إضاءات قرآنية في طريق النجاح (4) – النجاح الدائم والشامل


لا توجد كلمة النجاح في القرآن الكريم، ولا أي كلمة مشتقة من الجذر نجح، وهذا ما يدفع البعض للقول أن القرآن الكريم لم يعن بموضوع النجاح، وأن محاولة استنباط ثقافة النجاح من القرآن الكريم تكلف مفضوح، لكن هذا الإدعاء يضمحل حين نراجع المعنى اللغوي لكلمة النجاح، ومقاربتها بما يعطي معناها في القرآن الكريم.

قال في القاموس المحيط ومثله في لسان العرب: النُجح والنجاح الظفر بالشيء، ويقولان عن معنى كلمة الفوز التي تعطي معنى النجاح أنه: النجاة والظفر بالخير، أو النجاء والظفر بالأمنية والخير. أما الكلمة الأخرى التي نرى أنها تعطي معنى النجاح في القرآن الكريم، فهي كلمة الفلاح حيث ورد في القاموسين المذكورين أن: الفلح والفلاح الفوز بما يغتبط به وفيه صلاح الحال، أو هو الفوز والنجاة والبقاء في النعيم الدائم.

والتأمل في المعاني اللغوية للكلمات الثلاث يرينا أن كلمة الفلاح تختزن بداخلها كلمتي النجاح والفوز، وتعطي معنى أشمل وأوسع من الكلمتين. حيث أننا نجد أن أي فلاح هو نجاح ولكن ليس كل نجاح فلاح.

من هنا نجد أن الراغب الأصفهاني يعطي كلمة الفلاح معنى دنيويا \”وهو ما يطابق النجاح\” وآخر أخرويا، حيث يقول في غريب مفردات القرآن:

\”الفلاح الظفر وإدراك بغية، وذلك ضربان: دنيوي وأخروي، فالدنيوي الظفر بالسعادات التي تطيب بها حياة الدنيا وهو البقاء والغنى والعز، وفلاح أخروي وذلك أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل.\”

وبهذا المعنى يكون الفلاح في الدنيا هو النجاح الذي ننشده، والفلاح في الآخرة هو الفوز الذي نطمح إليه، ولعل هذا المعنى هو ما جعل المفسرين للقرآن الكريم يساوقون بين الفلاح والنجاح، ويفسرون كلمة \”المفلحون\” المنجحون.

يقول الطبري في قوله تعالى:\”أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون\” 5/البقرة.

قال: \”أولئك هم المنجحون المدركون ما طلبوا عند الله تعالى ذكره بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله، من الفوز بالثواب، والخلود في الجنان.. ثم نقل عن ابن عباس رضي الله عنه: أي الذين أدركوا ما طلبوا ونجو من شر ما منه هربوا \”.

وفي تفسير ابن كثير\”أولئك هم المفلحون\” أي المنجحون.

ويقول الطبري في تفسير الآية 103 من سورة آل عمران،\”واتقوا الله لعلكم تفلحون\”،

قال: \”لتنجحوا فتنجوا من عقابه وتدركوا ما رغبتم فيه من ثوابه، والخلود في جنانه.\”

وخلاصة هذا الفهم اللغوي للكلمات الثلاث:

1- أن كلمة النجاح تعني النجاح المحدود في مضمار معين، أو النجاح في تحقيق تطلع في حدود الحياة الدنيا. وهي كلمة لم تستخدم هي ولا مشتقاتها في القرآن الكريم، لأن القرآن لم يرد لأتباعه أن ينشغلوا بالنجاح المحدود في مجال واحد فقط،، أو حتى النجاح المحدد بالدنيا فقط، وهو يعتبر هذا النجاح لا يستحق تضييع فرصة العمر من أجله، فالحياة الدنيا مهما طالت فهي قصيرة.

2- إن كلمة الفلاح التي استعملها القرآن الكريم كجذر لأربعين لفظة وردت فيه، تعني النجاح المستمر من الدنيا إلى الآخرة، وهو أيضا النجاح الشامل لكافة مناحي حياة الإنسان، إذ أن هنالك من ينجح في دراسته لكنه يفشل في عمله، أو ينجح في عمله ويخسر في تواصله مع المجتمع، أو ينجح مع المجتمع ولكنه يضيع أسرته، أو ينجح في الدنيا لكنه يخسر الآخرة. وبذلك فان كلمة الفلاح تتضمن بداخلها معنى النجاح وليس العكس.

3- أن كلمة الفوز والتي تعني النجاح أيضا، استعملت في القرآن الكريم للتأكيد على أن النجاح النهائي والحقيقي هو ما انتهى بالفلاح في الآخرة، \”فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز\”.

4- بالنظر للمعنى المضاد لهذه الكلمات الثلاث نجد كلمة واحدة يمكنها أن تقابلها جميعا، مما يعني اشتراكها اللغوي، وهي كلمة \”الخسر والخسارة\” والتي تعني النقصان والضياع، وفي القرآن الكريم مقابلة واضحة بين كلمتي الفلاح والخسارة.

يقول تعالى: \”فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون\” 102- 103/المؤمنون.

,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *