إضاءات قرآنية في طريق النجاح (28) – الإيمان بالوحي والنجاح


يؤكد القرآن الكريم أن من السمات البارزة للمتصاعدين في النجاح، إيمانهم بالرسالات السماوية كافة، بدأ بأول رسالة نزلت على البشرية، وختاما بالرسالة الخاتمة التي نزلت على نبينا محمد (ص)، هذا ما نجده في مطلع سورة البقرة، حيث يقول تعالى:\”والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون*أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون\” 4ـ5/البقرة.

وهذا ما يثير لدينا التساؤل حول العلاقة بين الإيمان بالرسالات السماوية والنجاح.

بداية لابد من التأكيد أن الناجحين في الحياة هم الذين يستثمرون كل معلومة ووسيلة في سبيل الوصول للنجاح وتدعيم نجاحهم ليستمر إلى أقصى حد ممكن.وإذا كان العلم من أهم الوسائل التي يعتمدها الناجحون للوصول إلى مآربهم باعتبار العلم طريقا للمعرفة، وهي عنصر في غاية الأهمية بالنسبة للنجاح، فإن الاقتصار على وسيلة واحدة للمعرفة يعد تقليلا من أهمية المصادر الأخرى، ومن ثم تفويت لعناصر ضرورية للنجاح يمكن أن تساهم ربما بما هو أكثر من وسيلة العلم في تدعيم عملية النجاح.
وأساسا فإن البشرية قد تعرفت في تاريخها المديد على عدة أنظمة معرفية، منها ما اثبت فشله عبر الزمن كالكهانة والسحر ومنها ما اثبت فاعليته مع مرور الزمن، وتأكد كونه نظاما معرفيا لايمكن الاستغناء عنه، وحسب بعض الفلاسفة فقد انتهت البشرية إلى ثلاثة أنظمة معرفية، تزودها برؤية ناضجة للمسائل الثلاث الكبرى في حياة البشرية (الألوهية، والكونية، والنفسية)وهي:
1/النظام المعرفي الفلسفي.
2/النظام المعرفي الديني.
3/النظام المعرفي العلمي.

وعليه فلا يمكن للناجحين إلا أن يضعوا المعرفة الدينية في اعتبارهم، ليستثمروها في طريق النجاح، غير أن القرآن الكريم يقول فوق ذلك، أن الناجحين في الحياة الدنيا، والفائزين في الآخرة، ليس هم الذين يستثمرون المعرفة الدينية فحسب، بل هم الذين يؤمنون بالوحي السماوي الذي نزل على كافة الأنبياء والرسل، ويرون انه كله يدعم نجاحهم في الدنيا وفوزهم في الآخرة.
ولفهم اكبر لدور هذا الإيمان في النجاح، لابد لنا من التذكير مجددا بمعنى الإيمان كما أشرت إلى ذلك في مقالة ماضية، إذ الإيمان يعني ثلاثة أمور، أولها: المعرفة بموضوع الإيمان ولو على نحو الإجمال، وموضوع الإيمان هنا الوحي المنزل على النبي محمد (ص) والوحي الذي أنزل على الأنبياء من قبله. وثانيها:التصديق بهذه المعرفة. وثالثها:التزام هذه المعرفة كنمط حياة، بأن يعيشها المؤمن كواقع يومي يلتزم بها في تفاصيل حياته.
والوحي هو الإعلام الخفي، يختص به الله سبحانه وتعالى مجموعة بشرية، ويتضمن هذا الوحي رسالة الله سبحانه وتعالى إلى البشر، سواء البشر في فترة زمنية أو بقعة جغرافية محددة كما نجده عند الأنبياء السابقين، أو رسالة إلى كافة البشر كما هو عند نبي الإسلام محمد (ص).
ولا يمتلك اليوم القارئ الحصيف إلا الإيمان بهذا الوحي، سيما ما جاء في القرآن الحكيم الذي لم تصل إليه أيدي التحريف البشري، إذ أن كلمات الوحي تتميز بطاقة خاصة يصعب على البشرية الإتيان بمثلها، ولقد استدل القرآن الكريم على مصداقيته بكونه وحيا سماويا وليس أقوالا بشرية بتحدي البشرية بأن يأتوا بمثله أو بمثل بعضه.

هذا إضافة إلى ما تميزت به حياة الأنبياء من طهر وصدق ودفاع عن مصالح الناس الخاصة والعامة، دون أن يرجو من الناس جزاء أو شكورا. كما أن وحدة الوحي السماوي من اكبر الدلالات على كون ما نزل على الأنبياء وحيا سماويا، رغم تباعدهم الزمني والتاريخي والجغرافي.
يقول تعالى:\”ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا\” 82/النساء. ويقول أيضا جل وعلى:\”لا نفرق بين أحد من رسله\” 285/البقرة.
إن الإيمان بوحدة الرسالات السماوية يدفع المؤمنين بها بشكل تلقائي إلى الوحدة الواقعية على الأرض، ولعل في هذه الفكرة إشارة إلى العولمة الدينية التي تجنب البشرية اليوم الكثير من المعاناة والحروب، سيما الحروب التي قامت على أساس ديني، يعطي لمعلنها الحق في أن يعتبر نفسه الكائن المتدين الوحيد وبقية الناس في شرق الأرض ومغربها كفرة يتوجب عليه تطهير الأرض منهم، ومن دون شك فان هذه الفكرة ليس ستنتهي بالفشل فقط، بل ستدفع البشرية للكفر بالأصل المؤسس لها وهو الدين.على العكس من ذلك فان الفكرة التي توحد الناس وتدفعهم للنظر لبعضهم باعتبارهم متساوين أمام الله سبحانه وتعالى، وان أصلهم واحد ومصيرهم واحد، ستحرك عندهم الدافعية للنجاح في الحياة، والتغلب على مصاعب الحياة مع بعضهم البعض، وهي الحالة المثالية التي جسدتها مجتمعات الأنبياء عليهم السلام في التاريخ، فما أحوج الناجحين للإيمان بالوحي.

,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *