بالله سبحانه وتعالى. والإيمان بدوره لابد أن يتجسد في التزامات عملية تعكس خضوع الإنسان في حياته لله سبحانه، وخشوعه بما يؤكد انسحاقه أمام جلال الله وقدرته، وهو ما يمثله الركوع والسجود، وهي الأفعال المتكررة في الصلاة اليومية عند المؤمنين، بالإضافة إلى الالتزام بكل ما أمره الله سبحانه وتعالى من عبادات.

يقول تعالى:\”يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون\” 77/الحج.

في تفسير ألنسفي لقوله تعالى:\”ياايها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا\” قال:في صلاتكم، وكان أول ما اسلموا يصلون بلا ركوع وسجود فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع وسجود، وقد نفاه مفسرون آخرون، وفي مجمع البيان\”اركعوا واسجدوا\” أي صلوا، و\”اعبدوا ربكم\” بفعل ما تعبدكم به من العبادات، وقال في تفسير من وحي القرآن، الركوع والسجود يمثلان انحناء الإرادة الإنسانية فيما توحي به من الانحناء الروحي أمام الله، وفي الميزان الأمر بالركوع والسجود أمر بالصلاة، ومقتضى المقابلة أن يكون المراد بقوله \”واعبدوا ربكم\” الأمر بسائر العبادات المشروعة في الدين كالحج والصوم، ويبقى قوله \”وافعلوا الخير\”سائر الأحكام والقوانين المشروعة فان في إقامتها والعمل بها خير المجتمع وسعادة الأفراد.

لكن مفسرين آخرين يؤكدون أن فعل الخير المأمور به في الآية المباركة، هو فعل جميع أنواع البر، كما في تقريب القرآن، وفي مجمع البيان:معناه لا تقتصروا على فعل الصلاة والواجبات من العبادات وافعلوا غيرها من أنواع البر من إغاثة الملهوف وإعانة الضعيف وبر الوالدين وما جانسها، ونقل عن ابن عباس قوله:يريد صلة الرحم ومكارم الأخلاق، وهو ما قاله ألنسفي أيضا، وقال في من هدى القرآن:وعن الخير الذي أمرنا به في خاتمة الآية جاء في الحديث النبوي:\”راس العقل بعد الإيمان التودد إلى الناس واصطناع الخير إلى كل بر وفاجر\”.

وقال في تفسير الثعالبي:وهذه الآية الكريمة عامة في أنواع الخيرات، ومن أعظمها الرأفة والشفقة على خلق الله ومواساة الفقراء وأهل الحاجة، وقد روى أبو داود والترمذي عن النبي(ص) انه قال:\”أيما مسلم كسا ثوبا على عري، كساه الله من خضر الجنة، وايما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وايما مسلم سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم\”.

ونقل أيضا، روى ابن أبي شيبة في مسنده عن النبي (ص)انه قال:\”أيما أهل عرصة ظل فيهم أمرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة الله\”.

وواضح من كلمات المفسرين وما نقلوه من أحاديث نبوية شريفة، أن فعل الخير هو فعل كل ما يصب في مصلحة تنمية المجتمع ورفع العوز عن أهل الحاجات فيه، وهذا ما يدفعنا للقول أن البصيرة القرآنية للطامحين في النجاح، تلزمهم أن يفكروا في تنمية المجتمع بصف تفكيرهم في مشاريعهم، غير ذلك فان نجاحهم مشكوك فيه.

وهنا لابد من التأكيد أن اغلب الناجحين الذين بدءوا من الصفر في تأسيس نجاحهم، قد عملوا على تنمية مجتمعاتهم، وأتذكر من الشخصيات البحرينية الناجحة في المجال الاقتصادي، المرحوم الحاج حسن العالي رحمه الله، الذي صدر مؤخرا كتاب عن سيرة حياته، يؤكد بشكل عملي البصيرة القرآنية في ضرورة تساند عمل الخير مع الإيمان، للظفر بالنجاح في الدنيا، والانقلاب إلى الفوز في الآخرة.

,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *