إضاءات قرآنية في طريق النجاح (23) – صحح مسار حياتك..تنجح


كان لصا محترفا، لا يتورع عن البطش بمن يقف في طريقه، وكان مجرد ذكر اسمه في منطقة ما أو مجرد وجود إشاعة باحتمال تمشيطه لهذا الحي في ليلة ما كافيا لخلق الرعب في أهل ذلك الحي، ودفع بعضهم لترك سكنهم مخافة البطش بهم، وفي ظلام ليلة دامس، بينما كان يتسلق جدار احد البيوت، سمع صاحب الدار يتلو القرآن، ويردد مع نفسه بصوت متهجد قوله تعالى:\”الم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله\” فأخذ الفضل بن العياض، وهو اللص الشهير المتسلق الجدار يصغي وصاحب الدار يكرر مع نفسه، فاخترقت الكلمات قلب اللص، وبدأ يتفاعل معها، دمعت عيناه، وأخذ يجيب على سؤال الآية المباركة، بلى لقد آن يا ربي لقلبي أن يخشع، نزل من الجدار، وفي اليوم الثاني كان ملازما للمسجد يعتذر من الناس، ويرجع عليهم كل ما وقعت عليه يداه، ويتحول إلى خير يدعو إلى المحبة والسلام.

التراجع عن الطريق الخاطئ يقود بشكل طبيعي إلى النجاح، وتصحيح المسار يعزز من فرص الإنسان للتقدم في خط التفوق، وكثير من الناجحين، بدأت عجلة النجاح معهم حينما توقفوا في لحظة تأمل لمسارهم في الحياة، فقرروا أن يعدلوا من هذا المسار، أو يغيروه فتغيرت حياتهم، وان الكثيرين من الناس إنما ارتحل عنهم النجاح، لأنهم لم يقرروا التوقف للتأمل في مسارهم.

تؤكد البصيرة القرآنية أن الذين يتوقع لهم النجاح في الحياة، هم الذين يتراجعون عن المسار الخاطئ، ويفتحون صفحة جديدة، مع الله سبحانه وتعالى، وهي تعني طريقة جديدة مع الحياة كل الحياة، بإنسانها وجمادها ونباتها وحيوانها، ثم يدعمون ذلك بمزيد من القناعة في الطريقة الجديدة والعمل الصالح.

يقول تعالى:\”فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين\” 67/القصص.

ذكر مجموعة من المفسرين، منهم صاحب الجلالين والطبري والنسفي والبيضاوي، أن \”من تاب\”في الآية الكريمة، هو التوبة من الشرك، لكن مجمع البيان ذكر انه التراجع عن المعاصي والكفر، وحسب من هدى القرآن، أن من شروط التوبة هو الرجوع عن الخطأ بمحو آثاره الباطنية من النفس عن الإيمان بالرسالة، وآثاره الظاهرية من السلوك بالعمل الصالح، إذ لا يكفي أن تفتح مع الله صفحة جديدة، بل لابد من أن تملأها بعمل الصالحات.

لكن المتأمل في الآيات التي تتحدث عن التوبة، والأحاديث والروايات يرى أن التوبة اعم من التراجع عن الشرك أو الكفر أو المعاصي، بل هي التراجع حتى عن الأخطاء الطفيفة، حين تكون هذه الأخطاء بمستوى تعويق الإنسان عن تحقيق النجاح في الدنيا والآخرة، والمتابع للمقالة الماضية، يرى أن الآية التي تناولتها انتهت بدعوة المؤمنين للتوبة، بعد أن أعطت أحكاما حول النظر والثياب والحجاب:\”..وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون\” 31/النور.

وعليه فان التوبة التي تقود إلى النجاح، تعني التراجع عن المسار الخاطئ في الحياة، أو عن الخطوات الخاطئة التي تشوب خطة النجاح في كثير من الأحيان، ذلك أن النجاح يتطلب مراجعة دائمة للنفس، ولخطة النجاح، للخروج من أي انحراف ولو كان بسيطا، قبل أن يتزايد فيكون عاملا قويا في إيقاف الانطلاق باتجاه النجاح في الحياة.

يقول تعالى:\”إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب\” 17/النساء.

إن تجنب الوقوع في السوء إنما يتم بالتوسل بالعلم، والنجاح بحاجة إلى علم بمضمار النجاح، والا فان الذين لا يتسلحون بالعلم في مجالات الحياة التي يريدون النجاح فيها، يبذلون الكثير من الجهد ثم لا يتحصلون إلا على الحسرة والندامة.

لقد ثبت أن الكثيرين من الناس الذين لم ينجحوا في حياتهم، أنهم كانوا يدركون الأخطاء التي قد وقعوا فيها، بل قد أدركوها في فترة مبكرة من حياتهم، لكنهم تماطلوا في معالجتها، وتركوها حتى أصبحت ككرة الثلج المنحدرةالتي تكبر مع الزمن، ثم رأوا أن الاستسلام للفشل اقل مشقة من مجابهته، وهذه الحالة هي ما يسمى بالتسويف، التي حذر الإسلام منها. ورد في الرواية عن الإمام الباقر(ع)انه قال:\”إياك والتسويف فإنه بحر يغرق فيه الهلكى\”.

ومن هنا نجد أن الدين الحنيف يشجع على التوبة في كل الأوقات، ويدعو الإنسان إلى عدم الخجل من التراجع عن طريقة حياة اتبعها ثم اكتشف أو كشف له عن خطئها، بل إن الخطأ في البقاء عليها، وإذا كان الاعتراف بالذنب والخطأ فضيلة فان العمل على استبدال الخطأ بالصواب نجاح في الحياة الدنيا والآخرة. يقول الإمام علي (ع) لأحد أصحابه:\”فتدارك ما بقي من عمرك،ولا تقل غدا أو بعد غد، فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأماني والتسويف، حتى أتاهم أمر الله بغتة وهم غافلون\”.

واختم هنا بحديث عن النبي(ص) قال فيه:\”من تاب إلى الله قبل موته بسنة تاب الله عليه، ثم قال:ألا وسنة كثير، من تاب إلى الله قبل موته بشهر تاب الله عليه، وقال:شهر كثير، من تاب إلى الله قبل موته بجمعة تاب الله عليه، قال:وجمعة كثير، من تاب إلى الله قبل موته بيوم تاب الله، قال:ويوم كثير، من تاب إلى الله قبل موته بساعة تاب الله عليه، ثم قال:وساعة كثير، من تاب قبل أن يغرغر بالموت تاب الله عليه\”.

,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *