إضاءات قرآنية في طريق النجاح (27) – البعد الغيبي للنجاح


قد يحصل الإنسان على نجاح لم يكن يتوقعه، وقد تهبط ثروة على إنسان لم يكن يحلم بها، والمتابع لقصص الناجحين يجد أن أغلبهم كان يتحرك بجد من أجل تحقيق إنجاز في الحياة، لكن نتائج نجاحهم قد تأتي فوق توقعاتهم بكثير، ويصف بعضهم أنهم في لحظة ما انهالت عليهم آفاق النجاح من دون حدود، وحين يسألون عن سر ذلك فلا يمتلكون أسبابا واقعية يمكن لهم أن يفسروا بها ما حدث. بل إن البعض منهم يصلون إلى مرحلة اليأس من إمكانية النجاح، وفي لحظة يتغير كل شيء.

وقد قال متابع لحياة الناجحين:\”في مطالعتي لحياة الناجحين وجدت أن معظمهم كان في أعماق وجدانه يملك شعورا غامضا بأن هنالك وسيلة ما سوف يوفرها الباري ـ عز وجل ـ في ساعات العسرة.. وفي ذلك يكمن سر مثابرتهم، وصبرهم على الآلام، ورفضهم الاستسلام لليأس.. إنهم جميعا يؤمنون بالمعجزة، ولكن ليس بمعنى أنهم لا يحركون ساكنا، بل بمعنى أنهم لا يستسلمون للهزيمة، أو الفشل..\”

البصيرة القرآنية تؤكد على حقيقة أن الناجحين مؤمنون بالغيب، ويصف الله سبحانه وتعالى الذين قال عنهم:\”أولئك هم المفلحون\” أي الناجحون في الدنيا والفائزون في الآخرة، يصفهم بقوله تعالى:\”الذين يؤمنون بالغيب..\” 3 /البقرة. والغيب خلاف الشهود، وإذا كان عالم الشهود هو عالم المحسوسات فان عالم الغيب هو عالم ما وراء الحس، لأن الغيب في الأصل يعني ما بطن وخفي. وهذا يعني أن الناجحين في انطلاقتهم، يأخذون بالأسباب الواقعية للنجاح، لكنهم يضعون في حسابهم أن هنالك تدخلا غيبيا قد يصنع لهم قفزة بهذا العمل الذي يقومون به، وبذلك ينطلق خيالهم ألابتكاري إلى ابعد من حدود النجاح المتوقع، وفي ذات اللحظة يوطنون أنفسهم على احتمالات أن لا يكون التوفيق حليفهم في هذه المرة، فلا يصابون باليأس وينطلقون للمرة الثانية والثالثة،حتى يفتح الله سبحانه وتعالى عليهم، ولسان حالهم:\”لعل الذي ابطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة ألأمور\”.

إن المؤمنين بالغيب يتجاوزون الواقع المعاش بالتفاعل مع القضايا التي لا يصل الحس إليها بشكل مباشر، وحسب تفسير من هدى القرآن:\”الإيمان بالغيب يعني تجاوز الحقائق التي يشهدها الإنسان مباشرة للوصول إلى تلك التي لا يشهدها مباشرة، هذه القدرة التي تجعلنا نحن البشر نحصل على ميزة العلم بالمستقبل (الغيب)عن طريق معرفة الحاضر(الشهود) والعلم بالماضي(الغيب) عن طريق مشاهدة أثاره على الحقائق الحاضرة(الشهود).هذه الصفة تتعمق في المتقين (الناجحين) إلى درجة الإيمان فهم يؤمنون بالمستقبل وليس يعرفونه فقط ،ويؤمنون بالماضي وليس يعلمونه فقط\”. وهذا الكلام هو عين ما تقوله مدارس النجاح، حين تحرض الساعين للنجاح على تصور حياتهم وقد حققوا النجاح بالفعل.
لكن الإيمان بالغيب يتطلب التعرف على بعض خصائصه كما ورد في القرآن الكريم، وبمقدار ما نتوفر على ذلك، ندخل بوابة عظيمة إلى النجاح في الدنيا والفوز في الآخرة، وفيما يلي بعض الإشارات المفيدة بهذا الصدد:

1/إن الله سبحانه وتعالى هو عالم الغيب كما أنه عالم الشهادة، وهذا ما تكرر في القرآن الكريم في أحدى عشر آية، يقول تعالى:\”…عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير\” 73/الأنعام. ويقول تعالى أيضا:\”وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون\” 105/التوبة.

2/لا يمكن لأحد غير الله سبحانه وتعالى أن يستوعب الغيب، ويفهم من ذلك السعة العظمى لعالم الغيب ومجالاته، يقول تعالى:\”قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون\” 65/النمل.

3/إن الله سبحانه وتعالى يطلع بعض عباده على بعض الغيب حسب تقدير الهي خاص، حيث يقول تعالى:\”عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا*إلا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا\” 26 ـ 27/الجن.

4/أن للغيب أسرارا ومفاتيح، وربما في ذلك إشارة إلى أن الإنسان بإمكانه الإطلاع على بعض الغيب إن امتلك بعض هذه الأسرار، وهذا ما يتطلب جهدا إنسانيا خاصا، ومعرفة بطبيعة منهج الغيب الذي يحتاج إلى انفتاح عميق على الوحي السماوي باعتباره المصدر الأساس والوحيد لمعرفة هذا المنهج. يقول تعالى:\”وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين\” 59/الأنعام.

ويبقى القول أن إيمان الناجحين بالغيب كعامل خارجي يتدخل في لحظات معينة لصناعة قفزات في مضامير النجاح، هو ما يجعل الأمل في النجاح يتوقد حتى وان عاكست الظروف سفن الناجحين.

,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *