إضاءات قرآنية في طريق النجاح (26) – الناجحون مؤمنون


جون روكفيلر كان من أغنى أغنياء أمريكا، يضرب به المثل \”هناك\” في الجمع بين النجاح و الإيمان، وقد قيل عنه انه جمع من الثروة اكثر مما جمعه أي شخص في التاريخ إلى حينه، وقد كان مواظبا على الدعاء قبل تناول كل وجبة طعام، ويقرأ الصلوات كل يوم، وفي شبابه كان يتولى تدريس الدين في اجتماعات مدارس الأحد. وكما يذكر عنه ديل كارنيجي، لم يرقص قط، ولا لعب القمار،ولا دخل مسرحا، ولا شرب كأسا من الخمر، ولا دخن سيجارة في حياته.
وقد تبرع بمبالغ من المال للجمعيات والمؤسسات الخيرية فاقت كل التوقعات، إذ بلغت مائة وخمسين مليون جنيه، وحتى عندما أصيب في سن الخامسة والخمسين بانهيار في صحته، كان ذلك من أسعد الأحداث في تاريخ الطب عامة، فبسبب ذلك الانهيار صار الرجل ينفق الملايين على البحوث العلمية، وما تزال مؤسسة روكفيلر تنفق في هذا الباب مليونين ونصف من الدولارات كل عام. وحين تفشى وباء الكوليرا الرهيب في الصين سنة 1932، كانت كلية الطب التي أنشأتها تلك المؤسسة في بكين، من أعظم الهيئات التي تولت مكافحة الوباء.

والحق إن هنالك علاقة وطيدة بين النجاح والإيمان، بل إن الذين يعطون ظهورهم للإيمان لا ينجحون وان ظن الآخرون نجاحهم، وهذا ما وجدناه في إضاءات القرآن الكريم في الآيتين المباركتين، قوله تعالى:\”..إنه لا يفلح الكافرون\” 117/المؤمنون، وقوله تعالى:\”.. ويكأنه لا يفلح الكافرون\” 82/القصص. وهو ما وجدناه كذلك في إضاءات القرآن الكريم للذين يريدون الالتحاق بركب الناجحين، وذلك في الإضاءات التي استفدناها من الآيات المباركات:130/آل عمران، 200/آل عمران، 90/المائدة، 45/الأنفال، 77/الحج،30ـ 31/النور، 67/القصص، 10/الجمعة.

ونجد تأكيدا على العلاقة الوطيدة بين الإيمان والنجاح ونحن في أول إضاءات القرآن الكريم عن المتصاعدين في سلم النجاح، فهؤلاء المتصاعدون لهم سمات ومميزات يختلفون بها عن الآخرين، ومن أبرزها الإيمان بالله سبحانه وتعالى، بل اكثر من ذلك أن القرآن الكريم يتحدث عن تفاصيل إيمان هؤلاء، وانك لتجد أن كل مفردة من تفاصيل هذا الإيمان لها تأثير خاص في النتيجة النهائية لعملية النجاح.

إن أول آية تقابلنا للمتصاعدين فيسلم النجاح، هي الآية الخامسة من سورة البقرة، والتي هي تتويج للآيات التي قبلها، وهي قوله تعالى:\”الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقونوالذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنونأولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون\” 5،4،3/البقرة.

إن حقيقة الإيمان حسب تفسير جوامع الجامع \”في الشرع هو المعرفة بالله وصفاته وبرسله وبجميع ما جاءت به رسله، وكل عارف بشيء فهو مصدق به\” و \”هو تمكين الاعتقاد في القلب وهو مأخوذ من الأمن ، كان يعطي المؤمن لما آمن به الامن من الريب والشك وهو آفة الاعتقاد\” كما يقول صاحب الميزان.
وبذلك فان الإيمان يعني ثلاثة أمور:
1/المعرفة بموضوع الإيمان،ولو على نحو الإجمال.
2/التصديق والتسليم لهذه المعرفة.
3/ التفاعل العملي معها.

والملاحظ في الآيات المباركات أنها تشير إلى الأصول العامة في الإيمان التي توافق عليها أصحاب الأديان السماوية الكبرى في تاريخ البشرية،الإسلام والمسيحية واليهودية في بداية ظهورها، وهي الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والإيمان بالرسول الذي جاء بأمر الله سبحانه وتعالى والإيمان بالرسالة التي يحملها من الله جل وعلى، والإيمان بالآخرة كمصير لكل البشرية.

يقول العلامة المدرسي في تأكيده على العلاقة الوطيدة بين الإيمان والنجاح: إن معظم الناجحين إن لم يكن كلهم من المؤمنين بالله تعالى مما يدل على أن بين النجاح والإيمان تحالفا لا يزول، وترابطا لا ينفصم، من هنا كان الإيمان ـ على مر التاريخ ـ جزءا لا يتجزأ من كل القواعد التي تؤدي إلى النجاح مهما كان نوعه.
فأنت لاتقوم من مكانك في الغرفة، للإمساك بكاس ماء لتشربه من دون الإيمان بمعناه الواسع:الإيمان بأن ساقيك تحملانك، والإيمان بقدرتك على الإمساك بالكأس، والإيمان بأنه سوف يروي عطشك. والله العظيم الذي أعطانا القدرة على شرب الماء والفهم لحاجتنا إليه، هو وحده قادر على أن يزودنا بقدرتنا على النجاح في بلوغ أهدافنا وتحقيق أحلامنا في المجالات الخاصة والعامة، وأن يزودنا بالأمل في النجاح.

إن الناجحين يحصنون أنفسهم ضد العادات السيئة بالإيمان،ويعالجون أمراض النفس بالإيمان،ويطردون واردات الهموم بالإيمان، ويلتزمون بمتطلبات الأخلاق بالإيمان،ويمنعون أنفسهم من الانزلاق في مستنقع الرذيلة بالإيمان.

,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *