إضاءات قرآنية في طريق النجاح (3) – قدوة الناجحين


تؤكد الدراسات المسيحية التي أجريت على مجموعة من الناجحين، أنهم تعلموا النجاح من خلال تقليد ناجحين سبقوهم، ويدعم هذا القول ما يذهب إليه علم النفس السلوكي أننا نتعلم السلوك من خلال البيئة المحيطة، كما نتعلم الرياضيات في المدارس بالطريقة التقليدية في التعلم، وهذا يعني أن الباحثين عن النجاح في الحياة عليهم قبل كل شيء أن يضعوا نصب أعينهم المثال الذين يريدون تعلم النجاح منه، غير ذلك فإنهم سيواجهون طريقا شائكا في الوصول إلى غاياتهم وأهدافهم، وقد يكررون الوقوع في الخطأ حتى يصلوا إلى الطريق الصحيح، كما هي طريقة تعلم الفئران في تحديد الطريق الصحيح في المتاهات.

والقرآن الكريم يقدم لنا مثالا واضحا للناجحين ويطلب منا تمثله في حياتنا لكي نحقق إنجازا في الحياة يمكن له أن يحاكي ما حققه القدوة من إنجاز.

المثال هو خاتم الأنبياء والمرسلين محمد(ص) الذي استطاع أن يحول أمة متخلفة إلى أقوى حضارة رأتها البشرية في لحظتها التاريخية، كما أنه تحول في فترة زمنية وجيزة من يتيم إلى أقوى رجل على وجه الأرض بمقاييس الدين والدنيا.

يقول تعالى:
\”ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة..\”،

والأسوة هو القدوة والمثال كما يقول المفسرون، ولاشك أن القرآن الكريم حين يطلب منا أن نجعل النبي مثالا نقتدي به يريد لنا أن نتمثله في جانبه الإنساني الذي استطاع من خلاله أن يحقق رسالته في الحياة، ولقد كان نجاحه عليه السلام نجاحا منقطع النظير بكل المقاييس. أما ما يتصل بالسماء في شخصيته فلا يمكن لنا أن نصل إليه إذ هو اختيار إلهي لا دخل للناس فيه.

يقول المؤرخ القدير \” ويل ديورانت \” في كتابه قصة الحضارة:
\” إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا أن محمدا كان من أعظم عظماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي و الأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحا لم يدانه فيه أي مصلح في التاريخ كله “.

ويقول \” مايكل هارت \” عن رسول الله (ص):
\” لقد أسس محمد ونشر أعظم الأديان في العالم، وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام، ففي هذه الأيام وبعد مرور ثلاثة عشر قرنا تقريبا على وفاته فان تأثيره لا يزال قويا وعارما متجددا.
إن أكثر الأشخاص الذين كان لهم تأثير في الأرض إنما كانت لهم ميزات فائقة لأنهم ولدوا ودرجوا في مراكز حضارية، وترعرعوا في أحضان أمم ذات سمات ثقافية وسياسية واجتماعية بالغة الأهمية.
أما محمد فقد ولد في عام 570م، في مدينة مكة جنوب شبه الجزيرة العربية التي كانت في ذلك الوقت منطقة متخلفة عن الحضارة بعيدة عن المراكز الحيوية سواء كانت تجارية أو فنية أو علمية في العالم “.

وبكل وضوح يعتبر القرآن الكريم النبي محمدا (ص) والجيل الأول من المسلمين، الذين كانوا معه، ناجحين في دنياهم وأخرتهم، إذ يقول تعالى: \”لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك هم المفلحون\” 88/التوبة.

ويكشف القرآن الكريم عن الحيوية والفاعلية التي اتسم بها هذا المجتمع مما جعله بحق يسطر الإنجاز بعد الإنجاز والنجاح تلو النجاح، يقول تعالى واصفا إياهم:
\”محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة والإنجيل كزرع أخرج شطئه فأزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما\” 29/الفتح.

,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *